تحقيق :منى نور يواجه تدريس الأدب الإفريقى فى مصر تحديات كبيرة، على رأسها قلة الاهتمام به مقارنة بالأدب العربى، والآداب الغربية، رغم أنه حصل على عدة جوائز نوبل، وأصبح يُنظَر إليه باهتمام شديد على نطاق واسع، حيث تُرجِم إلى كثير من اللغات العالمية. وعلى نهج السياسة المصرية التى التفتت إلى أهمية أفريقيا، ومدت يدها إلى جميع دولها، وبنت معها جسوراً من الثقة، كانت قد افتقدتها قبل ثورة يونيو، اهتمت مؤسسات التعليم بالأدب الأفريقى، لكن ذلك الاهتمام ليس بالقدر الكافى. فى هذا التحقيق يتحدث أكاديميون حول أهمية الأدب الأفريقى ومراحل تطوره، وما يُدرَّس منه، وكيف يمكن مضاعفة الاهتمام به فى الجامعات المصرية. يقول الدكتور أيمن الأعصر أستاذ الأدب السواحيلى بكلية اللغات والترجمة جامعة القاهرة إن هناك اهتماماً باللغات الإفريقية وآدابها لكننا فى حاجة إلى توسيع قماشة الاهتمام بها. ويعطينا نبذة عن تاريخ اهتمام مصر باللغات الإفريقية والأدب الإفريقى قائلاً إنه بدأ منذ خمسينيات القرن الماضى مع إنشاء معهد البحوث الدراسات الأفريقية، بجامعة القاهرة، وكذلك مع إنشاء قسم اللغات الإفريقية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، حيث بدأ الاهتمام الحقيقى باللغات والآداب الإفريقية فى المقررات الدراسية، فتخرَّج فى هذا القسم عدد كبير من المتخصصين فى تلك اللغات، مثل السواحيلية، والهوسا، والفولانى المنتشرة فى شرق وسط وغرب أفريقيا، وبدأ الطالب المصرى الأزهرى يدرس الأدب الإفريقى بأنواعه المختلفة، شعراً ونثراً، وفى نهاية الستينيات كان تدريس تاريخ الأدب والمقررات الأدبية كالشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والأدب الشعبى، يبدأ عادة مع الفرقة الثانية ويستمر مع الطالب فى سنته الدراسية الثالثة والرابعة، بشكل بسيط طبقاً للمادة العلمية المتوفرة فى ذلك الوقت. ويضيف: «مع زيادة الاتصال والتواصل مع الدول الإفريقية الناطقة باللغة الإفريقية، خلال الثمانينيات، بدأت المواد العلمية تتوفر أكثر فأكثر، وفى نفس الوقت بدأ إنتاج كُتَّاب الأدب الأفارقة يزيد بغزارة، سواء فى الشعر أو المسرح أو الرواية أو القصة أو الأدب الشعبى، ومعه ازداد الاهتمام بالدراسات الأدبية، خاصة من الباحثين فى الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) داخل مصر، أو المبعوثين إلى الدول الإفريقية الناطقة باللغة السواحيلية، مثل جامعة نيروبى بكينيا، ووصلت ذروة ذلك فى تسعينيات القرن الماضى، ومع بداية هذا القرن بدأ الباحثون يذهبون إلى تنزانيا، وكينيا لاستكمال بحوثهم بدلاً من انجلترا وفرنسا». أسأله عن أهم الكتاب الأفارقة الذين تدرِّس أقسام الأدب المصرية أعمالهم فيجيب: «الكاتب التنزانى شعبان روبرت أبو الأدب السواحيلى. إنه شاعر وروائى كبير، له عمل فذ بعنوان «قصادى كيكا». هناك أيضاً الشاعرة الكينية مواناكوبونا، لكنى أريد أن ألفت الانتباه إلى أن الشعر يغلب على الأدب السواحيلى، ففى الشعر القديم (قبل المرحلة الإسلامية) نجد الشاعر الكينى موياكا ابن الحاج، وفى المسرح نجد رائد المسرح السواحيلى التنزانى ذا الأصول العربية