هل نحن أمام إعادة إنتاج للقرن العشرين بلغة القرن الحادى والعشرين؟ أم حرب باردة جديدة تُكتب بلغة الذكاء الاصطناعى، والرقابة الرقمية بدلًا من الجواسيس والصواريخ؟ تلك التساؤلات يحاول تفكيكها كتاب «المواجهة بين الولاياتالمتحدةوالصين: هل هى حرب باردة جديدة؟» للمؤلف الفرنسى «بيير جروسر»، والمؤلف بخبرته الأكاديمية، وقراءته المتعمقة للتاريخ، لا يكتفى بتوصيف اللحظة، بل يغوص فى جذورها، ويستشرف مآلاتها، كاشفاً لما وراء الستار فى مسرح العلاقات الدولية فى زمنٍ تتقاطع فيه الخطابات السياسية مع صرخات الاقتصاد، وتتشابك فيه خيوط التكنولوجيا مع أشباح التاريخ. أما الترجمة، فقد جاءت كجسرٍ متين بين الفكر الغربى، والوعى العربى تنقل النبض دون أن تُفقده حرارته بترجمة دقيقة وواعية- للزميل الصحفى محمد عبد الفتاح السباعي- وكصرخة فكرية فى وجه السكون. هذا الكتاب ليس مجرد تحليل سياسى، بل هو مرآة تعكس توترًا يتصاعد بين قوتين عظميين، حيث لا تُطلق الرصاصات، بل تُشهر البيانات، وتُخاض المعارك فى أسواق المال، وفى أعماق السيليكون، وعلى منصات الإعلام، ودعوة للتفكير، لا للتلقين. دعوة لفهم ما يجرى خلف العناوين، وما يُرسم فى الغرف المغلقة. فهل نحن مجرد مشاهدين فى هذا الصراع، أم أن فهمنا له هو أول خطوة نحو صناعة موقف؟ «المواجهة بين الولاياتالمتحدةوالصين: هل هى حرب باردة جديدة» كتاب يرسم خريطة المستقبل بين واشنطنوبكين. على مدار العقود الماضية، شهد العالم صعود الصين كقوة اقتصادية. وسياسية، وعسكرية، مما أثار قلق الولاياتالمتحدة التى ترى فى هذا الصعود تهديدًا لهيمنتها العالمية، إذ يمتد التنافس بين الطرفين ليشمل مجالاتٍ متعددة، من التجارة إلى التكنولوجيا، مرورًا بالصراع فى بحر الصينالجنوبى وقضية تايوان، ويقدم هذا الكتاب تحليلاً شاملاً للأسباب والقضايا التى تقف وراء هذا الصراع، مع التركيز على مفهوم الحرب الباردة وتطبيقاته على العلاقات الأمريكية - الصينية. اقرأ أيضًا | «معادن الكونغو» تشعل حربًا جديدة بين الصينوأمريكا حامية السلام بين «1989 و2022» بدأت المخاوف تتصاعد من «السلام الآسيوي» إلى خطر اندلاع حرب «أمريكية- صينية» خاصة أن منطقة شرق آسيا كانت مسرحًا لحروب متواصلة منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، ومن 1946 إلى 1979، كان 80٪ من قتلى حروب العالم فى هذه المنطقة، حتى إن الحرب الباردة كانت ساخنة فى آسيا، وأدت الحروب والمذابح الجماعية إلى مقتل 15 مليون شخص، دون احتساب عدد ضحايا المجاعة الصينية المرعبة عام 1961، والتى تسببت فى مقتل أكثر من 30 مليون شخص، لكن كل شىء تغير بعد 1979، حيث كان العقاب الذى أرادت الصين فرضه على دولة فيتنام فى ذلك العام هى الحرب الأخيرة بين دول المنطقة حتى لو واقعيًا استمرت الحرب الصينية - الفيتنامية قرابة عشر سنوات ورغم أن تعداد القتلى كان بالآلاف، فإن شرق آسيا أصبحت منطقة سلام. وترى الولاياتالمتحدة وجودها فى المنطقة كان ولا يزال العامل الرئيسى فى هذا السلام والازدهار، وأنها لا تزال حامية لها فى مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار من الجانب الصينى، بينما من وجهة نظر بكين، يُنشأ السلام والازدهار من ديناميكياتٍ آسيوية على وجه التحديد، ولا سيما من مركزيتها الاقتصادية والدبلوماسية التى أعُيد بناؤها. ورغم