في أسبوع واحد دامٍ، شهدت الولاياتالمتحدة حادثتين مروعتين لخصتا بعمق وتعقيد أزمة العنف التي تجتاحها، فمن جهة، اغتيال سياسي مُدبر استهدف الناشط المحافظ البارز تشارلي كيرك في يوتا، ومن جهة أخرى، جريمة عشوائية وحشية أودت بحياة اللاجئة الأوكرانية الشابة إيرينا زاروتسكا في نورث كارولينا. TO MY GREAT FELLOW AMERICANS... pic.twitter.com/oRsrE5TTHr — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 11, 2025 هاتان المأساتان، رغم اختلافهما الجذري، ترسمان صورة قاتمة لأمة ممزقة بين الاستقطاب السياسي الحاد، والفشل الممنهج في التعامل مع الجريمة والصحة العقلية، وثقافة مشبعة بالأسلحة. اغتيال على الهواء مباشرة.. «نهاية تشارلي كيرك» في مشهد صادم وثقته الكاميرات وبُث على الهواء مباشرة، اغتيل تشارلي كيرك (31 عامًا)، مؤسس منظمة "Turning Point USA" وأحد أبرز الأصوات الشابة في التيار المحافظ. يوم الأربعاء الماضي، وخلال إلقائه كلمة أمام حشد من الطلاب في جامعة يوتا فالي ضمن جولته التي حملت عنوان "The American Comeback Tour"، سقط كيرك فجأة إثر تعرضه لطلقة قناص قاتلة. أعلنت السلطات، أن مطلق النار استخدم بندقية قنص من سطح مبنى مجاور ولاذ بالفرار، مما أطلق عملية مطاردة واسعة النطاق يقودها مكتب التحقيقات الفيدرالي «FBI». "The Great, and even Legendary, Charlie Kirk, is dead. No one understood or had the Heart of the Youth in the United States of America better than Charlie. He was loved and admired by ALL, especially me, and now, he is no longer with us. Melania and my Sympathies go out to his... pic.twitter.com/aM8Pz3TKml — The White House (@WhiteHouse) September 10, 2025 الحادثة لم تكن مجرد جريمة قتل، بل رسالة سياسية عنيفة، حاكمة ولاية يوتا، سبنسر كوكس، وصفت الهجوم بأنه «اغتيال سياسي»، متوعدةً بملاحقة الجاني وتقديمه للعدالة، وأكدت أن الولاية ستسعى لتطبيق عقوبة الإعدام بحقه.وقد نعى الرئيس دونالد ترامب، الذي كان كيرك من أشد مؤيديه، الناشط الراحل في منشور على منصته «Truth Social»، واصفًا إياه ب«العظيم، بل والأسطوري». وأثارت الجريمة صدمة واسعة في الأوساط السياسية، كاشفة عن مدى خطورة تحول الخلافات السياسية إلى عنف دموي. اقرأ أيضا| ترامب: «تشارلي كيرك» سيحصل على أعلى وسام مدني من ملجأ في أوكرانيا إلى نهاية مأساوية في قطار أمريكي.. «مأساة إيرينا زاروتسكا» على بعد آلاف الكيلومترات، وفي سياق مختلف تماماً، كانت إيرينا زاروتسكا (23 عامًا) تبحث عن الأمان الذي سُلب منها في وطنها أوكرانيا بسبب الحرب، لكن حلمها انتهى بوحشية على متن قطار خفيف في مدينة شارلوت. فدون أي استفزاز أو تفاعل مسبق، هاجمها رجل يدعى ديكارلوس براون جونيور (34 عامًا) من الخلف بسكين وطعنها في رقبتها حتى الموت.قضية إيرينا لم تكن اغتيالاً سياسياً، بل كانت تجسيداً لفشل نظام العدالة الجنائية والصحة العقلية. وكشفت التحقيقات أن لبراون سجلاً إجرامياً حافلاً وتاريخاً من الأزمات النفسية، مما يجعله "قنبلة موقوتة" كانت تسير في الشوارع.