إبراهيم نور الدين حسين، وكذلك الكاتبة بينينا موهاندو، وفى مرحلة ما بعد الاستعمار، نجد أعمال إبراهيم حسين، وبنينا موهاندو، وسعيد أحمد محمد، وفى المرحلة الحديثة نجد الكاتبان المسرحيان الكينيان كثاكاوامبريا، واميكالا، وفى الرواية الكاتب التنزانى شافى آدم شافى، والكينى روتشا تشيميرا». ويضيف: «ولا ننسى أن الأعمال الأولى لهذا الإبداع قد كُتِبت بالسواحيلية وبالحرف العربى، ثم جاء المستعمر مجهَّزاً بآلات الكتابة والطباعة، ليفرض الكتابة بالحروف اللاتينية، وللأسف الشديد نجد أن الجيل الحديث من الكُتَّاب فى إفريقيا لا يعرفون هذه الحقيقة، لكننا نعرفهم بذلك فى محاضراتنا لهم». وفى نقطة جديدة يؤكد الأعصر أن علاقات مصر بالدول الإفريقية تتسم بالتقارب، نظراً لأن مصر أصابها ما أصاب تلك الدول من ظلم استعمارى أوروبى، أدى إلى نهب الثروات الإفريقية واستعباد أهلها لتشغيل مصانعهم إبان الثورة الصناعية فى أوروبا، فاغتنى الأوروبيون على حساب الأفارقة، وبسواعد وموارد أفريقية، وأصبح الإفريقى لا يجد قوت يومه والمرض يحاصره من كل اتجاه على الرغم من ثرواته المسلوبة، وهناك قواسم مشتركة أخرى، تتعلق بالإرث الحضارى والعادات والتقاليد، والبيئة الجغرافية، وقد كان لمصر دور ثقافى فاعل مع الدول الإفريقية لكنه انحسر فى الآونة الأخيرة، بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة التى تمر بها مصر، لكن لابد من إعادة بناء الجسور مرة أخرى». وطالب بتوثيق العلاقات الإفريقية من خلال عقد مذكرات التفاهم والتبادل الثقافى والعلمى بين الجامعات المصرية ونظيراتها من الجامعات الإفريقية فى شتى التخصصات العلمية والأكاديمية، وخاصة تلك التخصصات التى تحتاجها الدول الإفريقية فى مجالات الطب والهندسة والزراعة والرى، وفيما يخص اللغة العربية، يجب على مصر الاهتمام بنشرها وتدعيمها فى الجامعات والمراكز العلمية الأفريقية، من خلال الاهتمام بالمبعوث الأزهرى». كما أكد على ضرورة المشاركة بالخبرة المصرية فى تطوير المناهج الدراسية بالدول الإفريقية، فضلاً عن الاهتمام بحركة الترجمة من وإلى لغاتها، لما لذلك من أهمية فى نشر الثقافة المصرية فى شتى المجالات الثقافية والدينية والأدبية، وكذلك الاهتمام بالفنون الإفريقية خاصة ما يتعلق منها بالتراث الشعبى، من خلال تبادل الزيارات بين مراكز الفنون الإفريقية والمصرية، فضلاً عن الاهتمام بمخطوطات اللغات الإفريقية المكتوبة بالحرف العربى، فإن أقدم مخطوطة سواحيلية فى شرق إفريقيا ترجع إلى قصيدة الهمزية، التى كتبها البوصيرى المصرى فى مدح الرسول، وهى عبارة عن بيت شعرى عربى وأسفله بيت شعر سواحيلى، وفى ذلك دليل على الأثر المصرى الذى تمتد جذوره إلى قديم الزمان. من جهته يقول الدكتور عبد الحى أحمد سالم، أستاذ اللغة السواحيلية بكلية اللغات والترجمة، جامعة الأزهر إن الوثائق السواحيلية المكتوبة بالحروف العربية تؤكد أثر لغة الضاد وجهود المسلمين العرب فى تدوين اللغة السواحيلية، وإن لم يكن هناك من الوثائق ما يدلنا على تاريخ أول مخطوطة كُتِبت بالحروف العربية فى اللغة السواحيلية، وليس هناك أيضاً ما يدل على أن اللغة