حدثان مهمان، يرتبط كل منهما بالآخر، أعادا تايوان إلى واجهة الأحداث الدولية فى بداية 2019، مع توقعات بأنها ستكون ورقة رئيسية فى الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين خلال العام الجديد، الحدث الأول كان توقيع الرئيس الأمريكى، فى 31 ديسمبر 2018، قانونا يدعو إلى تعزيز الاتصال الرسمى والتبادل العسكرى بين أمريكاوتايوان، بينما كان الحدث الثانى تحذيرات الرئيس الصينى حول هذه القضية، خلال كلمته بمناسبة الذكرى ال40 لإصدار المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى «رسالة إلى أبناء الوطن فى تايوان». فذكر تايوان والتزام واشنطن رسميا بتنمية العلاقات السياسية والعسكرية معها فى القانون الأمريكى الجديد المسمى «قانون مبادرة ضمان تأمين آسيا» هو الأول من نوعه منذ عام 1978، الذى قطعت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية علاقاتها مع تايوان وأغلقت سفارتها بها، بعد اعترافها بجمهورية الصين الشعبية، وإعلانها الالتزام بسياسة «صين واحدة»، كإحدى نتائج استئناف الحوار بين البلدين، بعد 6 سنوات من الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون فى فبراير عام 1972 إلى الصين والتقى خلالها الزعيم الصينى الراحل ماو تسى تونج ورئيس الوزراء الصينى شو ان لاى. تاريخ القضية للوصول إلى فهم أفضل لقضية تايوان، وأهميتها بالنسبة للصين، يجب استعراض التاريخ، حيث كانت تايوان الواقعة بالمحيط الهادى جنوب شرق آسيا وتتكون من جزيرة رئيسية مستطيلة وعدة جزر صغيرة تبلغ مساحتها الإجمالية 36 ألفا و962 كيلو مترا مربعا ويسكنها 23 مليون نسمة تتبع الصين، حيث لا يفصلها عن الأراضى الصينية سوى 140 كيلو مترا هى عرض مضيق تايوان، ومع نهاية الصراع بين الشيوعيين والقوميين فى الصين عام 1949، أو ما يُعرف بالحرب الأهلية، وانتصار الشيوعيين وإعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية، هرب القوميون فى حزب كومينتانج (الحزب القومى الصينى) إلى تايوان وأعلنوا انفصالها تحت اسم جمهورية الصين. وظلت تايوان تحتل مقعد الصين فى المنظمات والمؤسسات الدولية وفى مقدمتها الأممالمتحدة حتى مطلع سبعينيات القرن الماضى، بعدما تم التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة وحصلت بكين على المقعد الدائم بمجلس الأمن وحلت محل تايوان فى الغالبية العظمى من المنظمات الدولية، والتى توصف حاليا بأنها منطقة ولا تعترف باستقلالها إلا 22 دولة فقط حول العالم، حيث تعتبر الصينتايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها التى يجب أن يعاد توحيدها. وقد كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية، وتسحب اعترافها بتايوان، وكان ذلك فى بيان بعد اجتماع لمجلس الوزراء المصرى يوم 16 من مايو 1956، حيث تم الإعلان فى البيان نفسه عن سحب الاعتراف، وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوبكين فى 31 مايو من العام نفسه، بعد عام واحد من أول اجتماع بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ورئيس مجلس الدولة ووزير الخارجية الصينى شو ان لاى فى مدينة باندونج فى إندونيسيا على هامش مشاركتهما فى المؤتمر الآسيوى الإفريقى عام 1955، والذى كان نواة لتأسيس حركة عدم الانحياز. محطات مهمة مرت قضية تايوان وعلاقتها مع الصين بعدة محطات مهمة، فعقب الانفصال كان التوجس بين جانبى مضيق تايوان سيد الموقف، ومن هذه المحطات المهمة: 1- فى الأول من يناير عام 1979 أصدرت اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى (البرلمان الصينى) وثيقة أطلقت عليها: «رسالة إلى أبناء الوطن فى تايوان»، تضمنت سياسة جمهورية الصين الشعبية، ووصفتها الوثيقة ب«البر الرئيسى» تجاه تايوان لإعادة وحدة الأراضى الصينية سلميا، ودعت إلى إنهاء الانقسام وتشجيع الزيارات والنقل والخدمات البريدية والتبادل الاقتصادى عبر مضيق تايوان، وهى الوثيقة التى احتفلت الصين بالذكرى ال40 على إصدارها. 2- عام 1992 تم الاتفاق ضمنيا بين المسئولين الصينيين وحزب كومينتانج على وجود «صين واحدة»، وهو ما تطلق عليه الصين «توافق 1992» ويقوم على أساس دولة واحدة ونظامان، وهو ما تعتبره الصين النظام الأمثل للوحدة، لكنه يلقى معارضة من الحزب الحاكم حاليا فى تايوان والرئيسة الحالية تساى اينج وين. 3- شهد عام 2008 تطورا كبيرا، حيث وصل حزب كومينتانج بزعامة ما يينج جيو إلى الحكم فى تايوان، وتم اعتماد سياسة الحوار بين الجانبين، فتحسنت العلاقات التجارية والاستثمارات والسياحة. 