أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن المشهد الدولى بات غارقاً فى ازدواجية فاضحة فى المعايير، وانتهاك سافر لأحكام القانون الدولى، دون أدنى اكتراث أو مساءلة، فى ظل إفلات مُمنهج من العقاب، وتصاعد مُقلق للنزعات الأحادية والتدابير الحمائية. وأضاف الرئيس السيسى أن هذا الانحدار يقوّض أسس السلم والأمن الدوليين، ويعيد البشرية إلى أجواء الفوضى واللا قانون، ويكرس استخدام القوة، كوسيلة لفرض الإرادة وتحقيق المآرب، على حساب الشرعية والعدالة، مضيفاً أنه لم يكن من المُستغرب، فى ظل هذا التراجع، أن تتفاقم الأزمات وتشتعل الصراعات وتندلع الحروب، وأن تُرتكب جرائم مروعة من قتل وتدمير، ستظل وصمة عار لا يمحوها الزمن، تطارد من تلطخت أيديهم بها. وأشار الرئيس السيسى إلى أن هذا الواقع المتردى، أضعف فاعلية العمل الدولى المشترك، وقيد قدرة الدول والمؤسسات الأممية، على التصدى للقضايا المُلحة، التى تستوجب أعلى درجات التنسيق والتعاون. جاء ذلك فى البيان الذى ألقاه الرئيس السيسى خلال مشاركته عبر الوسائل الافتراضية، فى القمة الاستثنائية لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء فى تجمع «البريكس»، والتى انعقدت بدعوة من جمهورية البرازيل الاتحادية، بصفتها الرئيس الدورى الحالى للتجمع، بمشاركة رؤساء: البرازيل، الصين، إندونيسيا، إيران، روسيا، جنوب إفريقيا وولى عهد أبوظبى ووزير الخارجية الهندى ووزير دولة من جمهورية إثيوبيا وذلك لمناقشة المُستجدات الدولية الراهنة، وتبادل الرؤى حول التطورات العالمية، فضلاً عن بحث سبل تعزيز التنسيق بين دول التجمع لمواجهة التحديات المتسارعة التى تلقى بظلالها على الدول النامية بوجه خاص. وأعرب الرئيس السيسى عن شكره إلى «لولا دا سيلفا»، رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية، على دعوته لعقد هذه القمة الاستثنائية، كما استعرض رؤية مصر لتعزيز التعاون والتنسيق بين دول التجمع، بما يسهم فى التصدى للتحديات العالمية، وتحقيق الأولويات المشتركة، وعلى رأسها: ترسيخ السلم، ودعم الاستقرار، وتعزيز الرخاء، وتحقيق التنمية المُستدامة لشعوب دول البريكس. وتقدم الرئيس السيسى بخالص الشكر والتقدير ل «لولا دا سيلفا»، على قيادته الحكيمة وجهود بلاده الحثيثة، فى رئاسة تجمع البريكس خلال العام الجارى، والتى تُوجت بالنجاح الكبير لقمة «ريو»، التى عُقدت فى يوليو الماضى، والمخرجات المهمة الصادرة عنها، كما تقدم الرئيس السيسى بالشكر إلى الرئيس «دا سيلفا»، على دعوته لعقد هذا الاجتماع المهم، لتبادل الرؤى فى توقيت دقيق، يشهد فيه العالم صراعات، تهدد العمل الدولى متعدد الأطراف، بل ومنظومة الأسس والقواعد والمبادئ، التى يستند إليها النظام الدولى.. منذ عام 1945. اقرأ أيضًا | السيسي يهنئ كوريا الديمقراطية بذكرى تأسيس الجمهورية وإمارة أندورا بالعيد القومي مثال صارخ وأوضح الرئيس السيسى أن وضع مجلس الأمن الدولى، مثال صارخ، على ما آل إليه حال المجتمع الدولى، من عجز وتراجع وهو ما انعكس سلباً وبشكل مباشر، على ثقة الدول فى منظومة الأممالمتحدة، لاسيما فى أداء مجلس الأمن ذاته، لافتاً إلى أن هذا التآكل فى المصداقية، قد دفع العديد من الدول، إلى المطالبة بإصلاح شامل لآليات عمل المجلس، بما فى ذلك الدعوة الصريحة، إلى إلغاء حق النقض «الفيتو».. ذلك الامتياز الذى تحول بمرور الزمن، إلى أداة لعزل المجلس عن الواقع الميدانى، وجعله عاجزاً عن أداء دوره المحورى، فى تسوية