عندما تمر امرأة جميلة فى الطريق.. ويقع نظر الزوج عليها عن عمد أو غير عمد.. تسأله الزوجة.. «بتبص على إيه»..؟ عندها يسألها الزوج «هو انت غيرانه ولا إيه؟».. فتشيح بوجهها وفى كبرياء تجيب «أنا أغير؟.. ومن دى؟ لأ طبعا..أنا واثقة فى نفسى». . ورغم شعور الغيرة البادى على وجهها إلا أنها تنفى ذلك الشعور فى كبرياء، أو قد تنعته بأن «عينه زائغة» ولا يملأها إلا التراب. وفى المقابل.. عندما تتهادى المرأة وتسير فى خيلاء ويعاكسها الغرباء، ويكون زوجها «حمش» تقوم قيامته وينزل ضرب فى خلق الله، ولأنه بمفرده ومن غير شلة «يتخرشم» ويسيل الدم من «وشه»، ويأخدها ويروّح، ويكون نهارها أسود..فمكياجها «أوفر» وملابسها ألوانها مزهزهة، ولأنه غيران عليها ففى كل مره تتعاكس يكون الذنب عليها.. فهل الغيرة ضرورية بين الزوجين أم أنه شعور مخجل ينبغى أن نخفيه عن شريك الحياة؟ وهل هو أمر يخص الإنسان وحده؟. د. جمال أحمد شفيق أستاذ علم النفس الإكلينيكى بجامعة عين شمس يؤكد أن كثيرا من الدراسات أكدت أن الغيرة خطر على استقرار الحياة الزوجية، وأنها كثيرا ما تعصف باستقرار الأسر والأبناء وتكون سببا فى وقوع الطلاق، ولكن على عكس ما هو شائع فقد أكدت دراسات حديثة أن الغيرة هى أكبر دليل على وجود مشاعر الحب بين الزوجين وهى البرهان القوى على ارتباط كل منهما بالآخر وحرصه عليه وخوفه من أن يفقده أو يتخلى عنه، والغيرة تشعل مشاعر الحب بين أى زوجين وتجدد مشاعرهما مهما طالت سنوات زواجهما، وتبعد عنه كل ما يبعث الفتور والملل والرتابة خاصة عندما تكثر الأزمات والمشاكل والعقبات وعندما تلهيهم عن مشاعرهم مشاكل الأبناء، أيضا عندما يكبران ويصيبهما الضعف والوهن يشعران أنهما مازالا فى عمر الشباب وأن نبض الحب مازال يضخ بالحياة فى عروقهما عندما يشعران ببعض من نار الغيرة، فبالإهمال تخبو مشاعر الزوجين وتنطفئ وبالغيرة تتقِد مشاعر الحب مدى الحياة. والغيرة فى الزواج شعور طبيعى ومقبول ويدل على الاهتمام الصادق، وهو شعور إيجابى وصحى ولطيف، بما يعنى أن كل طرف من الزوجين يشعر بالآخر وحريص عليه ويخاف أن يفقده، بل ويريده بشكل كامل غير منقوص فى حياته، والغيرة لا تعنى إطلاقا الشك فى الطرف الآخر إنما تعنى الثقة فى النفس والثقة فى الآخر، فعندما تغير الزوجة على زوجها فإنها تقول له ببساطة: «أغار عليك لأنى أحبك ولا أريد أن يشاركنى فيك أى طرف آخر.. ، وبعض الناس يرون أن الحب فى الحياة الزوجية هو أكسير الحياة، ودون شعور بالغيرة يصبح الزواج فاترا ومملا يمشى على وتيرة واحدة وبلا طعم ولا لون، حتى أن بعض الأزواج عندما يشعرون بالملل والفتور ويبدأ الصمت يسود فإنهم يفجرون موقفا للغيرة حتى يكون هناك شد وجذب ونقاش وكلام، يعنى باختصار وجود روح وحياة تدب فى هذا الزواج، فالزوجة قد تقول لزوجها كأنها (قال يعنى مش واخدة بالها).. «مش أنا النهاردة قابلت عند ماما بالصدفة ابن خالتى اللى كان متقدم لى».. وقد يرد هذا الكيد ويقول لها فى فرصة ثانية: «الجارة الشقراء اللى سكنه فى الدور الأرضى قابلتنى فى المول وبتسلم عليك». ويؤكد د.