حين يدمن الساسة شهوة الدماء، تتحول السلطة من أداة حكم إلى أداة قتل، ويغدو البقاء في الحكم مرهونًا بعدد القبور التي يحفرونها.. أمام ما يفعله بنيامين نتنياهو، يتداعى إلى الذهن هذا القول المأثور. «نتنياهو» الذي يرى في حفر المزيد من القبور، وإراقة المزيد من دماء الأبرياء، وسيلة آمنة لإطالة أمد بقائه في السلطة، لا يتورع عن بث سموم الفتنة بين الأشقاء، في محاولة خبيثة لاختراق وحدة الصف العربي، أحدث أكاذيب هذا ال «نتنياهو»، حديثه عن رغبته في فتح معبر رفح، أمام عبور أهالي قطاع غزة، لكن مصر هي التي تغلق المعبر أمام أهالي القطاع. أولًا: هذا أول اعتراف رسمي من نتنياهو، أن قوات الاحتلال تغلق معبر رفح، في وجه سكان غزة، كما أنه يعري أكاذيبه التي يسوقها طيلة الوقت، ويدعي خلالها أن جيش الاحتلال لا يغلق المعبر. ثانيا: أي تشغيل للمعبر يتطلب وجود أطقم فلسطينية، وإزالة العوائق العسكرية الإسرائيلية، من ناحية البوابة الفلسطينية، وهو مالن يتحقق في ظل تواصل آلة القتل. ثالثا: المنظمات الأممية نفسها، مثل «أوتشا»، وثقت أن العائق الأساسي هو السيطرة الإسرائيلية، على جانب غزة، وأن آلاف المرضى لم يتمكنوا من الخروج بسبب ذلك، وإذًا يمكن القول أن هذا التصريح الكاذب لم يكن سوى حلقة جديدة من مسلسل التضليل الذي اعتاد عليه؛ قلبٌ للحقائق واختراع لأكاذيب يحمّل بها الآخرين وزر جرائمه. المراقب الجيد للصعود السياسي لنتنياهو، يدرك أنه يهرب من أزمات الداخل للاندفاع إلى فتح جبهات حرب خارجية، غير عابئ بعدد الضحايا أو فاتورة الخسائر، بالنسبة له، الدم العربي هو وسيلة لتلميع صورته المهترئة أمام جمهوره الداخلي، حتى تحول في نظر كثيرين إلى تاجر حرب، يقتات على الجثث، معتقدا أن البقاء في السلطة مرهون بعدد الأبرياء الذين يسقطون في حروبه. وإذا كانت النشأة تحدد فكر وطريقة إدارة الرجل السياسي، يبدو أن نتنياهو تأثر سلوكيا، حيث ولد في أسرة غارقة في النزعة الصهيونية، وعاش متنقلًا بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، فاكتسب براعة الخطاب الدعائي بلغة الغرب، وراح يوظفها في تلميع صورته، ولكن سرعان ما ظهر وجهه الحقيقي؛ سياسي انتهازي بلا رؤية، همه الوحيد التمسك بالكرسي، حتى لو تحوّلت المنطقة إلى رماد. ◄ اقرأ أيضًا | ضغوط أوروبية متزايدة لفرض عقوبات على حكومة نتنياهو ◄ مستقبل سياسي يطارده العار رغم مهارته في التلاعب بالكلمات، إلا أن صور الدمار في غزة فضحت كل رواياته، العالم بات يراه ليس كقائد، بل كمسؤول مباشر عن الإبادة الجماعية التي تحدث داخل قطاع غزة. لقد خسر نتنياهو الكثير من صورته حتى في الغرب الذي طالما تبنّى دعايته.. لم يعد يطل على العالم بوجه القائد، بل بوجه رجل مطارد بالأسئلة والاتهامات، محاصر بدماء لا تنسى. لا يتنفس نتنياهو إلا وسط الأزمات، يعيش على افتعال التوترات وصناعة العدو، إن لم يكن هناك عدو خارجي، فإنه يختلقه، وإن لم تكن هناك أزمة داخلية، فإنه يفتعلها ليبقى في دائرة الضوء. هكذا تحوّل إلى زعيم أزمات لا زعيم دولة، رجل يلهث وراء الأضواء، حتى لو كانت مسلطة على أنهار من الدم. ومهما حاول نتنياهو أن يلمّع نفسه بخطب ناعمة أو يبرر جرائمه بحجج زائفة، فإن التاريخ لن يسامحه. سيظل يُذكر كزعيم أقام سلطته على جثث الأبرياء، وزرع في الشرق الأوسط المزيد من الكراهية والدمار. نهايته السياسية آتية، سواء عبر القضاء أو عبر عزلة دولية أو عبر رفض شعبي داخلي، لكن ما سيبقى بعده ليس إنجازًا ولا إرثًا إيجابيًا، بل سجلًّا أسود يلاحقه إلى الأبد. ومن النهاية التي تليق بحجم جرائمه، إلى الأقنعة الزائفة التي باتت لا تنطلي على أحد، خسر نتنياهو كل حلفائه وأهمهم دونالد ترامب، الذي وصفه بما يليق به، إذ وصفه بالخائن وغير الجدير بالثقة بعد مواقفه المترددة في مفاوضات وقف الحرب في غزة، وخارج الكواليس، نقل مقربون عن ترامب وصفه نتنياهو ب«الضعيف والجبان»، معتبرًا أنه يعيش على الأكاذيب ولا يملك شجاعة القرارات الكبرى. هجوم ترامب لم يكن مجرد خلاف عابر، بل أظهر كيف تراجع نتنياهو في نظر حتى أقرب الداعمين لإسرائيل داخل البيت الأبيض. ◄ اقرأ أيضًا | «وول ستريت جورنال»: ترامب يستعد لاستئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا ◄ جرائم الإبادة الجماعية تطارده حول العالم وإذا كان الحليف الأمريكي الوثيق، غسل يديه من نتنياهو، فإن جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين تطارده أينما حل، حيث يسعى في كل ظهور إلى الهروب من جرائمه، مستخدمًا خطابًا مراوغًا يخلط بين الأكاذيب والشعارات، ويزعم أن ما يجري هو «دفاع عن النفس»، بينما الحقائق الموثقة تشير إلى قصف متعمد للمنازل والمستشفيات والمدارس. يحاول إلقاء المسؤولية على الآخرين، ويختبئ خلف دعم القوى الغربية ليحتمي من المساءلة، غير أن صور الضحايا وقرارات المحاكم الدولية تلاحقه. نتنياهو يدرك أن يديه ملطختان بالدماء، لكنه يهرب إلى الأمام بخطابات سياسية فارغة، في محاولة يائسة لتجنب مصير أي مجرم حرب في نهاية الطريق. وإذا كان الحاضر لا يرحم نتنياهو، فإن التاريخ سيذكر أنه ليس إلا وجه قبيح لمرحلة مظلمة، زعيم عاش بالكذب والدم، وترك وراءه إرثًا من الخراب والكراهية، قد يهرب اليوم بخطاباته ومناوراته، لكن التاريخ لا يرحم. سيظل اسمه مرادفًا للعار، ورمزًا لواحدة من أكبر جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث.. هو وأمثاله إلى مزبلة التاريخ.