يقولون: إذا أردت أن تعرف كيف تفكر أمريكا اذهب إلى هوليود.. السينما الأمريكية كانت مشغولة بأفلام عن حرب النجوم التى ابتكرها «جورج لوكاس» أستاذ الحيل السينمائية، وكائنات الفضاء وحروب الكواكب.. وتحولت بعد 11 سبتمبر 2001 إلى أفلام الإرهاب والإرهابيين. أمريكا كثيرًا ما تعكس خيالها السياسى فى مرآة السينما، وما يُعرض على الشاشات ليس مجرد ترفيه، بل هو «استطلاع مبكر» لما يمكن أن تفعله الدولة الأعظم على أرض الواقع. الأمريكيون أنفسهم أطلقوا على يوم 11 سبتمبر 2001 «يوم القيامة»، فبينما كان الرئيس بوش الابن يزور مدرسة للأطفال فى فلوريدا، شاهد من النافذة طائرة صغيرة لم تلفت انتباهه، وفجأة حدثت المأساة الأكبر فى تاريخ أمريكا. الصدمة لأن بوش كان يقرأ قبلها بيوم واحد تقريرًا أعدته أجهزة الاستخبارات يؤكد عدم وجود أى خطر يهدد الدولة.. وبقدر الصدمة كان رد فعل الرئيس: «الانتقام الرهيب». 11 سبتمبر صنع عدوًا لأمريكا بملامح شرقية أوسطية ولحية كثة، يسكن الكهوف لا النجوم، ومنذ ذلك اليوم المشئوم تغيّرت استراتيجيات الأمن القومى الأمريكى رأسًا على عقب، وأصبح الشرق الأوسط الذى جاء منه الإرهابيون هدفًا للحروب الأمريكية الجديدة. لم يعد التهديد قادمًا من صواريخ الصين وكوريا الشمالية بعيدة المدى، بل من مجموعات متناثرة ووجوه غامضة، تم تصنيفها الخطر الأكبر على «الحضارة والإنسانية»، واستمر مسلسل الانتقام الرهيب ممن وصفتهم أمريكا «دول الشر». أفغانستان أولًا، ثم العراق، موجة «الربيع العربى» التى جاءت بشعارات كاذبة عن الحرية والديمقراطية وجلبت معها الفوضى. وجرى تسويق هذه التدخلات بخطاب أخلاقى رنان هو حماية الديمقراطية مكافحة الشر نشر الحرية، ولكن الواقع كان على الأرض مختلفًا تمامًا، ولم تخلف وراءها سوى دول ممزقة وشعوب مشرّدة وجيوش تحولت إلى ميليشيات متصارعة، وتبنّت واشنطن خطة «الفناء الذاتى» بدلًا من التدخل العسكرى المباشر «دع الخصوم يقتتلون فيما بينهم، ولن يكون على أمريكا سوى أن تتفرج وتستثمر النتائج». هذه هى فاتورة الإرهاب والإرهابيين الذين تربوا فى دهاليز المخابرات الأمريكية ثم انقلبوا عليها.. وهل خرجت أمريكا فعلاً من الشرق الأوسط بعد أن أنهكت الدول المستهدفة بحروبها؟، أم أنها تركت خلفها صراعات تستمر فى الدوران عقودًا، وتضمن لها بقاء المنطقة مشغولة بنفسها، وتُبقى اليد العليا لواشنطن فى ترتيب الخرائط متى شاءت؟. لم تكن مجرد هجمات على برجى التجارة فى نيويورك، بل شرارة لسلسلة من الحروب والتغييرات الجيوسياسية التى أفرزت واقعًا جديدًا، لا تزال تبعاته تهز الشرق الأوسط والعالم حتى اليوم. وقراءة المشهد بعد 24 سنة يقول إن جراح أمريكا فى أحداث سبتمبر لم تندمل حتى الآن، وأن أفلام هوليود لم تكن رفاهية ثقافية، بل مدخل لفهم عقل استراتيجى يلبس قناع الخيال ليُمرر الحقيقة، وما بين «حرب النجوم» و»حروب الإرهاب»، يبقى الشرق الأوسط هو الخشبة التى تُعرض عليها مسرحيات المأساة.