انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    ترامب يعلن موعد اللقاء المرتقب مع زهران ممداني في البيت الأبيض    إسلام الكتاتني يكتب: المتحف العظيم.. ونظريات الإخوان المنحرفة    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أسامة العرابي: رواية شغف تبني ذاكرة نسائية وتستحضر إدراك الذات تاريخيًا    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    أول تعليق من الأمم المتحدة على زيارة نتنياهو للمنطقة العازلة في جنوب سوريا    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    الجبهة الوطنية: محمد سليم ليس مرشحًا للحزب في دائرة كوم أمبو ولا أمينًا لأسوان    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    حجز الإعلامية ميرفت سلامة بالعناية المركزة بعد تدهور حالتها الصحية    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    بينهم 5 أطفال.. حبس 9 متهمين بالتبول أمام شقة طليقة أحدهم 3 أيام وغرامة 5 آلاف جنيه في الإسكندرية    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 داخل الأسواق المصرية    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    معتذرًا عن خوض الانتخابات.. محمد سليم يلحق ب كمال الدالي ويستقيل من الجبهة الوطنية في أسوان    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    الذكاء الاصطناعي يمنح أفريقيا فرصة تاريخية لبناء سيادة تكنولوجية واقتصاد قائم على الابتكار    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا بالبورصة المصرية قبل ختام تعاملات الأسبوع    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم «2050».. من ينجو ومن يتلاشى؟ |دعوة لممارسة التفكير المستقبلىليصبح السؤال «كيف سنستعد لما يحدث؟»
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 04 - 09 - 2025

فى عالم متسارع الخطوات اللاهثة والطفرات غير المنطقية - أحيانا، - مازال العلماء حول العالم مولعين بالبحث عن صورة المستقبل يقودهم هاجس القراءة المبنية على توقعات أو حسابات، أو حتى لو كان الفضول هو سيد الموقف! وفى ظل تغير الأحوال عاما بعد عام فما يزال هناك من يتشبثون بقدرتهم على الذهاب بعيدا وقراءة أحوال العالم المستقبلية على بعد عدة عقود لا سنوات قريبة وتتنوع القراءات وتتباين منابعها ما بين علماء اجتماع وعلماء اقتصاد وعلماء جغرافيا وتاريخ يمتلك كل منهم أدواته ويبحر بها، أو يحلق بها فى محيطه ليلفت من خلالها أنظار العالم إلى سنوات مستقبله المقبلة، حتى لو كانت الأنظار مأخوذة دائما بواقع يتحرك بسرعة الأوتو ثانية أو أسرع، من هنا تكمن أهمية كتاب «العالم فى 2050: كيف نفكر للمستقبل» ل«هاميش ماكرى»،الذى يقدم رؤية شاملة حول التحديات والفرص التى ستواجه العالم فى المستقبل، ويتناول كيفية التفكير والتعامل مع هذه التحديات.
بينما تنشغل العناوين اليومية بمواكبة اللحظة، يأتى كتاب «العالم فى 2050» ليقلب المعادلة: ماذا لو بدأنا من المستقبل لا الحاضر؟ ما الذى ينتظرنا وراء الأفق القريب من تغيّرات ديموغرافية، واختلالات بيئية، وتحولات اقتصادية قد تعيد رسم الخريطة العالمية؟
فى هذا العمل الجريء، لا يكتفى «هاميش ماكري» بتقديم تنبؤات، بل يدعو القارئ إلى ممارسة فن التفكير المستقبلي، حيث يصبح السؤال ليس عن «ماذا سيحدث؟» بل «كيف سنستعد لما يحدث؟» عبر سرد محكم وتحليل عميق، يرسم الكتاب صورة مركّبة لعالم يتغير بغير استئذان، ويدعونا لمواجهة المجهول بعقلانية استراتيجية، لا بخوف مشلول.
