تشهد سوق النشر فى العالم الأنجلوفونى حاليًا ثورة قد تمتد إلى أسواق نشر أخرى، ما قد يغيَّر صناعة الكتاب بدرجة كبيرة. المقصود بهذه الثورة ما يُطلَق عليه اتجاه النشر الهجين الذى يمزج بين مزايا النشر المؤسسى التقليدى والنشر الذاتى على نفقة المؤلف، فالنوع الأخير لطالما نُظِر إليه باعتباره أقل درجة ولا يلجأ إليه سوى مَن لا يجدون ناشرًا يتحمس لأعمالهم، وعادةً ما يعانون لاحقًا من صعوبات فى تسويق كتبهم إذ لا يملكون الخبرة الكافية لذلك، لكنه الآن أصبح ملهمًا للراغبين فى تطوير صناعة الكتاب عبر مزج مميزاته المتمثلة فى مركزية دور الكاتب فيه ومساهمته فى صياغة استراتيجية نشر وتسويق عمله، بخبرات خبراء النشر، ممن تمرسوا فى إدارة دور نشر كبيرة، ثم استشعروا أن عالم اليوم يتطلب استراتيجيات نشر أجرأ وأقدر على الوصول للقراء، بعيدًا عن ما يعانيه النشر التقليدى من جمود. لكن كيف يعمل هذا الاتجاه الجديد؟ وما الاختلاف بينه وبين النمط القديم؟ الفارق الأول والأهم أن الكُتَّاب لا يحصلون على مقدم مالى سابق على نشر كتابهم، بل وقد يساهمون فى تكلفته، فى مقابل نيل نسبة قد تصل إلى 60% من الأرباح (تزداد النسبة فى حالة الكتاب ذوى المقروئية الكبيرة). وبإلقاء نظرة على الموقع الإلكترونى لدار نشر «أوثرز إيكويتى» العاملة بهذه الطريقة، نجد أنها تطمح، وفق مؤسسيها، إلى إعادة تشكيل العلاقة بين المؤلفين والناشرين، بهدف أن يستفيد الطرفان ويحققا نجاحًا أكبر. وذكر الموقع أيضًا أن «أوثرز إيكويتى»، التى انطلقت فى مارس 2024، تصيغ سياسة نشر كل كتاب وتضع خطة تسويقه على مقاس كاتبه، فما يصلح لكاتب قد لا يصلح لآخر، لذا تتيح الدار لكل مؤلف أن يشاركها فى اختيار الاستراتيجية الملائمة له واتخاذ القرارات المقنعة له. واللافت للانتباه أن مديرة «أوثرز إيكويتي» مادلين ماكينتوش كانت مديرة تنفيذية بدار نشر راندوم هاوس أمريكا، وقررت أن تخوض مغامرة جديدة بالتعاون مع مغامرين آخرين بينهم جيمس كلير مؤلف الكتاب الشهير «العادات الذرية». يذكرنا هذا الاتجاه بما يحدث عندنا من مطالبة بعض دور النشر الكاتب بدفع جزء من تكلفة النشر، لكن الفارق الهائل يتمثل فى أن جل ما قد يناله الكاتب الذى يساهم ماديًا فى نشر كتابه هنا هو بعض النسخ، أما هناك فله النسبة الأكبر من المبيعات.