وقوع حوادث متكررة مع فيتناموالهند ، فإن الصين تمكنت من أن تنشئ أخيرًا قاعدة قوة حديثة، مستفيدة من السياق الذى يسمى السلام والتنمية. ولأول مرة منذ قرون، لم يعد للصين عدو، حتى لو كانت قلقة من صعود اليابان ومن رغبة طوكيو المُحتملة فى أن تصبح قوة عسكرية وأن ترفض الوصاية الأمريكية. شهر عسل مع نهاية الحرب الباردة، حاولت الصين عدم الخضوع للعزلة الدبلوماسية مرة أخرى، كما كان الحال خلال الثورة الثقافية (1966-1976). وضاعفت بكين من التطبيع الدبلوماسى فى جميع أنحاء آسيا، وكانت دبلوماسية الجوار من أولوياتها، خاصة أن جيرانها الآسيويين كانوا يحاولون التقرب منها، ومع الانتقال إلى بداية التسعينيات، ضمت بكين صوتها إلى الخطاب المعنى بالقيم الآسيوية، مما يقسم النجاح «الواقع» لاقتصادات شرق آسيا ويدير مقاومته لفرض القيم الغربية. وتنتشر التوقعات حول عودة آسيا فى مواجهة الغرب الذى أصبح فى حال أفول، وحول القرن ال21 الذى سيكون آسيوياً. وحققت مقالة «صموئيل هنتنغتون» المعنونة بصدام الحضارات، التى نُشرت 1993، نجاحًا كبيرًا، وأصبح مألوفًا فى خضم العولمة، إبراز الاختلافات فى الحضارة والإعلان عن أن العالم الغربى سيواجه «محورًا إسلاميًا - كونفوشيوسيًا»، وعلى نطاق أوسع «مواجهة بين الغرب والبقية». ولعل البعد الثقافى، بل والعرقى، بين الجبهتين لن يختفى، خاصة أنه منذ العقد الأول من القرن ال21، يبدو أن الغرب فى مواجهة دول حضارات تشعر بالحنين لعظمتها الماضية وإمبراطوريتها، مثل: الصين وروسيا وإيران وتركيا وحتى الهند. أول منعطف فى التسعينيات أيضًا، حصلت الولاياتالمتحدة أخيرًا على السدة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ التى كانت تأمل فيها منذ عام 1945. وفى العقد الأول من القرن ال21، كانت الأولوية بالنسبة لواشنطن هى الحرب ضد الإرهاب ومشروع «الشرق الأوسط الكبير». وبدءًا من العقد الأول للألفية، بدت الهيمنة الأمريكية فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ مهددة بصعود الصين، ويبدو أن تلك القوة الآتية كانت تتعامل مع الغرب بدون أى نوايا للاختراق، تهدف 30 عامًا من السلام لاكتساب القوة، التى أُتيحت بفضل ازدهارها. ومع ذلك، فإن بروزها القوى ألقى بظلاله على تراجع الغرب عن السلطة في «2012-2013»، وذلك فى سلسلة من الأحداث وقعت بين «2008-2013»، والتى تسببت فى توتر العلاقات قبل القطيعة فى أواخر العقد الأول من الألفية. فى الوقت الذى شددت فيه موسكو لهجتها فى مؤتمر ميونيخ للأمن 2007 وشنّت حربًا ضد جورجيا 2008، مما أثار الحديث عن حرب باردة جديدة، كانت بكين تُدير وجهها المنفتح ولديها فى ذلك الوقت قلق من نفوذ مبالغ فيه لأمريكا. لقد كان انشغال الولاياتالمتحدة فى حربها العالمية على الإرهاب بإطلاق عملية إغواء دبلوماسى ضخمة فى المنطقة، فيما استندت دبلوماسية الباندا الصينية المغرية على استعادة آسيا المزدهرة اقتصاديًا. خلال 2015 تم إطلاق مشروع «صنع فى الصين عام 2025»، بهدف تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتى التكنولوجى من خلال عمليات الاستحواذ على الشركات والباحثين العسكريين إلى الغرب. ومن هنا أصبح الصينيون يدخلون الجيوش فى القطاعات الصناعية الواعدة فى البلاد لتحقيق «اندماج مدني- عسكري». ببساطة تريد بكين خلق بيئة أكثر ملاءمة وتقليل