تحولت مأساتها الشخصية إلى وقود في معركة سياسية، حيث استغلها الرئيس ترامب لانتقاد سياسات "التساهل مع الجريمة"، قائلاً: "دماء هذه الفتاة على أيدي الديمقراطيين". من جانبها، أعلنت وزارة العدل توجيه تهم فيدرالية ضد براون، حيث صرحت المدعية العامة بام بوندي بأن "مقتلها المروع هو نتيجة مباشرة لسياسات فاشلة تضع المجرمين قبل الأبرياء"، مؤكدةً أن الادعاء سيسعى لإنزال أقصى عقوبة به. «وباء لا يتوقف» أرقام العنف الصادمة في العقد الأخير ليست حوادث هذا الأسبوع إلا فصلاً جديداً في رواية دامية. الأرقام الرسمية تكشف عن حجم الكارثة؛ فوفقًا لبيانات "أرشيف عنف السلاح" (Gun Violence Archive)، شهدت الولاياتالمتحدة أكثر من 600 حادث إطلاق نار جماعي (يُعرَّف بأنه حادث يُصاب أو يُقتل فيه 4 أشخاص أو أكثر) في كل من السنوات الأخيرة. العقد الأخير كان دموياً بشكل خاص، حيث أصبح العنف المسلح سمة مروعة للحياة الأمريكية: - مجزرة لاس فيجاس (2017): الهجوم الأكثر دموية في تاريخ البلاد الحديث، حيث أطلق مسلح النار من غرفة فندق على حشد في مهرجان موسيقي، مما أسفر عن مقتل 60 شخصًا وإصابة المئات. - مجزرة مدرسة روب الابتدائية في يوفالدي، تكساس (2022): قُتل 19 طفلاً ومعلمان في هجوم صدم الأمة والعالم. - هجوم بوفالو العنصري، نيويورك (2022): استهدف مسلح supremacist أبيض متجراً في حي تسكنه أغلبية من الأمريكيين الأفارقة، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص. والإحصائية الأكثر إثارة للقلق هي أن الأسلحة النارية أصبحت السبب الرئيسي لوفاة الأطفال والمراهقين في الولاياتالمتحدة، متجاوزة حوادث السيارات. «قلب الأزمة» معركة قوانين السلاح والانقسام السياسي في قلب هذه الأزمة يكمن التعديل الثاني للدستور الأمريكي الذي يضمن حق المواطنين في حمل السلاح. هذا الحق، الذي يعتبره الملايين مقدساً، تراه جماعات أخرى تفسيراً قديماً لا يناسب العصر الحالي بأسلحته نصف الآلية عالية القدرة. لنقاش حول تقييد السلاح يراوح مكانه منذ عقود، ففي حين يطالب الديمقراطيون بإجراءات مثل حظر الأسلحة الهجومية وتوسيع التحقق من الخلفيات الجنائية والنفسية للمشترين، يتمسك الجمهوريون، مدعومين بلوبي السلاح القوي مثل "الجمعية الوطنية للبنادق" (NRA)، بالدفاع عن التعديل الثاني ويرون أن المشكلة تكمن في الصحة العقلية وليس في الأسلحة. ورغم توقيع الرئيس السابق جو بايدن على قانون وُصف بأنه "الأهم منذ 30 عاماً" لتنظيم حمل السلاح في 2022، يرى الكثيرون أنه غير كافٍ على الإطلاق لوقف نزيف الدماء. أمة على حافة الهاوية من القناص الذي خطط لاغتيال سياسي، إلى المجرم الذي قتل بوحشية في هجوم عشوائي، تكشف قصتا تشارلي وإيرينا أن العنف في أمريكا له وجوه متعددة، لكن جذوره مشتركة: سهولة الحصول على السلاح، والانقسام السياسي المرير، ونظام يكافح لاحتواء أخطر أفراده. وإلى أن تجد الأمة إجابات حقيقية لهذه الأزمات، ستبقى هذه المآسي تتكرر، وستبقى الولاياتالمتحدة دولة تعيش في دائرة مغلقة من العنف وإطلاق النار.