لكن قبل الإبحار مع عالم «هاميش ماكرى» من المفيد أن نلقى نظرة سريعة على آخرين حول العالم ساروا معه فى نفس مسار التبشير أو حتى التحذير من عالم 2050 التقنى والعلمى والاقتصادى والديمغرافى؛ وهذا مما يستشعره عموم الناس استشفافا مما ينقلهم بين عام وآخر إلى عوالم تقنية وإعلامية ومعرفية تقفز قفزات الأرنب المذعور من صائد يتعقبه أو غزال رشيق يطارده نمر جائع!
اقرأ أيضًا | البكالوريا تواجه الشائعات بالحقائق |وزير التعليم: لا تعقيدات فى الدراسة ونظام الامتحانات واحد
مصر والكبار
ويقابلنا فى البداية كتاب«قصة موجزة عن المستقبل.. العالم عام 2050 »الذى صدر عام 2013 مؤلف الكتاب الفرنسي، «جاك أتالي» الجزائرى المولد عام 1943 ، وعمل طيلة عشر سنوات، من 1981 إلى 1991، مستشاراً لرئيس الجمهورية الفرنسى (فرانسوا ميتران).
حيث يذهب «أتالى» إلى أنه ستتعادل الديمقراطية والسوق، وسينتظم النظام التجارى كتجمع لديمقراطيات السوق، وسيصبح العالم متعدد المراكز مع قوة مهمة أو اثنتين فى كل قارة، يصير هناك الأمم التسع الكبار: الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك والصين والهند ومصر وروسيا والاتحاد الأوروبي، وقد تنضم إلى هذه القائمة نيجيريا إذا كانت لا تزال موجودة وأن هذه الأمم التسع التى ستصبح سيدة النظام متعدد المراكز ستقيم حكومة غير رسمية للعالم»، لكن لن يستمر هذا النظام طويلاً، وسيحدث الصراع العنيف، وستتفكك الدول، ويظهر فى بعضها الحكم الديكتاتورى من جديد، وستصل الرأسمالية إلى منتهاها، وتدمر كل ما لا ينتمى إليها، وسيكون الاستهلاك الهدف الأعظم للبشرية ، وترتفع انتقادات المتدينين ضد فسوق السوق وقيمها اللاأخلاقية، وقد تقع الولايات المتحدة الأمريكية فريسة الحكم الدينى نحو عام 2040.
ويتوقع أتالى أن يصبح العالم ساحة صراع هائلة، لكن الهلاك لن يحدث؛ فالخير سينتصر ثانية، وسيرغب الجميع فى السلام.
أمور مدهشة
ومن هذا التصور الدرامى ل«جاك أتالى» على طريقة أفلام الأبيض والأسود نجد أمامنا تصورا فكريا آخر لعالم 2050،لكنه هذه المرة توقع علمى محض عن كوكب الأرض فى السنوات الأربعين التالية، نشر ككتاب عام 2011 للعالم «لورنس سى سميث» – المختص بعلوم الجغرافيا وعلوم الأرض والفضاء فى جامعة كاليفورنيا – وهو يرى أن الأخبار تُنذر بالسوء لكنها جيدة على نحو مثير للدهشة فى آن واحد! فى «العالم فى العام 2050» يُجرى المؤلف اختباراً فكرياً شاملاً فى محاولة لاكتساب فهم أعمق لظواهر تتكشف فى الربع الشمالى لكوكبنا، وتتلاءم مع القوى العالمية الأكبر حجماً التى يتردد صداها فى العالم ككل. يدمج سميث دروس الجغرافيا والتاريخ مع توقعات لدراسات حديثة وبيانات تحليلية؛ كل شيء بدءاً بديناميكيات المناخ واحتياطيات الموارد، ووصولاً إلى التوزّع السكانى وفقاً للأعمار، وتوقعات النموّ الاقتصادى والفرص التى تواجه عالمنا منتصف القرن التالي.
