منذ عقود، شكّل الإعلام المصرى مدرسة رائدة فى العالم العربى، ومصدر تأثير ثقافى وفكرى تجاوز الحدود.. واليوم ومع تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسى على أهمية تطوير الإعلام خلال المرحلة المقبلة، تبرز الحاجة إلى خطة عملية شاملة تستعيد لمصر دورها الإعلامى الريادى، وتُعيد الثقة لدى المواطن فى وسائل إعلام بلاده. رغم التقدم الذى تحقق خلال السنوات الماضية، إلا أن الإعلام المصرى يواجه مجموعة من التحديات على رأسها تراجع الريادة الإقليمى نتيجة المنافسة الشرسة من مؤسسات إعلامية عربية وعالمية تمتلك تقنيات حديثة ورؤوس أموال ضخمة وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعى على المشهد الإخبارى، مما جعلها المصدر الأول للشباب، وأضعف ذلك دور الإعلام التقليدى بالإضافة إلى وجود فجوة فى الكفاءات الإعلامية بسبب غياب برامج تدريب مستمرة تواكب التطور التكنولوجى والتحرير الصحفى وضعف البنية التكنولوجية والتحول الرقمى مقارنة بالمشهد الإعلامى العالمى الذى يعتمد على الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات الضخمة وأيضاً غياب التكامل بين الإعلام الرسمى والخاص، ما يُفقد الرسالة الإعلامية المصرية القدرة على المنافسة الموحدة. ووصولاً إلى محاور التطوير العملى علينا إعادة بناء المحتوى والرسالة الإعلامية و تقديم خطاب إعلامى عقلانى وموضوعى، يوازن بين التوعية، والنقد البنّاء، والجانب الترفيهى ودعم الدراما المصرية والوثائقيات الوطنية كأدوات قوة ناعمة تعكس ثقافة مصر وريادتها وإنتاج محتوى موجه باللغات الأجنبية لتسويق صورة مصر خارجياً والعمل على تأهيل الكوادر الإعلامية وسرعة إنشاء أكاديمية مصرية للإعلام الحديث بالشراكة مع كبرى الجامعات العالمية، لتدريب الصحفيين والإعلاميين على أحدث مهارات الصحافة الرقمية وصحافة البيانات و تطوير مهارات الإعلاميين فى التعامل مع الذكاء الاصطناعى ووسائل التواصل الاجتماعى. وعلى نحو آخر لابد من سرعة التحول الرقمى والإعلام الجديد والاستثمار فى إطلاق منصات إعلامية رقمية حديثة تستهدف الشباب وإنتاج تطبيقات للأخبار والفيديوهات القصيرة لتنافس منصات التواصل الاجتماعي، وتطوير منظومة بث تفاعلى تعتمد على الواقع الافتراضى والذكاء الاصطناعى. تعزيز المصداقية والشفافية أمر مهم فى الفترة القادمة مع الالتزام بتقديم المعلومات من مصادر رسمية دقيقة وبسرعة، بما يقطع الطريق أمام الشائعات بالتزامن مع إنشاء وحدة متخصصة لرصد الأخبار الكاذبة والرد عليها بشكل احترافى وفتح مساحات للرأى الآخر والنقاش الجاد، بما يعزز ثقة المواطن. ولضمان التمويل والاستدامة لابد من تشجيع شراكات بين القطاعين العام والخاص لإنشاء قنوات وصحف ومنصات إلكترونية مستقلة ومستدامة مالياً وذلك بتحفيز رجال الأعمال والمستثمرين الوطنيين لدعم الإعلام كجزء من مسئوليتهم المجتمعية. الأهداف المرجوة من ذلك هو استعادة الريادة العربية عبر إنتاج إعلام حديث ينافس، وتعزيز صورة مصر الدولية كدولة حديثة ذات صوت مؤثر فى القضايا الإقليمية والعالمية، وحماية الوعى الوطنى من حملات التضليل والشائعات، وصولاً إلى بناء جيل جديد من الإعلاميين قادر على مواكبة التطور التكنولوجى والتأثير فى الرأى العام.