إعداد: محمد إسماعيل يجمع شهر سبتمبر ذكرى ميلاد اثنين من أبرز صنّاع البهجة في السينما المصرية وأشهر شريكين في عالم الكوميديا، هما إسماعيل ياسين (15 سبتمبر 1912)، ورياض القصبجي (13 سبتمبر 1903). ولم يكن الأمر مجرد تزامن تاريخي في شهادات الميلاد، بل صدفة قدرية لثنائي سيترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الكوميديا؛ فإسماعيل ياسين بملامحه المميزة وخفة ظله الفريدة صار أيقونة للضحك للملايين ومن كل الأجيال، بينما جسّد رياض القصبجي شخصية «الشاويش عطية» بقوة الجسد والملامح الحادة، وحين التقيا على الشاشة انطلقت كيمياء فنية صنعت مدرسة خاصة في الإضحاك، تجاوزت حدود «الإفيه» إلى صناعة مزاج جماعي بالفرح.في هذا الملف تحيي «أخبار النجوم» ذكرى الاثنين، من خلال مسيرتهما قبل أن تتوقف عند ثنائيتهما التي صارت علامة خالدة في وجدان الجمهور العربي. كلما ذُكِرَ اسمه وجدْنَا أنفسَنَا نضحك..ومن يقدر على إضحاكنا مثل إسماعيل ياسين؟ في هذا اليوم من كل عام نتذكره، وندعو له، ونردد نكتة من نكاته، أو نتبادل مشهدًا من مشاهده، ولما لا وهو «أبو ضحكة جنان».ميلاده كان بداية رحلة طويلة من الفن والابتسامة والمواقف الإنسانية التي ما زالت تُرْوَى حتى اليوم..فيما يلي نستعرض مسيرته ككوميديان لن يتكرر عبر الزمن، وأشهر المحطات في مسيرته الفنية، والبصمة التي تركها في السينما العربية وفي قلوب ووجدان جمهوره ومحبيه. وُلِدَ إسماعيل ياسين في مدينة السويس عام 1912 في أسرة متوسطة الحال، ورغم أن طفولته لم تكن مفروشة بالورود فإنها صنعت منه شخصية مختلفة قادرة على مواجهة الصعاب بروح خفيفة. عمل في بداياته منادياً أمام أحد المحلات، ثم مطربًا شعبيًا يغني المونولوجات الساخرة، قبل أن يخطفه المسرح والسينما إلى عالمهما... هذه البدايات البسيطة صنعت منه فنانًا قريبًا من الناس، يعرف همومهم ويعبر عنها بلغة يفهمها الجميع. اقرأ أيضا: a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4623555/1/%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AB%D9%84-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84-%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%82%D9%88" title="في مثل هذا اليوم.. رحيل إسماعيل ياسين "أيقونة الضحك" التي لا تُنسى"في مثل هذا اليوم.. رحيل إسماعيل ياسين "أيقونة الضحك" التي لا تُنسى بداية المجد في ثلاثينيات القرن الماضي بدأ ياسين رحلته مع المونولوج، وكانت بداياته في الأفراح الشعبية والمقاهي والمسارح الصغيرة، وسرعان ما أصبح اسمه مألوفًا بين الجمهور... هذا الفن فتح له أبواب المسرح حيث التحق بفرقة بديعة مصابني، وهناك تعلم أساسيات التمثيل المسرحي ووقف على الخشبة للمرة الأولى. لم يكن المسرح بالنسبة لإسماعيل ياسين مجرد محطة عابرة، بل ظل شغفه الكبير، فأسس بعد سنوات فرقته المسرحية الخاصة التي قدمت عشرات العروض الناجحة، وجمعت بين الضحك والكلمة الهادفة. فكان المسرح بالنسبة له «معمل التجارب» -على حد تعبيره- حيث يلتقي مباشرة مع الجمهور ويتلقى ردود أفعالهم لحظة بلحظة، ومن خلاله صقل موهبته وبنى قاعدة جماهيرية عريضة مهدت لانطلاقته السينمائية الكبرى. نجم الشاشة الفضية مع بداية الأربعينيات بدأت السينما المصرية تشهد ازدهارًا كبيرًا، وكان لا بد أن يكون لإسماعيل ياسين مكان فيها. ظهر في البداية في أدوار ثانوية إلى جوار كبار النجوم مثل أنور وجدي وليلى مراد، لكن سرعان ما أصبح اسمه يتصدر الأفيشات. وكان الاعتماد في ذلك الوقت على وسامة الشكل، ولكن إسماعيل ياسين كان يملك سلاح خفة الدم وحضور الشخصية الكاريزمية التي تدخل القلب بلا استئذان. وإذا كان رصيد إسماعيل ياسين ضخمًا، فإن بعض أعماله تحولت إلى علامات محفورة في ذاكرة الجمهور. فمن بين أفلامه التي حملت اسمه وظلت أيقونات للكوميديا: «إسماعيل ياسين في الجيش» (1955)، و»إسماعيل ياسين في البوليس» (1956)، و»إسماعيل ياسين في الطيران» (1959)، و»إسماعيل ياسين في الأسطول» (1957)، و»إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين» (1958)... وكانت