رؤية «جلال»
ولم يغب الفكر العربى عن الفكر الغربى فى تصور العالم 2050 حيث أسهم العالم المصرى المفكر الكبير «د.جلال أمين» فى هذا التسابق الفكرى متعدد الزوايا ليقدم لنا كتاب «العالم عام 2050»، الصادر عام 2017،حيث يعترف منذ الصفحات الأولى للكتاب أن أغلب حالات التكهن تبوء بالفشل وذلك لأسباب كثيرة لكنه استدرك مؤكداً وموضحاً أنه يحاول أن يقوم بالتجربة.. ويستشرف المستقبل رغم صعوبة ذلك.. ولو فقط من أجل التمرين العقلى الذى لا يخلو فى ذاته من فائدة.. ومن هنا، فهو يتوقع أن تكون سنة (2050) أقل اهتماماً بمشكلة توزيع الدخل ومن المحتمل جداً أن نكون مقبلين على عصر جديد من الفكر الاقتصادى له سمات أقرب إلى سمات الفكر الذى ساد فى الخمسمائة سنة الماضية حيث يقل الكلام عن «الندرة» ومشاكلها.. ويحل محله الكلام عن «الوفرة» ومشاكلها.. ويصبح علم الاقتصاد أكثر إنسانية وأكثر عالمية.. وأوسع أفقاً من أفق الدولة القومية، وقد خصص «د.جلال أمين» فصلين لتناول مستقبل مصر والوطن العربي، حيث يقدم الكتاب قراءة متفائلة لمستقبل مصر والعالم العربي، مع التأكيد على أهمية التفكير المستقبلى والتخطيط الجاد لتحقيق التنمية والنهضة.
عالم 2020
وبالعودة إلى كتاب«العالم فى 2050» فإن «هاميش ماكرى» سبق له تقديم كتاب سابق عام 1994 عن العالم عام2020، ولذلك فهو يقدم لنا ما يشبه كشف حساب عما تنبأ به فى كتابه الأول وأوجه النجاح التى صادفته وأوجه الفشل التى منيت بها بعض توقعاته.
ولأنه متخصص فى الشئون الاقتصادية فقد اعتبر «هاميش ماكرى» قراءته لأوضاع العالم الاقتصادية قد أصابها بعض الفشل فى قراءة التقدم الصينى وفى تقدير التقدم الهندى للأمام متفوقا على نمو الصين ذاته، مع توقعه شبه المؤكد بأن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح أكبر اقتصاد فى العالم وأن ذلك سيزيد التوتر السياسى بين القوتين الكبريين.
عنصرية تأريخية!
ويعود بنا «هاميش ماكرى» إلى تاريخ اقتصاد العالم على مدار ألفى سنة ماضية من خلال ما أنجزه الاقتصادى البريطانى الراحل «أنجوس ماديسون» الذى قدم ميزانية مفصلة على نحو متزايد لما حدث منذ العام صفر وقدر ميزانية العالم خلاله بمقدار 100مليار دولار كانت فيه الهند والصين أكبر الاقتصادات وقتها بينما كانت الإمبراطورية الرومانية ثالثة فى الترتيب، ولفت نظرى وجود الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا ونيوزيلندا فى خريطة ذلك الاقتصاد، ولم أفهم كيف وضعها صاحب التصنيف عن زمن لم يكن هناك مايسمى بالولايات المتحدة أو كندا حتى أمريكا كقارة أو بلد استمدا اسمهما من مكتشفها الإيطالى «أميريكو فسبوتشى» عام 1507،وهو فى ظنى نوع من ممالأة أمريكا وزرعها فى تاريخ ليس لها فيه وجود فى ذلك الزمان! وبموازاة ذلك لم توضع البلاد العربية أو الإسلامية فى عز مدها الحضارى، وثرائها المادى/ وسيطرتها العسكرية طوال عدة قرون على امبراطورية عظيمة امتدت من الصين شرقا حتى إسبانيا وبلاد الأندلس غربا لم توضع فى تلك الخريطة الألفينية للعالم اقتصاديا وتوزيع ثرواته ونصيب القوى الكبرى منها!