جمال شفيق أن الغيرة شعور طبيعى ليس من صنع الإنسان- إنما هو من عند الله، كان وسيظل سببا من أسباب ذوبان الجليد بين الأزواج، لذلك لم يخص الإنسان وحده به بل منحه للمخلوقات حتى يتعلقوا بشركاء الحياة جميعا، ففى عالم الطيور المتحابة لا يستطيع الزوج النظر إلى أنثى ذكر آخر، وإذا حاول ذلك فيكون مصيره مهاجمة الزوج له وطرده من المكان، وفى الغابة نجد ذكور الحيوانات يقتلون ذكورا أخرى بسبب الغيرة على الإناث، وفى عالم الطفولة نجد الغيرة تداعب كثيرا من القلوب البريئة والدليل على ذلك أن كثيرا من المشكلات النفسية التى تحدث للأطفال فى أعمار مبكرة تكون بسبب الغيرة التى قد تكون بين الأخوة والأخوات من الصغار وليس الكبار فقط، ولعل من أبرز هذه المشكلات التبول اللاإرادى والتلعثم فى الكلام، وفقدان الشهية، والرجوع إلى مرحلة الرضاعة بما يسمى»النكوص». الغيرة العمياء وتتطرق الغيرة إلى كثير من نواحى الحياة الإنسانية فهناك الغيرة الدينية، والغيرة العلمية، والغيرة فى السلطة والمناصب، وفى اقتناء المال وعزوة الأولاد، وفى مظاهر الجمال. وفى كل الأحوال فإن الغيرة مطلوبة إذا كانت بقدر طبيعى ومعقول ومحكومة فى إطار المنافسة الشريفة حينها تكون سببا من أسباب النجاح والتقدم والإنجاز، ولكن فى الزواج يجب أن تكون بقدر معقول وألا تتعدى الحدود الآمنه بين الزوجين حتى لا تصبح خطرا يهدد كيان الأسرة، فلا يكون التعبير عن الغيرة من الطرف الذى يشعر بها مصحوبا بالعبارات النابية أو الكلمات المسيئة التى يصعب نسيانها من الطرف الآخر، وعلى الشخص الذى يشعر بالغيرة أيضا أن يتحكم ويضبط سلوكه العنيف ضد الآخر فى أثناء شعوره بالغيرة بإعمال العقل وترشيد الجانب الانفعالى والعاطفى، وألا يوجه الاتهامات للطرف الآخر جزافا دون دليل، أى لا تكون «غيرته عمياء»، وأن يوظف طاقاته الانفعالية فى عمل منتج له قيمة مادية واجتماعية، أيضا عليه أن يمارس أى نوع من الرياضة أو أى هواية تبعده عن التوتر واحتمالات تدمير العلاقة الزوجية خاصة إن كان بطبعه غيورا، وألا يترك العنان للخيالات والأوهام التى تضر بشريك الحياة، وأخيرا على الزوجين وضع خطوط حمراء وعدم الوصول لمرحلة الخطر عند مشاعر الغيرة، خاصة أن الغيرة الزائدة المبالغ فيها تجعل صاحبها يفقد بالفعل شريك الحياة ويسارع بإنهاء العلاقة عملا بالمثل القائل «وقوع البلاء ولا انتظاره»، ليبدأ على الفور فى علاقة جديدة حتى لو لم يكن راغبا فيها. وينصح د. شفيق الأزواج بأن تكون الغيرة مصحوبة بالعاطفة الصادقة وببعض التعبيرات الرقيقة فى الإعراب عنها، ولا عيب فى شرح توابع هذه الغيرة لشريك الحياة من مخاوف وتوجسات من فقده وأنه شخص غال نريد الاحتفاظ به مدى الحياة، والغيرة يجب أن تكون بمقادير دقيقة مثل الدواء، القليل منه يجعل الزواج معافى والكثير يؤدى بالزواج.