في شارع ضيق ببولاق الدكرور، كان صباح ذات يوم يبدو عاديًا؛ الورش تفتح أبوابها، أصوات الحديد تتداخل مع أصوات المارة، ورائحة الشاي تفوح من المقاهي الصغيرة، لكن فجأة اخترق المشهد صوت صراخ مذعور، وصوت جسد ينهار على الأرض غارقا في دمائه. سقط محمد ياسر؛ الصنايعي البسيط، ضحية طعنة غدر، لتتحول ورشته التي طالما كانت مصدر رزقه، إلى مسرح جريمة يكسوه الدم والحزن.. والسبب خلاف مادي بسيط على تكلفة «تندة غسيل».. ماذا حدث؟ ولماذا وصلت الخلافات بين الجيران حد القتل والدم؟.. وإلى التفاصيل المأساوية. القصة بدأت فصولها في منطقة بولاق الدكرور؛ حيث يعيش محمد ياسر بطل قصتنا، شاب على مشارف الأربعين من العمر، أب لطفل وحيد يبلغ من العمر 5 سنوات.. محمد اجتهد حتى تعلم حرفة صناعة الألوميتال وواصل اجتهاده حتى تمكن من أن ينشئ مشروعًا صغيرا عبارة عن ورشة للألوميتال كانت مصدر دخله ينفق منها على نفسه و أسرته، واستمرت الحياة وهو يواصل الكفاح فى عمله فى ظل تمتعه بسمعة طيبة بين جيرانه وزبائنه يتقن عمله ويحسن معاملة الزبائن.. سارت الحياة بحلوها ومرها وهو يحقق حلمه يومًا بعد يوم. كان مصدر الحياة لوالدته وأشقائه وزوجته وابنه الوحيد، يُعرف بين أهالي المنطقة بطيبته وهدوئه، لم يكن طرفًا يومًا في صراعات أو خصومات دامية، لكن خلافا ماليا لا يتجاوز ألف جنيه، ومشادة عابرة، كانت كفيلة بأن تُشعل شرارة الموت. بداية الخلاف يجلس محمد ياسر الشاب ذو ال 38عاما أمام ورشة صناعة الألوميتال التى يمتلكها بمنطقة بولاق الدكرور، حضر إليه جاره، الذي يدعى أبو بكر، طلب منه أن يصنع له "تندة" يضعها على شرفة شقته لتحميه من سقوط الأمطار فى الشتاء وحرارة الشمس فى الصيف، وكعادته لم يتردد محمد فى الترحاب بجاره وأنه لن يتأخر عليه، فأعطاه أبو بكر عربونا ألف جنيه حتى يبدأ في تصنيعها، وبالفعل قام محمد بتصنيعها لكنه تأخر فى تركيبها بسبب تغيب مساعده عن العمل. مرت عدة أيام، وهنا دب الخلاف بين محمد وأبو بكر الذى طالبه برد العربون الذى دفعه له، وبعد تدخل الجيران وافق محمد على رد المبلغ إلا أن جاره طالبه بغرامة تأخير وأنه أعطاه المبلغ منذ فترة وهو ما رفضه واحتدم الخلاف بينهما، وهنا طغى الانتقام على قلب أبو بكر فأعمى بصره وأصبح لا يرى سوى الانتقام والتنكيل. الوداع الأخير أشرقت شمس يوم جديد، الضوء يتسلّل خفيفًا من بين نوافذ البيت الصغير، فيما لا تزال المنطقة غارقة في سكونها، استيقظ محمد ياسر، على عادته المبكرة؛ توضأ وصلى ركعتين، كأنه يودع يومه بين يدي الله. جلس إلى مائدة الإفطار التي أعدتها زوجته بحب وصبر، جلس أمامهما والابتسامة لا تفارق وجهه، يراقب ابنه آدم، وهو يلتهم لقمته الصغيرة بعفوية، مد يده وربت على كتفه قائلاً: "كل يا آدم عايزك تكبر عشان تكون سند بابك ومامتك". ابتسمت الزوجة وهي تتابع الحوار بعينين تمتلئان بالرضا، وما أن انتهى محمد من