الاعتماد على المركزية الأمريكية، حيث إن الأولوية لدى صعود الصين هى الترويج لدبلوماسية المحيط الهندى، إذ يبدو أنها تشكل «أورواسا»، حيث تعد مشاريع طرق الحرير الجديدة، وخاصة مبادرة الحزام والطريق التى أطلقها الرئيس «شى جين بينغ» فى 2013، ضرورية لتحقيق هذا الهدف. وبينما تسعى إلى تحييد حلفائها الأوروبيين والآسيويين، فقد أطلقت الصين الوسائل التى تقوم من خلالها الفوائد الاقتصادية. ولكن هذا لا يمنع أن بكين تظل تعتمد على الاستثمارات، إذ إن أوروبا، أو إفريقيا قد تصبح المصدر الأول للاستثمار الأجنبى المباشر فى العالم. فى الوقت نفسه، يبدو أن المحور الأمريكى الأوروبى عالق فى شبكة مخاوف من أن تتجاوزه الصين فى كل الاتجاهات فالولاياتالمتحدة مشغولة، وعالقة فى أماكن، ومشاكل أخرى، بدءًا من الشرق الأوسط حيث الحروب العنيفة المشتعلة، كما استحوذ ظهور داعش وتوسعه السريع فى 2014 على اهتمام الجيش الأمريكى بشكل كبير وكذلك فعلت القضية النووية الإيرانية، وينطبق الشىء نفسه على قضايا المناخ. «العداء المتقارب» يصف مايكل بيلسبى، صاحب الكتاب الأكثر مبيعًا (2015)، المعنون ب «الماراثون المائة عام» مشروع أطلقه ماو فى الخمسينيات من القرن الماضى يستهدف تفوق الصين على الولاياتالمتحدة والانتصار بحلول عام 2049، تزامنًا مع الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وبشكل عام، فإنه منذ عام «2016» ثم منذ عام «2019» تحديدًا، تغرق الولاياتالمتحدةوالصين فى حال من «المنافسة المتقاربة»، بعد «السباق المحدود» فى الفترة من «1990 إلى 2007 «و«التنافس» فى الأعوام» 2008-2015». مع انتخاب دونالد ترامب فى نوفمبر «2016» بعد حملة اتسمت بتصريحاته المناهضة للصين، ولا سيما بحديثه عن «اغتصاب» الصينلأمريكا. وهو يشجب فقدان الوظائف فى الولاياتالمتحدة، ليس بسبب عمليات نقل الشركات مقراتها خارج أمريكا، بل بسبب المنافسة غير العادلة مع الصين، التى، حسب قوله، تغش وتدعم وتتحسس، وتسرق الأسرار التكنولوجية، واختتمت الحملة الانتخابية أيضاً بشكوى قوية حول التدخل الأجنبى، وخاصة الروسى والصينى. فى المقابل وخلال المؤتمر العام ال 19 للحزب الشيوعى الصينى فى عام« 2017»، أوضح شى جين بينغ أن هدف الحزب هو «استكمال الدفاع الوطنى والتحديث العسكرى بحلول عام» 2035»، وتحويل جيش التحرير الشعبى إلى جيش من الطراز العالمي بحلول عام «2050». ثم تحدث عن الولاياتالمتحدة على أنها «أكبر تهديد للتنمية والأمن فى الصين». يلاحظ هنا أن 2018 و2019 هما عاما القطيعة، ولعل تقارير متعددة تظهر مدى سوء الممارسات التجارية الصينية ومحاولات الصين استخدام استثماراتها فى الولاياتالمتحدة لوضع أيديها على التكنولوجيا والبيانات، تختار إدارة ترامب المواجهة الشاملة. وتمثلت هذه المواجهة فى عدة نقاط، أولها الوثائق الاستراتيجية التى أصبحت علنية فمنذ العقد الأول من القرن ال21 تزايد التحذير الأمريكى من المنافسة الاستراتيجية، وتم تقديم الصين فى تلك الاستراتيجية على أنها دولة محورة للتاريخ، تسعى فى البداية إلى أن تحل محل الولاياتالمتحدة فى منطقة المحيط الهادئ-الهندى، ولكنها تهدف على مدى الطول إلى انتشار قواتها على نطاق عالمي. أما ثانى تلك النقاط فهى مضاعفة أقطاب إدارة ترامب الخطابات التى تقدم الصين باعتبارها التهديد الرئيسى للولايات المتحدة. ثم