هكذا قدم أنجوس ماديسون خريطة ميزانية عنصرية،لم تتوقف على العام الميلادى الأول،بل تكررت ثانية خلال تناول «هاميش ماكرى» الصراعات التى دارت فى الشرق الأوسط وأثرت على استقرار المنطقة وصراعات القوى الكبرى فيها؛فقد أشار للحروب التى دارت فى المنطقة بادئا بحرب الأيام الستة 1967 لينتقل مباشرة للصراع العراقى الإيرانى 1980 1988
فحرب الخليج الثانية فى أعقاب غزو الكويت 1990 متجاوزا مثلا حرب 1956 على مصر لما فيها من عدوان ثلاثى استعمارى اشتركت فيه إسرائيل وبلده انجلترا، ثم حرب 6أكتوبر 1973 بما كانت تمثله من هزيمة مريرة لإسرائيل! وهكذا حتى المحلل الاقتصادى وهو يرصد أو يتناول عرضا أحداث التاريخ لا يستطيع التخلى عن انحيازه للصهيونية ونفاقه للإمبريالية، رغم أن ذلك بالطبع ليس مجال حديثنا، لكنها ملاحظة لفتت انتباهي.
ويستمر ماكرى فى رصد الوضع الحالى للعالم فى ضوء توقعاته فى كتابه عن العالم2020،وكان الوضع البيئى عالميا من بين مارصده وخالفت فيه توقعاته ما صار إليه الأمر بالفعل؛إذ توقع أن العالم سيصل حاليا إلى «ذروة النفط»،وهى النقطة التى يبدأ عندها إنتاج النفط العالمى فى الانخفاض لأن حقول النفط الكبيرة القائمة سوف تجف ولن تكتشف إمدادات جديدة بالسرعة الكافية لتلبية الطلب،لكن حدث العكس فأدى التكسير الهيدروليكى للصخور الحاملة للنفط إلى فتح إمدادات جديدة هائلة لكنه يعود ليمارس استشرافه للمستقبل فيتوقع أن ينخفض الطلب على النفط ليظل الغاز والفحم مهيمنين ويظل الاقتصاد العالمى معتمدا على الوقود الأحفورى «الغاز والفحم» فى عام2050 بشكل مطرد.
الهيمنة الأمريكية
ويستكمل ماكرى رؤيته للواقع معارضا ما يتردد حول التراجع الأمريكي، وأكد على تطور الاقتصاد الأمريكى بشكل كبير فى الفترة الأخيرة إذا ما قورن بدول الاتحاد الأوروبي.
وتدليلا على أسباب رؤيته ذكر «هاميش ماكرى» الفارق الكبير بين التعليم الأمريكى بكافة مستوياته وبين التعليم فى مختلف دول العالم، والذى بدوره يضمن الهيمنة الأمريكية لفترة طويلة.
ووضح الكاتب أيضا الدور الكبير للتعليم والثقافة والهجرة فى تعزيز السيادة الأمريكية، وضمان البقاء على عرش الهيمنة العالمية حتى منتصف القرن الحالى،رغم ما أشار إليه من ظهور التوترات فى المجتمع الأمريكى مع انتخاب دونالد ترامب لأول مرة عام2016.
ورغم ما أشار إليه من أن الأوضاع الصحية لا تتناسب مردوداتها مع معدلات الإنفاق عليها وأنها تعانى من ظلم عنصرى شديد،لكنها تختلف عن غيرها فى الاعتراف بالتقصير والعمل على إصلاحه، وتتوافر دائما الإرادة لذلك الإصلاح.
توقعات مثيرة
ومن ثم تنطلق رؤية «هاميش ماكرى» لعام 2050 من عدة زوايا تبدأ أولاها بالبعد الديمغرافى ،فيشير إلى أنه طبقا لتوقع الأمم المتحدة، سيبلغ عدد سكان الكوكب حوالى 10 مليارات نسمة، مما يشكل عبئا حقيقًيا، ومسئولية كبيرة على كافة الدول، وتحديدا فيما يخص كيفية توفير الخدمات الملائمة لسد حاجة المواطنين.