طعامه، ارتدى ملابسه وأمسك بمفاتيح ورشته، ثم نظر إلى زوجته نظرة ودّ واطمئنان قائلاً: "خلي بالك من نفسك ومن آدم أنا هرجع المغرب إن شاء الله"، ثم انحنى وطبع قبلة على جبين صغيره. غادر محمد البيت بخطوات ثابتة، محملة بالأمل، دون أن يعلم أنها آخر مرة يتناول فيها إفطاره مع أسرته، وآخر قبلة يتركها على جبين طفله الصغير. وما أن وصل لورشته حتى وجد المتهم متوقفا بالشارع ينتظره بحجة إنهاء الخلاف بينهما، فما كان من محمد إلا أن توجه نحوه ولا يعلم أي نهاية يقصدها.. وعندما تحدثا سويا احتد الحديث، وفوجئ محمد بالمتهم يغرس سكينا فى قلبه ليفاجأ المارة به يسقط على الأرض غارقًا في دمائه، بينما فر المتهم هاربا.. حالة من الصدمة والذهول سيطرت على الأهالي؛ الذين نقلوا محمد سريعا إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه إلا أنه فارق الحياة بسبب "تندة" تأخر فى تركيبها. انتظرت زوجته ونجله آدم عودته لكنه تأخر حتى كانت الصدمة أنهم فوجئوا بأنه بالمستشفى، وهناك علموا أنه فارق الحياة.. سقطت الزوجة مغشيا عليها ولسان حالها يقول إنها هى من فقدت حياتها، وكأن السكين غرست قى قلب تلك الأسرة بأكملها، والسبب ألف جنيه هى ثمن تحطيم حياة أسرة وفقد طفل أبيه؛ فالابن مازال ينتظر عودة والده من عمله وهو لا يدرك أنه لن يعود، وأنه ليس أمامه سوى أن يحتفظ بصور والده حتى يعرف ملامحه عندما يكبر.. وزوجة ترملت وهى مازالت فى مقتبل حياتها الزوجية تحطمت حياتها بسبب شخص أعماه الغضب. العقاب تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على المتهم، واعترف بارتكاب جريمته، وتولت النيابة التحقيق؛ والتي أسندت في أوراق الدعوى رقم 4904 لسنة 2025 جنايات قسم بولاق الدكرور والمُقيدة برقم 930 لسنة 2025 كلي جنوبالجيزة، للمتهم "أبو بكر.ع"، سائق، تهمة قتل المجني عليه محمد ياسر، عمدًا مع سبق الإصرار؛ لإطفاء سخيمة قلبه لتشاجره والمجني عليه، فبث الشيطان ريح خُبثه وختم على قلبه وعقله ورضخ له فهيّأ له جرمه إذ عقد العزم المحقق على إزهاق روحه وما أن ظفر به منفردًا أعد لذلك سلاحًا أبيض "مطواه قرن غزال"، بأن باغته على حين غرة طعنات نافذة بمواضع جسده القاتلة قاصدًا إزهاق روحه، فأحدث إصابته التي أبانها تقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وفاضت روحه إلى بارئها على النحو المبين بالتحقيقات.. وتحولت القضية للجنايات، حتى أسدلت محكمة جنايات الجيزة، الدائرة السابعة؛ برئاسة المستشار عادل علي سليم، وعضوية المستشارين إبراهيم نصر محمد، وهشام جابر مشير، وأمانة سر عبد العزيز مناع، وعصام حسين، بمعاقبة المتهم بالسجن المؤبد؛ ليكون بهذا الحكم عنوانا للحقيقة وقصاصا عادلا لحق المجني عليه الذي قُتل بلا ذنب وترك أرملة وطفل يواجه ظلمة اليتم وحده. اقرأ أيضا: حيثيات الحكم ببراءة المتهم بتهديد الفنان طارق ريحان وإفشاء أمور خادشة للشرف