فى الوقت الذى تحرص وزارة الثقافة على إقامة المهرجان القومى للمسرح ، ومهرجان القلعة للموسيقى والغناء سنوياً دون توقف، نجدها تخلت تماماً عن إقامة المهرجان القومى للسينما المصرية، فمنذ ما يقرب من خمس سنوات توقف المهرجان عند إقامة الدورة الرابعة والعشرين، وبقى مصيره مجهولاً، فلماذا توقف المهرجان المهم لصناعة السينما المصرية ؟ السيد وزير الثقافة د. أحمد فؤاد هنو، اتمنى أن أجد إجابة عن هذا االسؤال، خاصة أنك سينمائى وحاصل على الدكتوراة فى الرسوم المتحركة، فالمهرجان القومى للسينما واحد من أهم التظاهرات السينمائية الرسمية، إذ ارتبط منذ انطلاقه بدور الدولة فى رعاية ودعم الصناعة السينمائية وتقديم قراءة سنوية شاملة لحصاد الإنتاج المحلي، لذلك فإن توقفه أو تعطيله لا يُمثل مجرد غياب لمناسبة فنية، بل يعكس أزمة أعمق فى العلاقة بين الدولة وصناعة السينما. هذا المهرجان لم يكن مجرد عرض أفلام، بل كان منصة للنقد والتقييم وتوثيق الإنتاج المصرى عبر مسابقاته وكتالوجاته وندواته، توقفه يعنى غياب مرآة حقيقية ترصد مسار السينما الوطنية، خاصة أن المهرجانات التجارية أو الخاصة غالبًا لا تُعطى الأولوية للإنتاج المحلي. وجود المهرجان كان بمثابة دفعة معنوية لصناع الأفلام المصرية، سواء فى الروائى الطويل أو القصير أو التسجيلى أو التحريك، توقفه يُفقد هؤلاء نافذة مهمة للتقدير والجوائز، ويُضعف حلقة الوصل بين الصناعة والدولة، مما يترك المجال مفتوحًا لهيمنة السوق التجارية وحدها، ومن مهامه أنه كان يقدّم عروضًا شبه مجانية أو بأسعار رمزية، ويمتد إلى المحافظات أحيانًا، توقفه يُكرّس مركزية القاهرة ويُقلّل من وصول السينما إلى جمهور الأقاليم، وهو ما يتعارض مع السياسات الثقافية الرامية إلى العدالة الثقافية. توقفه يكشف عن تراجع الاهتمام الرسمى بالذاكرة السينمائية الوطنية، وغياب الرغبة فى خلق توازن بين المهرجانات الدولية ذات الطابع البراق وبين التظاهرات القومية التى تُعطى الأولوية للإنتاج المحلي، كما يكشف عن غياب استراتيجية شاملة للسينما المصرية، حيث تتوزع الجهود بين مبادرات فردية ومهرجانات متفرقة بلا خريطة واضحة. إحياء المهرجان القومى للسينما لم يعد ترفًا، بل ضرورة لاستعادة التوازن فى المشهد السينمائى وإعادة هيكلته ليصبح منصة حقيقية للنقد والتوثيق وليس مجرد سباق جوائز. توقف المهرجان القومى للسينما ليس حادثًا عابرًا، بل مؤشر على خلل فى المنظومة الثقافية وصلة الدولة بصناعتها الأهم، وعودته لن تتحقق بمجرد قرار إداري، بل تحتاج إلى تصور جديد يضعه فى مكانه الطبيعي: مهرجانًا يُقيّم الإنتاج المحلي، يحفظ الذاكرة السينمائية، ويُعيد الصلة بين السينما والجمهور عبر مشروع ثقافى متكامل.