ثالثًا شرعت إدارة ترامب فى شن هجوم مضاد مدفوعاً بشعور بالإلحاح: إذا لم تتحرك واشنطن بسرعة وبقوة فسوف تتفوق عليها الصين، وسوف تعلو عليها عسكريًا وتقنيًا فى العالم. ورابعاً: تحدد الولاياتالمتحدة مسرح التنافس الموسع، وهو منطقة المحيطين الهندى والهادئ، وبات الجيش الأمريكى يطلق عليها اسم مسرح الأولوية. وخامسًا: تحدت إدارة ترامب الصين بشأن خطوطها الحمراء مثل حملة قمع ضد الاحتجاجات فى هونج كونج، التى أثارتها قوانين. ومع تزايد مبيعات الأسلحة إلى جمهورية الصين، وهو ما شجعها على تعزيز قدراتها فى الدفاع عن النفس، فإنه فى المقابل تقوم الولاياتالمتحدة ولأول مرة منذ عام« 1992»، بتسليم طائرات مقاتلة من طراز أف 16 إلى تايوان. حرب باردة جديدة فى صيف عام» 2019 ظهر مصطلح دبلوماسية الذئاب المحاربة للإشارة إلى الردود الفعّالة الصينية، والتى تم تقديمها على أنها دفاعية وتهدف إلى فضح التمييز الغربي. ثم فى 2020، كان العالم قد دخل بالفعل فى حرب باردة جديدة. ورغم ذلك، بدأ العام باتفاقية تجارية مؤقتة (15 يناير 2020)، التى تبدو وكأنها هدنة - أو أنها واحدة ضمن حسابات دونالد ترامب فى عام الانتخابات لدفع الأمريكيين للاعتقاد بأنه قد انتصر فى حربه التجارية، التى أعلن أنها سهلة الفوز، وهو ما يسمح له بتسجيل النقاط قبل الماراثون الانتخابى. وشهد العام نفسه أيضًا توسيع الفجوة بين البلدين. وأدت صدمة كورونا إلى اتهامات متبادلة (لعبة اللوم) بارتكاب أعمال عنف نادرة، وحملت كليهما إلى زوبعة من الخطابات القومية لقد أُصيب الأمريكيون بالارتباك بعد التأكيد على اعتمادهم على سلاسل التوريد الصينية. ومن إدراكهم لإدارتهم عندما أصبح نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية هو الأعلى فى العالم، ومن الصدى العابر للحدود الوطنية لحركة «حياة السود مهمة» التى أعقبت الاحتجاجات إثر وفاة الأمريكى جورج فلويد، خنقاً فى مايو 2020، على يد رجال الشرطة. وفى تقرير صدر عام 2020، قدرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن الصين انتقلت بالفعل لمكانة الصدارة فى بناء السفن والصواريخ الأرضية وبعض أنظمة الدفاع الجوى. وكانت الوزارة قلقة بخطة صينية للوصول إلى ألف رأس نووى. ويخشى الأمريكيون فى المقام الأول من أن يكون المنافس راغبا فى استغلال انطواء الولاياتالمتحدة وشللها لمهاجمة تايوان تحديدا. وبالفعل فإن انشغال العالم بفيروس «كورونا» سمح لبكين دون الكثير من الاحتجاجات بالانتهاء من تحديد مصير هونج كونج بعد الارتفاع المذهل فى عدد السكان وإهانة المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعى. أى نبوءة لتايوان؟ أنهى جو بايدن «الحرب التى استمرت 20 عامًا على الإرهاب»، ولا سيما خلال عملية الإجلاء الهام من أفغانستان فى صيف عام 2021. وتسارع بكين إلى تصوير الأمر على أنه هزيمة للولايات المتحدة التى تخلت عن حليف لها كما ستتخلى عن تايوان فى حال نشوب حرب. ويبدو أن الصين أصبحت اللاعب الرئيس فى تحقيق الاستقرار المحتمل للوضع الإقليمى، كما أصبح لها ثقل متزايد فى الشرق الأوسط، رغم التزامها الحذر تجاه القضايا السياسية. وتضع الشركات الصينية يدها على عدد من المعادن، فى أفغانستان، من الليثيوم إلى النحاس. ومن الصعب بالنسبة للولايات المتحدة أن تقترب من طالبان (حتى من دون الاعتراف