وأنه طبقا لتوقعات الأمم المتحدة، ستجتاح الشيخوخة معظم دول العالم على فترات متلاحقة، والذى يؤدى بدوره إلى انخفاض العمالة والإنتاجية، كما سيؤثر ذلك على رغبة الدول فى استقبال المهاجرين، نتيجة لنقص العمالة بالدول المتقدمة.
وهنا يذكر ماكرى نموذجا لهذا التأثير يتجسد فى ألمانيا التى ستضمن على حد تعبيره أن الهجرة ستعوض التراجع الطبيعى فى عدد السكان والتراجع الأكبر المرتقب فى حجم القوة العاملة، وسيكون اللاجئون الذين وصلوا ألمانيا من الشرق الأوسط مابين 2014 و2019 من متوسطى أو كبار السن وأبناؤهم هم من سيساعدون على دفع الاقتصاد الألمانى مع استمرار ارتفاع معدل خصوبة المهاجرين واللاجئين عن الألمان رغم صعوبات الاندماج الاجتماعى التى واجهت هؤلاء المنتمين لثقافات مختلفة ولا يتحدثون اللغة الألمانية (على الأقل فى البداية).
وفى نقلة أخرى لدولة أوروبية مختلفة يطلق ماكرى تحذيرا مهما حول إيطاليا، ويتساءل:« هل ستحافظ إيطاليا على تماسكها؟ هل ستترك الاتحاد الأوروبي؟، سيبدو الأمر للكثيرين مشيناً إذا اقترحت أنها قد تنقسم إلى دولتين، وحتى سخيفا.
ولكن علمتنا السنوات الخمسون الماضية أن الأسس الدستورية التى تبدو مستقرة فى أى حقبة يمكن أن تنقلب فى لمحة بصر . مثلما كان انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفيتى وانقسام تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا»..فهل تتحقق مخاوف أو تحذير «ماكرى» من انقسام إيطاليا فى ظل أن إيطاليا كما يذكر من أسرع دول العالم انكماشا وفى ظل حاجتها الشديدة لزيادة معدلات المواليد ووقف هجرة شبابها، وهو مايستدعى أن تستقبل خمسة ملايين مهاجر للحفاظ على معدل السكان لعام 2020 وهو 60 مليون نسمة،لكن ذلك بالطبع يعنى المزيد من التوترات الاجتماعية بين السكان الأصليين والمهاجرين الوافدين.
ومثل إيطاليا تبدو إسبانيا والبرتغال تعانيان نفس أزمة تناقص السكان بمعدل 10% مما يعرضهما لرياح عكسية عاتية.
لكن «ماكرى» يرى قدرة أكبر للبرتغال على المواجهة والتطور خلال الأعوام الثلاثين المقبلة قياسًا إلى الجارة الكبرى إسبانيا التى تعتمد اعتمادا رئيسيا على السياحة،فضلا عن توترات إقليم كتالونيا فى الوقت الذى تعتبر فيه البرتغال نقطة نفاذ البرازيل إلى أوروبا، ويعتقد «ماكرى» أن البرتغال سوف تدار بشكل أفضل من جارتها الكبرى خلال السنوات الثلاثين المقبلة.
الصين والهند
وبكل ثقة يطلق «ماكرى» ما يبدو نوعا من الإقرار بواقع يشهد عليه العالم؛ ذلك أنه يؤكد أن القرن القادم هو قرن الصين العظمى، وأنه بحلول عام 2050 سيكون الاقتصاد الصينى هو الأضخم عالميا مما سيجعلها أكثر ثقة واستقرارا فى علاقة عمل معقولة مع الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى التى تنافسها على قيادة العالم، لكنه يحذر الصين من عثرات وتحديات قد تقابلها أو تعرقلها لتصب فى مصلحة أمريكا والهند المتحفزة ذات الثقة المتزايدة. ويلخص تلك التحديات فى مشاكل البيئة والريادة التقنية والاستقرار الداخلي.
