ولأن الشىء إذا زاد عن حده انقلب لضده، فقد ظلم حماسنا تلك الطفلة، التى قمعتْ رغبتها فى تناول رقائق البطاطس من أجل مساعدة رجل فقير، وهو تصرف يستحق عبارات الإشادة ممن يدورون فى محيط علاقاتها القريبة، وقد يتسع الأمر قليلا لدائرة تشمل عابرين استوقفهم التصرف التلقائى، غير أن المشكلة تبدأ عادة عندما يُعاد تدوير التلقائية، فتفقد براءتها تدريجيا بسبب اللهاث وراء «التريند»، وينتقل التصرف البسيط من هامش يليق به، إلى أكثر من متْن يجعلنا نشعر أننا نعيش فى غابة، لدرجة أن مجرّد بادرة فعل خيرٍ تتحول إلى واقعة بالغة الضخامة. أستبعد وجود تخطيط مُسبق من الطفلة وأهلها لصناعة «تريند»، غير أن الانتشار المبالغ فيه لفيديو «واقعة العطاء»، يجعلنى أشعر بالاستغراب. مشاهدتى له أقنعتنى بأنه غير مصنوع مع سبق الإصرار، لأن كاميرا مراقبة ثابتة أعلى المحل أو منزل قريب منه هى التى رصدتْ ما حدث، لكن إذا وضعنا فى اعتبارنا أن التعامل مع هذه الكاميرات أصبح روتينيا، وأن من قاموا بتركيبها لا يعودون لمحتواها إلا فى حالة وقوع حادث يستحق المراجعة، فإن سؤالا يطرح نفسه: من قرّر قص هذه اللقطات ثم رفعها على «سوشيال ميديا»؟ ربما تكون الصُدفة عاملا أساسيا.. استوقف المشهد أحدهم خلال وقوعه، ورأى أنها فرصة للاحتفاء بتصرف «هايدى» النبيل، لكن هل من المنطقى أن تنتشر القصة على هذا النطاق الواسع فى وقت قصير.. أو طويل؟ عموما مكافأة السماء كانت فورية، ومن حق الطفلة أن تنال من السعادة قدرا لا بأس به، لكن دون مبالغات فى ردود الفعل، كما أن الحدث يستحق الترويج، كى يتعلم الصغار فعل الخير، فيعوّضوا جفافا إنسانيا نشعر به أحيانا فى معاملاتنا اليومية، مع ضرورة الانتباه إلى أن المبالغة قد تزرع الغيرة فى قلوب آخرين، يحققون إنجازات لا تلفت أنظار «كاميرات الصدفة»، مما يمنع وصول النجومية إلى مستحقيها، بعد أن غيّرت وسائل التواصل معايير الشهرة!