السواحيلية كُتبت - أول ما كُتِبت - بغير الحروف العربية، وذلك يؤكد لنا أن اللغة السواحيلية كانت لغة منطوقة، غير مكتوبة، قبل وصول العرب إلى شرق إفريقيا، وبعدما تم لهم الاستقرار، بدأوا فى تدوين اللغة السواحيلية المنطوقة إلى لغة مكتوبة، وكان من المنطق أن يدوِّنوها بالحرف العربية التى يجيدون الكتابة بها، مما يؤكد لنا أن العرب هم أول مَن كتب اللغة السواحيلية بالحروف العربية بعد توطنهم فى شرق إفريقيا منذ القرن الأول الهجرى، السابع الميلادى، ومنذ ذلك الحين واللغة السواحيلية وآدابها تستقى مصادرها من الأدب العربى الإسلامى. أسأله: هل استمرت كتابة اللغة السواحيلية بالحروف العربية؟ فيجيب: «لم تستمر لأن اللغة السواحيلية تُكتَب الآن بالحروف الرومانية، وهى حديثة العهد فى إفريقيا، وذلك لأن الحروف الرومانية واللغات الأوروبية لم تعرف طريقها إلى إفريقيا قبل الاستعمار البرتغالى، بل وفى كثير من أجزاء القارة الإفريقية لم تعرف الحروف الرومانية طريقها فى إفريقيا إلا فى القرنين السابقين، وبالرغم من أن أقدم ما وصل إلى أيدينا من تراث أدبى سواحيلى مكتوب بالحروف العربية، ويرجع إلى القرن الثامن عشر الميلادى، إلا أننا لا نستبعد وجود تراث أدبى مكتوب بالحروف العربية قبل هذا، فقد عرفت اللغة السواحيلية شكل الكتابة المأخوذ من الحروف العربية، منذ ثمانية قرون على الأقل، وقد وجد الشاهد الحقيقى لاستخدام الحروف العربية متمثلاً فى عُملة نحاسية مكتوب عليها بالخط العربى الكوفى فى زنجبار، وتحمل تاريخ500ه 1107م: هذه العملة تحمل اسم اسحاق بن حسن وهو أحد ملوك جزيرة باتى، والذى سجل تاريخ زواج ابنته من سليمان بن سليمان بن مظفر النبهانى مؤسس مدينة باتى». ويضيف: «الحقيقة أن السواحيليين كانوا يتلقون علومهم باللغة العربية، قبل وصول الأوروبيين، وذلك لأن علومهم كانت مرتبطة بالدين الإسلامى، فلم يكن لهم كتاباتهم الخاصة بهم، قبل وصول المسلمين، وبعدها تعلم السواحيليون اللغة العربية وحروفها، بدأوا هم أيضاً يكتبون مؤلفاتهم بها، ولكن بالنطق السواحيلى الذى عهدوه. وفى أوائل القرن السابع عشر الميلادى كُتِبت اللغة السواحيلية بالحروف الرومانية، حينما قدم المبشر الألمانى د. لودفيج كراف عام 1844، ونزل بالقرب من ممبسا، وتعلم اللغة السواحيلية بالحروف العربية، ولكن عندما كتب مؤلفاته كتبها بالحروف الرومانية، ولم يذكر قط الحروف العربية فيها. وجاء بعده إداورد ستير إلى زنجبار عام 1864وبدأ فى طبع مؤلفاته بالحروف الرومانية ثم جاء تايلور عام 1880ونزل فى مومباسا الكينية وبدأ بدوره فى كتابة اللغة السواحيلية بالحروف الرومانية، وكان مما كتب أعمال الشاعر السواحيلى موياكا، وبهذا تم استبدال الحروف العربية بالرومانية، رغماً عن أهل السواحيلية فى ذلك الوقت، وظلت معارضة المثقفين لهذا العمل قائمة حتى النصف الأول من القرن العشرين، ومن مظاهر ذلك الرسالة التى كتبها بالعربية الشيخ الأمين على المزروعى، الكاتب الإسلامى المعروف، قاضى قضاة كينيا الأسبق، وأرسلها إلى السير آلن، المندوب البريطانى وحاكم مومباسا الإنجليزى، مطالباً فيها بعدم استبدال النطق العربى الموجود فى