ويؤكد أيضا بكل ثقة أن احتلال الاقتصاد الهندى للمركز الثالث عالميا عام 2050 هو أمر منطقى وعودة طبيعية لشبه القارة الهندية لمكانها الصحيح فى العالم مع استعراض تاريخ اقتصاد العالم الذى قام بإعداده انجوس ماديسون،وقد أشرنا إليه سابقا.
دون أن يغفل العوائق التى على الهند مواجهتها وهى كما ذكرها:وجوب تطوير البنية التحتية الهندية مقارنة بالصين،والعامل البيئى المؤثر بالنسبة للهند مع تعرض شبه الجزيرة الهندية لتغيرات مناخية هائلة وما يترتب عليها من مخاطر توفير غذاء ل1,6 مليار فرد،ثم تأتى قضيتا التعليم وعدم المساواة اللتان تهددان بلا شك آمال الهند وطفرات التقدم المطلوبة منها وسط تلك التحديات.
الذكاء الاصطناعى
وإلى التجارة والاقتصاد تتحول دفة رؤية «ماكرى» لعالم 2050 وهو يرى أنه من الممكن أن نرى تراجعا لدور التجارة الدولية فى الأعوام القادمة نظرا لعدة أسباب وهي: تقلص الفارق فى الأجور بين العالم المتقدم والناشئ، تغير آليات وطرق التصنيع، تفضيلات المستهلك والتى تتغير بين الحين والآخر لأسباب مختلفة، وأبرز الأسباب هو تحول أنماط الشراء من السلع إلى الخدمات. ولأنه كان يكتب هذا الكتاب خلال 2021 فقد كان الذكاء الاصطناعى يفرض سطوته شيئا فشيئا ويضع بصمته على كثير من مجالات الحياة، ولذلك لم يكن من الممكن تجاهل أمر الذكاء الاصطناعى حيث يراه «ماكرى» كأحد التطورات التكنولوجية الهامة التى ستغير العالم فى المستقبل.
وأنه سوف يؤثر على سوق العمل بطبيعة الحال ، مع إمكانية استبدال بعض الوظائف بالروبوتات والآلات الذكية، وأنه سيكون بمقدور الكثيرين ممارسة أعمالهم من بيوتهم، وهو أمر بدا واضحا فى أزمة كورونا مع تطبيق سياسة العزل لفترات وأداء الأعمال من المنازل، وبالتأكيد سيكون الأمر أكثر حدة فى المستقبل يزيد من العزلة وافتقاد التواصل الإنسانى المباشر، كما يشدد ماكرى على الفرص التى يقدمها الذكاء الاصطناعى فى مجالات مثل الطب والصناعة، وكذلك التهديدات المحتملة مثل فقدان الخصوصية والأمان السيبراني.لكنه يشير بطرف خفى إلى خطورة تطوير برامج الذكاء الاصطناعى بشكل مطلق مشددا على على أهمية تطوير الذكاء الاصطناعى بشكل مسئول وابتكار حلول تكنولوجية جديدة تعزز التنمية المستدامة ببعد إنسانى.
تحديات مستقبلية
ويصل قطار «ماكرى» إلى رصيف التاريخ، إلى محطة مصر وهو ينظر إليها بما تمثله من ثقل فى منطقتها الشرق أوسطية ومحيطها العربى وأترك سطوره عن مصر تتحدث عن رؤيته لها:إن ما سيحدث فى مصر له أهمية هائلة للمنطقة بأكملها، غربها وشرقها؛ مصر دولة ضخمة، حيوية، وتزخر بالتاريخ والطموح. بحلول عام 2050 ستكون موطناً لحوالى 160 مليون نسمة، مكدسين حول ضفاف النيل وفى الدلتا.
