«المسافة بين العريش المصرية وتل أبيب الإسرائيلية 100 كيلومتر».. تصريح قصف به ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، جبهة بنيامين نتنياهو على خلفية «أكاذيبه» المستمرة حول الدور المصري في حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، والتي أوشكت على إتمام عامها الثاني. تصريح رشوان الذي وُصِف بأنه أقوى تهديد مباشر من مسؤول مصري إلى إسرائيل منذ توقيع اتفاقية السلام بين البلدين، سبقه اشتباك لفظي متعدد الرسائل من مصر إلى حكومة الكيان المحتل، منها على سبيل المثال: «الأصوات التي تهاجم مصر لا تسعى للحقيقة، بل تهدف للتحريض وخلق وقائع مختلقة لتشويه صورة الدولة المصرية... الواقع على الأرض يكذّب هذه الادعاءات»، و«فلسطين ليست قضية محلية أو إقليمية ضيقة.. ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات على عدة دول عربية يثبت أنها تهديد مباشر للأمن القومي العربي برمّته»، وكذلك «عملية طوفان الأقصى شكلت نقطة تحول في استعادة الزخم العربي... أيقظت الضمير العربي بعد محاولات لتشويه صورة الفلسطينيين». هذه التصريحات وغيرها الكثير تُعد دلالة واضحة على الدور الاستراتيجي الذي باتت تلعبه الهيئة العامة للاستعلامات في مواجهة المخاطر المتنامية القادمة من خارج الحدود. ◄ إحباط محاولات زرع فتنة شق الصف العربي تأسست الهيئة العامة للاستعلامات عام 1954 بهدف شرح سياسة الدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتوضيح مواقفها تجاه مختلف القضايا، فضلًا عن تحسين الصورة الذهنية للدولة المصرية، وإمداد صانع القرار بالتقارير والدراسات حول المستجدات المحلية والإقليمية والدولية. وقد مارست الهيئة هذا الدور منذ نشأتها، لكن نقطة التحول الأبرز جاءت مع صدور مرسوم في 6 سبتمبر/أيلول 2012 بنقل تبعية الهيئة من وزارة الإعلام إلى رئاسة الجمهورية. اقرأ أيضا| ضياء رشوان: المقترح فرصة كبيرة لإسرائيل لإيقاف تداعيات غير مسبوقة ومنذ ذلك التاريخ، تحملت الهيئة عبء تقديم صورة مصر إلى الرأي العام العالمي، ونقل الحقائق عنها إلى وسائل الإعلام المختلفة، وشرح سياساتها لشعوب العالم، من خلال مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية في العديد من العواصم والمدن الكبرى. كما حرصت على توفير المعلومات الدقيقة والحديثة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياحية، بجانب عدد من المهام الرئيسية الأخرى. وسرعان ما ترجمت أهدافها إلى واقع ملموس، إذ تصدرت جهود مواجهة الشائعات التي تهدد «لُحمة» الدولة المصرية، وأحبطت محاولات شق الصف العربي في مرحلة بالغة الحساسية من عمر العمل العربي المشترك. ◄ خطوط حمراء مدروسة للمشهد الإعلامي الدولي لا يمكن هنا إغفال الدور البارز للهيئة في إدارة مسارات الإعلام الدولي عبر تنظيم 14 قافلة إعلامية إلى معبر رفح، بمشاركة أكثر من 137 صحفيًا يمثلون 85 مؤسسة إعلامية من 82 بلدًا. هذه الزيارات، التي تزامنت مع فتح المعبر مؤقتًا لإدخال قوافل الإغاثة، لم تكن مجرد نشاط إعلامي عابر، بل شكّلت جهدًا مصريًا فريدًا لملء الفراغ التضليلي الدولي بموقف واضح ومتكامل. وبناءً على استراتيجية «الظهور الإعلامي السيادي» التي دشنتها في اليوم التالي للانتقال إلى مؤسسة الرئاسة، رسمت الهيئة خطوطًا حمراء مدروسة للمشهد الإعلامي الدولي، وتصدت للأكاذيب التي تستهدف الدور المصري، ونقلت «على الهواء مباشرة» حقيقة ما تقوم به القاهرة من جهود إنسانية، مؤكدة في بياناتها الرسمية «رفض مصر القاطع لأي تهجير قسري للفلسطينيين باعتباره تصفية مقصودة للقضية الفلسطينية». ◄ الحقائق في مواجهة ماكينة تضليل غارقة في التزييف وأمام هذه النجاحات حاول البعض عقد مقارنة بين دور الهيئة العامة للاستعلامات وما تقوم به هيئة البث الإسرائيلية، غير أن المقارنة هنا ظالمة شكلًا وموضوعًا؛ فالأولى تتحرك في إطار دبلوماسي يستند إلى الحقائق والشرعية الدولية، بينما الثانية تمثل ذراعًا دعائية صريحة للاحتلال، تبرر جرائمه باعتبارها «دفاعًا عن النفس». هيئة الاستعلامات قد لا تملك الإمكانيات الضخمة التي تتمتع بها ماكينة الدعاية الإسرائيلية الممولة والمرتبطة بمراكز ضغط غربية، لكنها تقدم نموذجًا أخلاقيًا يراهن على كشف الحقائق أمام الرأي العام العالمي، في مواجهة ماكينة تضليل غارقة في التزييف الممنهج. في النهاية.. الكلمة أو الصورة المزيفة في زمن الحروب أشد وطأة من أسلحة الدمار الشامل، وأن معركة تحصين العقول بالحقائق المدعومة بالأسانيد هي معركة وجود، لا بد لمصر أن تخرج منها منتصرة.