اللغة السواحيلية بمنطوق آخر». ولأن المسرح أبو الفنون، وهو الفن الأكثر قرباً وتعبيراً عن الشعوب، يتحدث الباحث سيد فريد، المدرس المساعد بقسم الدراسات الإفريقية بكلية الألسن، جامعة عين شمس، عن مراحل تطوره. يقول: «مرَّ المسرح السواحيلى بعدَّة تحولات حتى وصل إلى شكله الحالى، الغنى بالمضامين الثقافية التى تعبِّر عن عادات وتقاليد شعوب شرق إفريقيا، ويمكن تقسيم هذه التحولات إلى ثلاث مراحل رئيسية، فى مرحلة ما قبل الاستعمار يتجلى الارتباط العميق بين المسرح السواحيلى وجذور الأدب الشفاهى، الذى يعد جوهر الحياة الاجتماعية فى أفريقيا، نظراً لصلته الوثيقة بالأحداث والمعتقدات والتقاليد والثقافات، ضمن سياقاتها المختلفة، فقد شكَّل الأدب الشفاهى نظامًا اجتماعيًا متكاملاً يعبِّر عن واقع المجتمع، ويشمل جميع أفراده وخلال هذه المرحلة، لم يكن المسرح يُكتَب بغرض التمثيل كما هو الحال اليوم، بل تجلى فى عروض مرتجلة شفوية تُؤدَّى فى مناسبات خاصة مثل رقصات ما قبل الصيد، محاكاة الحيوانات، طقوس الولادة، الزواج، الحداد، بالإضافة إلى الطقوس الحربية التى تعبِّر عن الشجاعة، وطقوس تقديم القرابين، والاستسقاء عند الجفاف، فضلاً عن حفلات السمر، وسرد الحكايات». ويضيف: «ورغم أن هذه العروض لم تكن مدونة، فإنها اتسمت بالخيال والتشويق ما يجعلها قريبة من مفهوم المسرح بالمعنى الفنى وعلى الرغم من محاولات الاستعمار البريطانى فى كينياوتنزانيا طمس هذه الأشكال الفنية الشعبية، فإن كثيراً منها لا يزال قائماً حتى اليوم، كالرقص والغناء وسرد القصص، وطقوس الختان والبلوغ، مما يدل على حيوية الذاكرة الثقافية الإفريقية ومقاومتها لمشاريع المحو والتهميش، وقد تعرف السواحيليون على العروض المسرحية خلال حقبة الاستعمار حيث كانت فى بدايتها حكراً على الرعايا البريطانيين المقيمين فى شرق إفريقيا، وقد عُرِضت العديد من المسرحيات فى تلك الفترة لأغراض ترفيهية، ولتعزيز الشعور بالانتماء القومى والتعصب العرقى، على غرار مسرحيات شكسبير، التى عُرِضت فى المدارس المخصصة للأوروبيين والآسيويين، وبحلول عام 1920 بدأ عرض هذه الأعمال أيضاً فى المدارس التى أُنشِئت لأبناء النخب المحلية». ويؤكد فريد أنه فى سياق ترسيخ الهيمنة الثقافية، ابتكر الاستعمار نوعًا جديدًا من العروض المسرحية، يهدف إلى إمتاع الرعايا البريطانيين بالسخرية من عادات وتقاليد الشعوب الأفريقية، وتمجيد الثقافات الأوروبية، وهو ما يكشف عن الدور الإيدلوجى للمسرح فى تلك المرحلة بوصفه أداة التهكم الثقافى والتكريس الرمزى لسلطة المستعمر. وفى إطار سعى الحكومة البريطانية إلى تشجيع الكتابات المسرحية بهدف تنمية المستوى الإبداعى للرعايا فى المستعمرات أطلقت عام 1957عدة مسابقات مسرحية، بشروط صارمة من بينها، الكتابة باللغة الإنجليزية فقط، وتقليص عدد الشخصيات، وحصر المسرحية فى فصل واحد أو ثلاثة فصول على الأكثر ولا تتجاوز مدة عرضها 45 دقيقة، ومع مرور الوقت، والكلام لفريد، سُمح بأن تكون الكتابة باللغة السواحيلية، مما مهَّد الطريق لظهور أولى المسرحيات السواحيلية المكتوبة، ومن أبرز هذه الأعمال، مسرحيات البريطانيين