النزاعات ووقف الحروب، رغم كونه الهيئة الأممية، المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين. وقال الرئيس السيسى: إنه إضافة إلى ما تقدم، امتدت تداعيات هذا الوضع الدولى المتردى، لتطال مكتسبات النمو الاقتصادى العالمى، مهددة إياها بالانهيار.. حيث يشهد العالم اليوم، تباطؤاً ملحوظاً فى معدلات النمو الاقتصادى، وتراجعاً فى حركة التجارة الدولية، وتآكلاً فى الاهتمام بقضايا التنمية والتمويل الإنمائى.. وذلك فى وقت تتسع فيه الفجوات التنموية والتمويلية والرقمية فى الدول النامية، وتتفاقم أعباء ديونها، وتضعف قدرتها على النفاذ إلى مصادر التمويل المُيسر.. إلى جانب محدودية تأثير هذه الدول، فى منظومة عمل المؤسسات المالية الدولية. وأضاف السيسى: ومن هنا، تأتى أهمية تجمع البريكس، باعتباره محفلاً دولياً بازغاً، يشق طريقه بثبات، نحو ترسيخ التعاون البناء بين دوله، انطلاقاً من مبادئ المنفعة والاحترام المُتبادل، وتعزيز العمل متعدد الأطراف. مضيفاً: وفى هذا السياق، يكتسب اجتماعنا اليوم أهمية استثنائية، إذ يشكل فرصة سانحة للتشاور، وتبادل الرؤى حول سبل تعميق التكامل بين دولنا، وتنسيق الجهود لتخفيف وطأة الأزمات الراهنة، بما يعزز من قدرة دول البريكس، على الإسهام الفاعل فى صياغة نظام دولى.. أكثر توازناً وإنصافاً. وعرض الرئيس السيسى رؤية وأولويات مصر للتعامل مع هذا الواقع المقلق، مشيراً إلى عدد من الأولويات، أولاها ضرورة تعميق التشاور بين دول التجمع، حول القضايا ذات الاهتمام والأولوية فى مختلف المجالات بما يتيح فهماً أدق، لمواقف كل دولة وشواغلها، ويسهم فى تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى أرضية مشتركة، تعزز من فاعلية «البريكس» على الساحة الدولية. كما أكد الرئيس السيسى على حتمية توظيف الميزات النسبية التى تزخر بها دولنا، فى إطلاق مشروعات مشتركة فى القطاعات الحيوية.. وعلى رأسها: الطاقة الجديدة والمتجددة، والبنية التحتية، والصناعات التحويلية، والزراعة، والبحث العلمى والتكنولوجيا والابتكار، والذكاء الاصطناعى، إلى جانب تعزيز التعاون بين القطاع الخاص فى دولنا. وشدد الرئيس السيسى على أهمية توسيع آفاق تعاوننا الاقتصادى والمالى.. لاسيما بتسوية المعاملات التجارية والمالية بين دولنا، باستخدام العملات المحلية، ودعم توفير التمويل، من خلال بنك التنمية الجديد بالعملات الوطنية. محطة مفصلية وأشار السيسى إلى ضرورة تكثيف التنسيق بين دول التجمع، حول إصلاح الهيكل المالى العالمى.. ومعالجة إشكالية الديون، ودعم توفير الحيز المالى للدول النامية ونفاذها للتمويل المُيسر، لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة، وتعزيز تمثيل الدول النامية فى حوكمة المؤسسات المالية الدولية، وعملية صنع القرار بها. وأكد الرئيس السيسى على أهمية دفع التعاون فى مواجهة تداعيات تغير المناخ، ورفض السياسات الأحادية التى تتخذها بعض الدول تحت ذرائع بيئية.. مع التأكيد على ضرورة وفاء الدول المتقدمة، بالتزاماتها فى تمويل جهود الحفاظ على المناخ، وتوفير أدوات التنفيذ للدول النامية، من تمويل وتكنولوجيا وبناء قدرات، بما يُمكنها من تحقيق أهدافها المناخية. وفى هذا الإطار، نتطلع إلى استضافة البرازيل للدورة الثلاثين، لمؤتمر أطراف اتفاقية الأممالمتحدة لتغير المناخ، فى نوفمبر المقبل.. باعتبارها محطة مفصلية، لدفع هذه القضايا المُلحة، التى تمس مصالح الدول النامية بشكل مباشر. وأوضح الرئيس