الرسمي)، ولكن الخطر يكمن فى السماح للصين وروسيا بتطوير البنية التحتية للاتصال بين الشرق والغرب فى قلب أوراسيا، من الجنوب إلى المحيط الهندى والخليج، ولا سيما من خلال ضم أفغانستان إلى الممر الاقتصادى الصينى الباكستانى. تصعيد بوتيرة منخفضة يبدو أن احتمالية الحرب تتزايد، والسيناريوهات الخيالية والمحاكاة وألعاب الحرب تتضاعف. وفى بعض الأحيان يتم الإعلان عنها، وخاصة للتحذير من هزيمة شبه مؤكدة للمعسكر الأزرق ضد المعسكر الأحمر الصينى فى حال نشوب حرب من أجل تايوان. ففى 2018، دعا الكونجرس الأمريكى إلى إجراء تقييم انتهى إلى نفس الاستنتاجات، بسبب قدرات الصين المتقدمة بشكل متزايد ومحدودية الوسائل اللوجستية للولايات المتحدة. ومن المؤكد أن بعض الأصوات تحاول الطمأنة من خلال توضيح أن خطابات شى جين بينغ حول التوحيد هى أولاً وأخيراً للاستهلاك الإعلامى الداخلى، وأن الحل العسكرى ليس خيار بكين المفضل، وأن الفاصل الزمنى طويل حتى الموعد النهائى للذكرى المئوية لجمهورية الصين (2049). ومع ذلك، يحذر كبار الضباط والمتخصصين الأمنين فى مراكز الأبحاث من مواعيد نهائية أقصر بكثير، على سبيل المثال عام «2027»، وهو العام الذى سيتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبى. وتثير الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 انقسامًا بين المتخصصين، فبعضهم من يعتقد بتسريع الجدول الزمنى لضم تايوان يرى البعض الآخر أنها مجرد فرصة راحة للصين. غير أن مدير المخابرات الوطنية الأمريكية تحدث فى جلسة بالكونجرس عن أن التهديد الذى يخيم على تايوان سيكون «حادًا» بحلول عام 2030. وتشير لعبة حربية جديدة من مركز الأبحاث «القرن الأمريكى الجديد» صدرت فى عام «2022»، إلى أن الصينيين قد ينفذون عملية إنزال فى تايوان، ولكن لن يذهبوا إلى العاصمة تايبيه ولن يسيطروا على الجزيرة بشكل كامل. تنافس ساخن لم يفوت القادة الصينيون فرصة، منذ عام 1989، إلا وأفهموا قادة الولاياتالمتحدة بأنهم ما زالوا يمتلكون عقلية الحرب الباردة. ويشعر القادة الأمريكيون بأنهم مضطرون فى كل فرصة على الإصرار على أن الولاياتالمتحدة لا تسعى إلى شن حرب باردة جديدة ضد الصين، بل إنها تحاول تجنبها. وبسبب مشروع« 2049»، يصف الباحث الأمريكى المتخصص فى شؤون الصين والشؤون العسكرية، إيان إيستون، الصين الشيوعية بأنها تواصل بلا هوادة سعيها الأيديولوجى لتدمير المجتمعات الحرة والمفتوحة من أجل جعل نموذجها للقوة المركزية والشمولية ينتصر، والفوز بالصراع النهائى فى عام» 2049». ومنذ العقد الأول من القرن ال21، يبدو أن الجنوب العالمى يلعب مرة أخرى دورًا مركزيًا فى التنافس مع الولاياتالمتحدة. ويبدو الجنوب أكثر اهتمامًا بالنموذج الصينى. سباق التسلح منذ ما يقرب من عشر سنوات، بدت منطقة المحيطين الهندى والهادى وكأنها ملعب لسباق تسلح جديد، إلى جانب السباق الذى انطلق بين الولاياتالمتحدةوالصين. وفى عام «2021» تجاوز الإنفاق العسكرى العالمى 2 تريليون دولار، فى زيادة مضطردة منذ عام «2015» وتعد أربع من الدول الخمس الكبرى فى التسلسل الهرمى لاعبين رئيسيين فى منطقة المحيطين الهندى والهادى، وهم: الولاياتالمتحدة، والصين، والهند، وروسيا. ويتزايد الإنفاق الصينى بشكل متواصل ليصل إلى 230 مليار دولار (بعض المعاهد تعطى رقماً أكبر من 300 