قد يصل عدد سكان القاهرة وحدها 35 مليون نسمة. الآفاق مثيرة ومقلقة بالقدر ذاته هى مثيرة بالطبع لأن مصر لديها الكثير لتقدمه، فهى تضم طبقة متوسطة منظمة هائلة، وتتمتع بتقاليد تقوم على التسامح، وطاقة وسحر واقع ممزوج بالفوضى هى أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وستظل كذلك، كما أنها نقطة ارتكاز العالم العربي. الآفاق مثيرة للمقلق أيضاً بسبب ظروف المنطقة المضطربة، وربما الأهم من ذلك مشاكلها الاقتصادية.
حيث يمثل التغير المناخى تهديداً هائلاً نظراً لأن كل شيء يعتمد على تدفق نهر واحد، ولأن الصادرات الزراعية ستستمر فى كونها حيوية فى المستقبل المنظور، أى ملاحظ دقيق لمصر يجب أن يرجو لها النجاح، ولكن الثلاثين عاماً المقبلة ستكون صعبة.
ولا يرى ماكرى أن أسعار الطاقة ستمثل إشكالية كبيرة بالنسبة لمصر، وذلك لأن إنتاجها من النفط قليل نسبياً كما أن احتياطاتها الكبيرة من الغاز لم تستغل بعد استغلالاً كاملاً.
ومن مصر إلى منطقة الشرق الأوسط التى يراها «ماكرى» واحدة من أكثر المناطق هشاشة على الكوكب. حيث كانت الخمسين عاماً الماضية - وربما أكثر كما يذكر «ماكرى» - مروعة فقد شهدت موت الملايين فى الحروب ونزوح الملايين للعيش فى مخيمات للاجئين.
ويقول: من المتوقع أن يستمر الوضع لباقى القرن وربما بعد ذلك وهو أمر محزن يجب ألا نستبعد احتمالية أن تكون المنطقة أكثر هدوءاً وسلاماً بحلول عام 2050. هناك فرصة معقولة لحدوث ذلك. ولكن عدم الاعتراف بأن المنطقة قد تجذب نفسها والعالم نحو كارثة هو أمر غير واقعى ،ويبنى ماكرى رأيه اعتمادا على ثلاث قضايا أساسية: العلاقة بين إسرائيل وجيرانها، وتصرفات إيران وأهمية النفط والغاز فى المنطقة والعالم.
وماذا بعد 2050؟
ويتساءل «ماكرى»:كيف سيكون العالم حقاً بعد جيل من الزمن؟ بعد أن شرحت مخاوفى وآمالي، سأقدم الآن خلاصة آرائى حول ما ستؤول إليه تلك المخاوف والآمال، تستند هذه الخلاصة إلى الدلائل، والمعرفة التاريخية وأيضاً حدسى الخاص، أثق بأن البشرية ستتجاوز المرحلة الصعبة من دون وقوع كارثة ما قد تجعل أفكار هذا الكتاب غير مهمة، سيسوء النزاع الواضح بين عملاقى الاقتصاد الولايات المتحدة والصين قبل أن تتحسن علاقاتهما.
ستنشأ توترات نتيجة صعود اقتصاد الهند لتصبح ثالث أكبر اقتصاد فى العالم ومع الأسف، ستستمر الصعوبات فى الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
ستظل روسيا شريكاً مربكاً وستسعى لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي. وسيتعين على إفريقيا كبح صراعاتها الداخلية حتى تمضى قدماً نحو ازدهار أكبر.
ولكن، هل ستتحول تلك التوترات إلى حرب عالمية، أو حرب باردة جديدة مماثلة لمرحلة نهاية الحرب العالمية الثانية فى 1945 وحتى سقوط جدار برلين عام 1989؟..الأسئلة مطروحة من رؤية الكتاب وننتظر معه ماذا ستقول الأحداث لمن يلحقون بالعام 2050،وعليهم أن ينتظروا منه هو أو غيره مؤلفا جديدا عن عالم أشد إثارة فى العام 2075 أو العام 2100!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.