من بين أحلامه التي لم تتحقق استكمال سلسلة الأفلام السينمائية التي ارتبطت باسمه. كما شارك في أفلام أخرى شكلت علامات مثل: «ابن حميدو»، و»الفانوس السحري»، و»الآنسة حنفي»، و»اللص الشريف»، و»حماتي ملاك»، و»عفريتة إسماعيل ياسين»، وهي أفلام جمعت بين خفة الظل والمواقف الاجتماعية. ثنائية فريدة لم يكن نجاحه وليد الصدفة، بل ثمرة تعاون مع كبار الكتاب والمخرجين والموسيقيين. فعمل مع المخرج فطين عبد الوهاب الذي كان يعرف كيف يخرج طاقاته الكوميدية في أفضل صورة. كما شكل ثنائيات لافتة مع نجوم مثل عبد الفتاح القصري، ورياض القصبجي، وزينات صدقي، الذين شاركوه في صنع عالم كوميدي متكامل يظل علامة بارزة في تاريخ السينما.ومن بين الثنائيات التي تستحق الذكر تلك التي جمعته بالموسيقار رياض السنباطي في بعض الأعمال الغنائية والمونولوجات، ورغم أن هذا الجانب لم يأخذ حقه من الأضواء مثل مشواره السينمائي، فإنه يظل لمحة فريدة. ومع دخول التليفزيون المصري مرحلة البث المنتظم في أوائل الستينيات، لم يتأخر إسماعيل ياسين عن اللحاق به، فقدم مجموعة من الأعمال الدرامية والاسكتشات الكوميدية التي عُرِضَت على الشاشة الصغيرة، وجعلت حضوره يصل إلى كل بيت مصري. وكان التليفزيون نافذة جديدة له، وساحة للاقتراب أكثر من جمهوره العريض، خاصة أولئك الذين لم تتسنَّ لهم متابعة المسرح أو السينما. مسيرة استثنائية بالأرقام ما يميز إسماعيل ياسين أنه لم يكن مجرد ممثل يؤدي أدوارًا مضحكة، بل كان مدرسة قائمة بذاتها. فاعتمد في أدائه على ملامح وجهه الثرية القادرة على التعبير عن مئات الانفعالات، وعلى لغة جسده المرنة، وعلى ذكاء فني جعله يحول أبسط المواقف إلى لحظات كوميدية لا تنسى. ولم يكن يستخف بعقول المشاهدين، بل كان يقدم الضحك في قالب إنساني يحترم الجمهور ويعكس واقعه.وإذا توقفنا أمام الأرقام سنجد أن مسيرة إسماعيل ياسين لم تكن عابرة؛ فقد شارك في أكثر من 166 فيلماً سينمائياً بحسب بعض المصادر، بينما يشير آخرون إلى أن رصيده قد اقترب من 234 فيلماً، ليصبح واحداً من أكثر نجوم الكوميديا حضوراً على شاشة السينما المصرية والعربية. هذه الأعمال لم تكن مجرد إنتاج وفير، بل صفحات متتابعة صنعت وجدان جمهور كامل.أما على خشبة المسرح، فقد أسس ياسين في عام 1954 فرقته المسرحية الخاصة بالشراكة مع صديقه الكاتب أبو السعود الإبياري، وعلى مدى ما يقرب من اثني عشر عاماً قدمت الفرقة أكثر من خمسين عرضاً مسرحياً متنوعاً، بعضها تم تسجيله للتليفزيون المصري في بداياته، غير أن معظم التسجيلات ضاعت بمرور الوقت. ورغم ذلك، ظل اسم «مسرح إسماعيل ياسين» محفوراً كواحد من أهم علامات المسرح الكوميدي في مصر منتصف القرن العشرين. قدمت فرقته أعمالاً ناجحة ظلت راسخة في ذاكرة الجمهور، منها مسرحيات: «كل الرجالة كده»، و»حكيم زمانه»، و»عريس في إجازة»، و»30 يوم في السجن» التي جمعت بين الكوميديا والرسالة الاجتماعية، ورسخت مكانة فرقته كواحدة من أنشط الفرق المسرحية في تلك الفترة.ولم يكتفِ إسماعيل ياسين بالسينما والمسرح، بل ترك بصمة واضحة في الإذاعة والتليفزيون. فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي قدم مونولوجات إذاعية عُرِضَت عبر ميكروفون الإذاعة المصرية، ولاحقاً انتقل إلى الشاشة الصغيرة مع عروض واسكتشات كوميدية جعلته ضيفاً دائماً في بيوت المصريين. ولم يقتصر تأثيره على مصر وحدها، بل امتد إلى العالم العربي كله. ففي لبنان وسوريا والعراق والمغرب كانت أفلامه تعرض في دور السينما وتستقبل بحفاوة كبيرة. فأحبته الأجيال لأنه كان قريباً من الناس في كل مكان، يعبر عن البساطة ويجسد روح المواطن العربي الذي يواجه الحياة بالضحك. رحل إسماعيل ياسين عن عالمنا عام 1972، لكن ضحكته ما زالت حاضرة، وأفلامه ما زالت تعرض وتحقق نفس التأثير. فأجيال لم تعاصره ما زالت تضحك من قلبها وهي تشاهده، وهذا وحده دليل على أن الفن الصادق لا يموت. إنه الفنان الذي منح جمهوره البسمة بلا حساب، وترك وراءه إرثاً يليق بأن يظل خالداً في ذاكرة الفن المصري والعربي.