مع إشراقة كل ربيع أول، تتجدد فى الأمة الإسلامية ذكرى عظيمة، هى ذكرى مولد سيد الخلق محمد بن عبد الله ، الذى أرسله الله رحمة للعالمين. وتعود هذه المناسبة فتثير فى القلوب الشجون والأسئلة: هل يجوز أن نحتفل بهذه الذكرى، أم أن ذلك من البدع؟ وكيف يكون الاحتفال المشروع؟ هذه الأسئلة ليست ترفًا فكريًا ولا جدلًا عابرًا، بل هى تعبير عن ضمير حيّ يبحث عن معنى أصيل للاحتفال بمولد من أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. الاحتفال ليس ليلة فى العام نعلّق فيها الزينة ونأكل الحلوى، بل مشروع مستمر، يبدأ من البيت وينتهى بالأمة. فى البيت: نُعلّم أبناءنا السيرة ونضرب لهم مثلًا حيًا. فى المجتمع: ننشر قيم الصدق والأمانة والرحمة. فى الأمة: نعمل على نهضتها بالعلم والوحدة والعدل. فى العالم: نقدّم الإسلام للعالم رحمةً وعدلًا وإنسانيةً. قال تعالى: ﴿لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا﴾. هذه الآية هى دستور الاحتفال بالمولد. الاحتفال بمولد النبى ليس بدعة ولا طقسًا أجوف. هو تجديد للعهد مع رسالته. فإن اقتصر على الحلوى والزينات فقد ضاع المعنى، وإن تجاوز ذلك إلى التربية على الأخلاق، والعمل للنهضة، ونصرة المظلوم، فقد أدركنا المقصد. مولد النبى ليس ذكرى تاريخية فقط، بل ميلاد متجدد للأمة كل عام. ميلاد يعيدها إلى ذاتها، إلى قيم الرحمة والعدل، إلى مشروع النهضة الحضارية. فإذا جعلناه كذلك، فسنكون صادقين فى حبنا، أوفياء لعهده، مستحقين لشفاعة الحبيب المصطفى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.