مليار)، مقارنة ب 800 مليار فى الولاياتالمتحدة. ومع ذلك، هناك من يذكر بانتظام بأن الأرقام الصينية ليست شفافة، ويتم التقليل منها بلا شك، وأن من حيث تعادل القوة الشرائية، فإن الإنفاق الصينى مماثل، لأن تكلفة الاحتفاظ بجندى صينى أقل من تكلفة الاحتفاظ بجندى أمريكى. وفى المقام الأول من الأهمية، يتلخص هدف بكين المعلن فى تحقيق التكافؤ مع القوات المسلحة الأمريكية فى 2030 والتفوق فى 2049 وأصبح الإنفاق الصينى الآن أعلى من إنفاق كل بلدان المنطقة مجتمعة، ويتزايد أسرع من الناتج القومى الإجمالى للبلاد. التحدى البحري والواقع أن سباق التسلح فى البحر هو الذى يجذب القدر الأعظم من الاهتمام، فالصين لديها الآن قطع بحرية أكثر من الولاياتالمتحدة. ووفقًا لتقرير البنتاجون المعنون بتقدير القوة العسكرية الصينية للعام 2020، فإن الصين تمتلك أكبر قوة بحرية فى العالم بواقع قوة قتالية إجمالية تبلغ نحو 350 قطعة وهدف بكين هو الوصول إلى 460 قطعة 2030، وتبلغ القوة القتالية الأميركية 297 سفينة، وهى لا تكاد تحقق أى زيادة، رغم الطلبات المتكررة من البحرية الأميركية، التى تطلب من 400 إلى 500 سفينة لمواجهة الصين. لكن واشنطن تحتفظ بميزة نوعية واضحة وهى امتلاكها 11 حاملة طائرات مقابل ثلاثة للصين. ولا تملك بكين رسميًا سوى قاعدة عسكرية واحدة فقط بالخارج، افتُتحت عام 2017 فى جيبوتى، لكنها تسير الوتيرة وتتوسع فى بحثها عن قواعد أخرى. وتستطيع الصين أيضًا أن تستعرض قوتها البحرية من دون الاعتماد على شبكة عسكرية علنية واسعة من القواعد العسكرية، لأنها أنشأت من خلال كيانات حكومية أو مرتبطة بالدولة، شبكة تتألف من أكثر من 90 ميناءً حول العالم، مما يسمح بالتزود بالوقود والتحديد المسبق لمواقع المواد. وستكون هذه المرافئ مفضلة لأن القواعد على النمط الأميركي قد تعطى انطباعًا أن الصين تتصرف وكأنها قوة إمبريالية. عوامل الحرب تنتقد الصين المحاولات الأمريكية لإضفاء الطابع الأمنى على العلاقات الاقتصادية، مما يجعل من الصعب بل ومن المستحيل، أن يكون هناك تعاون تكنولوجى، وسلاسل صناعية عالية القيمة أو اللعب الحر للاستثمارات. كما تنتقد بكين تحويل واشنطن للمنافع العامة الدولية، مثل الدولار وسويفت وشبكة الإنترنت على نحو متزايد، إلى أسلحة جيوسياسية مخصصة لمحاربة خصومها، وأخيرًا استخدامها كسلاح شامل، كما يتضح من الحرب القانونية التى شنتها ضد شركة هواوى. لكن الصين تأمل فى الحصول على نفس الأدوات، حيث تنتقد بكين العقوبات واستخدام التجارة لأغراض سياسية، لكنها تستخدم بشكل متزايد التهديدات الاقتصادية، خاصة ضد الدول التى تذكر مصطلح فيروس صيني فى حديثها عن كورونا أو ضد دول تعزز اتصالاتها وعلاقاتها مع تايوان مثل ليتوانيا وإسرائيل. ولم يمنع الردع المتبادل، سباقى التسلح والابتكارات التكنولوجية، لكن الرعب الآن هو رعب عدم التوازن. على سبيل المثال يقول البنتاجون فى تقرير له إنه بكين ستضاعف الرؤوس الحربية النووية الصينية بمقدار أربعة أضعاف بحلول 2030، إضافة لترسانة مكونة من 1500 سلاح نووى فى عام 2035. والآن أصبحت الولاياتالمتحدة فى وضعية تراجع: خسارة أفغانستان، والهيمنة الصينية الروسية المشتركة على آسيا الوسطى، وتصاعد المحور الأوراسى الصينى بشكل ملحوظ من خلال طرق الحرير الجديدة، وتراجع الهيمنة على جنوب شرق آسيا.