السيسى: أن التحديات الاقتصادية التى يشهدها عالمنا اليوم، لا تنفصل عن التوترات الجيوسياسية المتفاقمة.. إذ تشهد منطقة الشرق الأوسط أزمات متلاحقة، ألقت بظلالها الثقيلة، على السلم والاستقرار الدوليين، وعرقلت مسارات التنمية المستدامة، وأشار الرئيس السيسى إلى استمرار الحرب الإسرائيلية الغاشمة على الشعب الفلسطينى الشقيق فى قطاع غزة، وبالتوازى مع الانتهاكات السافرة التى يرتكبها الاحتلال فى الضفة الغربية، بما فى ذلك «القدس».. فى واحدة من أخطر الصراعات، وأكثرها دلالة على ازدواجية المعايير، وانتهاك قواعد القانون الدولى. كما أشار الرئيس السيسى إلى أن إسرائيل دأبت، منذ ما يقرب من عامين، على ممارسة أبشع صور القتل والترويع، مستخدمة التجويع والحرمان من الخدمات الصحية، كسلاح ضد المدنيين.. مما أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، بلغت حد إعلان الأممالمتحدة.. حالة المجاعة فى قطاع غزة، مشيراً إلى أن اسرائيل لم تكتفِ بذلك، بل مضت فى توسيع عملياتها العسكرية، إمعاناً فى تدمير مقومات الحياة بهدف إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم، وتنفيذ مخطط التهجير القسرى.. وتصفية قضيتهم العادلة. رفض التهجير وجدد الرئيس السيسى التأكيد على موقف مصر الثابت، والرافض بشكل قاطع، لأى سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، تحت أى ذريعة لما يمثله ذلك من محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، ووأد حل الدولتين، وتوسيع رقعة الصراع، وتهديد منظومة السلام فى الشرق الأوسط. كما شدد الرئيس السيسى على إدانة مصر ورفضها التام، لمحاولات فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وللمخططات الرامية إلى بناء مستوطناتٍ جديدة بهدف تغيير الوضع القانونى والديموغرافى للأراضى الفلسطينية المحتلة، وفرض أمر واقع يقوّض حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة. وأكد الرئيس السيسى أن مصر بذلت، ولا تزال، جهوداً مضنية للتوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى تمهيداً لبدء ترتيبات اليوم التالى لإدارة القطاع وإعادة إعماره، لافتاً إلى أن مصر كانت قد أعدت، خطة شاملة للتعافى المبكر وإعادة إعمار غزة، حظت باعتماد عربى وإسلامى، وتأييد واسع من الشركاء الدوليين وهى الخطة التى أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أن إعادة إعمار القطاع ممكنة، مع بقاء الفلسطينيين على أرضهم. وشدد الرئيس السيسى على اعتزام مصر، فور التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، استضافة مؤتمر دولى لإعادة إعمار غزة، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأممالمتحدة، لحشد الدعم والتمويل اللازمين.. لتنفيذ هذه الخطة الطموح. ودعا الرئيس السيسى إلى دعم الجهود الجارية لإحياء مسار حل الدولتين، والاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها «القدسالشرقية» بما يرسخ السلم والاستقرار فى الشرق الأوسط والعالم أجمع.. بصورة عادلة ومُستدامة. وأعرب الرئيس السيسى عن تطلعه لأن يُتوج اجتماعنا هذا، بتجديد الالتزام الصادق والراسخ، بتعزيز عملنا الجماعى وتكثيف التنسيق بين دولنا، لمواجهة التحديات الراهنة بكل مسئولية ووعى، والسير قدماً نحو تحقيق أولوياتنا المشتركة، وأهدافنا المُتفق عليها فى إطار هذا التجمع، بما يستجيب لتطلعات شعوبنا فى الرخاء والتنمية المُستدامة، والعيش الكريم فى ظل عالم أكثر عدالة وتوازناً.