ولكن الحقيقة أن الخطأ الناتج عن سوء مستوى التعليم بكليات الطب المختلفة، وعدم وجود مستشفيات كافية لتدريب الاطباء. لماذا لم نسمع صوت نقابة الأطباء أمام وقائع أخطاء الأطباء الأخيرة التى ضاعت بسببها أرواح أبرياء؟ لماذا لا نسمع صوت النقابة فقط إلا فى دفاعها عن الأطباء حين اصطدامهم بأهالى المرضى داخل المستشفيات؟ ضحايا الأخطاء الطبية زاد عددهم فى الفترة الأخيرة، وآخرهم العروس الشابة التى فقدت حياتها داخل مركز تجميل شهير، قبل زفافها بأيام، بعد حقنها بمواد مغشوشة ودخولها فى غيبوبة. وقبلها بأيام مات ابراهيم خلال اجراء جراحة استئصال اللوزتين بمستشفى بالطالبية، وقبلها بأيام أيضا مات مالك فى شربين خلال نفس الجراحة. وصدمتنى تصريحات محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء حول تكرار وفيات الأطفال خلال الفترة الأخيرة أثناء إجرائهم جراحة استئصال اللوزتين، سواء فى مستشفيات حكومية أو خاصة والسبب المعلن هو حدوث نزيف خلال الجراحة. نعلم جيدا أن الموت قضاء وقدر، وأن حدوث المضاعفات وارد أثناء الجراحة، لكن تكرار حالات الوفاة خلال إجراء جراحة روتينية سهلة مثل اللوز ، لابد أن يدعو للشك والقلق، وأتفق تماما مع رئيس مركز الحق فى الدواء فى ضرورة وجود سبب، ربما يكون سوء تعليم فى كليات الطب، أو سوء تدريب بعد التخرج، المهم أن الأمر بالفعل يقتضى الاهتمام. الأطباء يرفضون قانون الممارسة الطبية، ويقولون إن الخطأ الطبى الذى يستوجب المحاسبة الجنائية هو الخطأ الناتج عن الاهمال الطبى او الضرر العمدى، ولكن الحقيقة أن الخطأ الناتج عن سوء مستوى التعليم بكليات الطب المختلفة، وعدم وجود مستشفيات كافية لتدريب الاطباء خلال دراستهم او بعد تخرجهم، والسماح لهم بالحصول على عضوية النقابة والترخيص بمزاولة المهنة بمجرد حصولهم على درجة البكالوريوس، واستئمانهم على ارواح البشر، أو نقص التدريب الطبي، كل هذه العوامل تعد من صور الاهمال الجسيم الذى يستوجب معاقبة الطبيب، بل وإعادة النظر فى المنظومة كلها. وكلنا نذكر فى نفس هذا الوقت من العام الماضى، قيام وزارة الصحة بإغلاق مستشفى اطفال بعد وفاة طفل نتيجة حقنة لخفض الحرارة، ورغم أن وزارة الصحة أعلنت وقتها أن تحقيقاتها الأولية أفادت باشتباه وجود تقصير من الطبيب الذى قام بمناظرة الطفل والتعامل بشكل خاطئ مع الحالة، إلا أن احد اعضاء مجلس النقابة سارع بالتعليق على قرار الوزارة: «مصرون على تقديم الأطباء فداء لأى خطأ أو مضاعفات واردة»، واختتم تعليقه بالسؤال «الاكلاشيه»: «لصالح مين تشويه صوره الطبيب المصري؟». والغريب أنه بعد مرور عشرة ايام على الواقعة، قالت النقابة إن هذه القضية مازالت تخضع للتحقيق داخل النقابة فى لجنة آداب المهنة، وإن لجنة التحقيق لم تتخذ قرارًا نهائيًا حول وجود شبهة فى الإهمال أو حدوث خطأ طبي. ومازلنا حتى الآن-بعد مرور عام- ننتظر اعلان قرار النقابة فى هذه الواقعة، فمن حق الرأى العام معرفة نتائج التحقيق فى مثل هذه القضايا المهمة سواء بإدانة الطبيب أو تبرئته. نقابة الأطباء ليست نقابة عادية، فهى نقابة تدافع عن حقوق الأطباء، لكنها فى نفس الوقت ملاذ، يلجأ له المرضى أيضا لحماية حقوقهم، وهى أكثر نقابة مطالبة بالتوازن بين حقوق أعضائها وحقوق المجتمع، وللأسف فلم يحدث على ما أذكر خلال السنوات الأخيرة أن أعلنت النقابة على الرأى العام نتائج تحقيقاتها فيما يخص ادانة او عدم ادانة الأطباء فى قضايا الأخطاء الطبية، بنفس حرصها على سرعة اصدار بيانات الشجب والتنديد والاستنكار لوقائع التعدى على الأطباء فى المستشفيات من أهالى بعض المرضى.