جراهام هيسلوب «المشعوذ الأفضل»، و«مرحباً بالضيف»، و«السلف تلف والرد خسارة»، و«حافر البئر»، بالإضافة إلى مسرحية «أحبك ولكن» عام1957، لتلميذه هنرى كويا. ويعلق: «نلاحظ فى هذه المسرحيات ارتباطها بمفهوم الهيئة الثقافية، إذ لم تقدم محتوى هادفاً للقارئ السواحيلى، بل على العكس سعت إلى تكريس الصور النمطية والسخرية من الأفارقة لاسيما المسلمين السواحيلين ذوى الأصول العربية، ومع ذلك فقد أسهمت هذه الكتابات بشكل غير مباشر فى تحفيز الكُتَّاب السواحيليين على خوض غمار الكتابة المسرحية، فى محاولة لتفكيك تلك الصور النمطية، والرد عليها بالكتابة فى فترة ما بعد الاستقلال». أسأله: كيف تأسست مرحلة الانطلاق بعد الاستقلال وما مظاهرها؟ فيجيب: «جاءت انطلاقة المسرح السواحيلى بعد الاستقلال مباشرة على يد عدد من الكُتَّاب الوطنيين الذين تلقوا تعليمهم فى الغرب، حيث درسوا فنون العرض وقواعد الكتابة المسرحية، ومن هؤلاء الكاتب الكينى البارز والمناهض للاستعمار والكتابة باللغات الكولونيالية، نجوجى واثيونجو، والكاتب التنزانى إبراهيم حسين الذى تلقى تعليمه فى ألمانيا، وقد سعى كلا الكاتبين إلى تفكيك الصور النمطية عن الأفريقى، وكشف تجليات الكولونيالية الحديثة، من هيمنة ثقافية واقتصادية إلى إخضاع النخب المحلية، فقد برهنت مسرحيات نجوجى مثل «الناسك الأسود»، و«سأتزوجك إذا أحببتك». و«غداً فى مثل هذا الوقت» على موهبته الفذة فى الكتابة المسرحية، حيث تناولت هذه الأعمال واقع كينيا بعد الاستقلال بما فى ذلك فساد النخب، وازدواجية الولاء، والصراعات العرقية، وهيمنة قبيلته الكيكويو على موارد الدولة، إلى جانب حسرة الكاتب على الدماء التى أسيلت خلال هبَّة الماو ماو ضد الاحتلال البريطانى، وقد تعرض الكاتب للسجن لمدة عام بسبب مواقفة الفكرية، إلا أنه لم يتخلَ عن المقاومة الثقافية، فكتب أثناء فترة سجنه روايته الشهيرة «الشيطان على الصليب»، أما إبراهيم حسين فقد عبَّرت أعماله المسرحية مثل «الشياطين»، «كينجيكيتلى»، و«على حافة الغابة»، عن الأزمات الاقتصادية التى مرت بها تنزانيا بعد الاستقلال، ولامبالاة النخب تجاه تطلعات الشعوب، كما انتقد تمسُّك بعض الفئات بتقاليد لم تعد تلائم متطلبات العصر، كعادة توريث الأرامل، وعبَّر عن حزنه إزاء الدماء التى أريقت فى مواجهة الاستعمار الألمانى، والتى يرى أن النخب لم تقدر تضحيات أصحابها، بل تعاونت لاحقاً مع المستعمر القديم». وقد تتلمذ على يد هذا الرعيل الأول من الرواد، بحسب فريد، جيل جديد من المبدعين، ساروا على نهجهم، ومن أبرزهم سعيد أحمد محمد، وماجد مسواحيلى، وايمانويل مبوجو، ووامتيلا، وتيموثى أريجى، وموندامباتا، وكين واليبورا، وقد جاءت أعمالهم المسرحية لتواكب المستجدات على الساحة الإفريقية، حيث سلطوا الضوء على قضايا شائكة مثل نهب المواد الخام، وتواطؤ النخب المحلية مع الكولونياليين الجدد، وهجرة العقول المبدعة، فضلاً عن الأزمات البيئية والاقتصادية التى ما تزال القارة ترزح تحت وطأتها، وقد واصلت هذه الأعمال النهج النقدى ذاته متسلحة برؤية فكرية مقاومة تنطلق من داخل الواقع الإفريقى وتطرح أسئلته المؤرقة.