4- بلغت العلاقات بين بكين وتايبيه نقطة الذروة فى السادس من نوفمبر 2015، حيث تم عقد لقاء قمة بين زعيمى الصينوتايوان فى سنغافورة، وسبقته مصافحة تاريخية كانت الأولى منذ انفصال تايوان عام 1949، وخلال القمة، التى تم الاتفاق قبلها على أن ينادى كل من «شى جين بينج» و«ما يينج جيو» الآخر بلقب «السيد»، لتجنب كلمة رئيس، حيث لا تعترف الصين بأن تايوان دولة مستقلة، وتحدث الزعيمان عن المستقبل بشكل جيد، حيث قال الرئيس الصينى: «إنه يوم مميز. نحن عائلة واحدة، ومهما يطل الانفصال لا تستطيع أى قوة أن تفصلنا لأننا أخوة تجمعنا صلة الدم. والعظام تنكسر لكنها لا تنفصل». بينما دعا ما يينج جيو إلى الاحترام المتبادل بين الجانبين، وقال: «حتى إذا كان هذا اللقاء الأول نشعر بأننا أصدقاء قدامى. وأمام أنظارنا الآن ثمار المصالحة بدلاً من المواجهة». 5- مع فوز الأكاديمية السابقة تساى إينج وين، زعيمة الحزب الديمقراطى التقدمى المعارض فى تايوان بالانتخابات الرئاسية فى يناير 2016، لتصبح أول امرأة تتولى حكم تايوان، تراجعت وتيرة الحوار مع بكين، حيث يعارض الحزب العودة للصين، ويعلن عدم اعترافه بمبدأ «صين واحدة»، الذى تتمسك به بكين. ترامب على الخط يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وجد فى تايوان ورقة ضغط يمكن أن يستخدمها فى مواجهة الصين، فالقانون الذى وقعه فى آخر يوم من عام 2018 لم يكن الإشارة الوحيدة إلى ذلك، فبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم 8 من نوفمبر 2016، وقبل أن يتسلم السلطة قام بأول خرق للسياسة الدبلوماسية، التى تتبناها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 1978 تجاه تايوان، حينما تحادث هاتفيا مع رئيسة تايوان تساى اينج وين، وهو ما احتجت عليه الصين رسميا وقتها، وطالبت الولاياتالمتحدة باحترام مبدأ «صين واحدة»، وكان رد ترامب من خلال تويتر فى تغريدة: «رئيسة تايوان اتصلت بى لتهنئتى على فوزى بالرئاسة. شكرا»، وفى تغريدة ثانية قال ترامب: «من المثير كيف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تبيع تايوان معدات عسكرية بمليارات الدولارات، وبالمقابل ينبغى على أنا ألا أقبل الرد على اتصال للتهنئة»!. وهو ما يؤكد أن ترامب كانت لديه نية واضحة لاستخدام تايوان كورقة ضغط فى العلاقات مع الصين، قبل عامين من توقيعه «قانون مبادرة ضمان تأمين آسيا»، الذى احتجت الصين رسميا عليه أيضا، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الصينية لو كانج فى الثانى من يناير الحالى: «هذا القانون ينتهك مبدأ صين واحدة والأحكام الواردة فى مبادئ البيانات الصينيةالأمريكية الثلاثة المشتركة على نحو خطير، ويتدخل بشكل صارخ فى الشئون الداخلية للصين». الصين ترد لقطع الطريق على محاولات ترامب استغلال ورقة تايوان لم تكتف الصين بالاحتجاج على القانون الأمريكى الجديد، حيث لم يترك الرئيس الصينى فرصة ذكرى مرور 40 عاما على صدور وثيقة «رسالة إلى أبناء الوطن فى تايوان» دون أن يحذر بلهجة شديدة خلال كلمته فى احتفال بتلك المناسبة، حيث أكد أن «قضية تايوان شأن داخلى للصين ولا تسمح بأى تدخل خارجى»، مشددا على أن «شئون الشعب الصينى ينبغى أن يقررها الشعب الصينى، وأن قضية تايوان تتعلق بالمصالح الجوهرية للصين والمشاعر الوطنية للشعب». وألمح الرئيس الصينى إلى أنه، رغم حرصه على عودة تايوان سلميا، فإنه لم يستبعد احتمال اللجوء إلى القوة، حيث قال شى إنه «يجب وستتم إعادة توحيد الصين»، وفى إشارته إلى أن «الصينى لا يقاتل الصينى»، أكد: «لا نقدم وعدا بالتخلى عن استخدام القوة، ونحتفظ بخيار اتخاذ كل الوسائل الضرورية»، لكنه أوضح أن هذا «لا يستهدف أبناء الوطن فى تايوان، بل تدخل قوى خارجية والشرذمة القليلة للغاية من انفصاليى استقلال تايوان ونشاطاتهم». وهو ما يعنى أن الصين مصرة على موقفها من مطالبة جميع الدول باحترام مبدأ «صين واحدة»، وعدم التدخل فى قضية تايوان، باعتبارها شأنا صينيا داخليا، فهل تحترم إدارة ترامب هذا التوجه، أم ستواصل استغلال ورقة تايوان للضغط على الصين؟، خصوصا بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، والتى يرى الخبراء أنه سيقابلها تركيز أمريكا فى منطقة جنوب شرق آسيا، وخصوصا فى بحر الصينالجنوبى.. هذا ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة؟.