عندما تعالت الأصوات على أعلى المستويات السياسية والدينية فى مصر، مطالبةً بإحياء الكتاتيب من جديد باعتبارها النواة الحقيقية الأولى للتعليم، قفز إلى ذهنى وجه رجل من نور... الشيخ سيد على مقداد، رحمه الله رحمة واسعة، الذى أعتبره بحق مؤسس دولة التعليم فى كفر العمار. ذلك الرجل الذى تخرّج على يديه أطباء ومهندسون ومدرسون ومحاسبون، وكل فئات المتعلمين، لم يكن مجرد شيخ كُتّاب، بل كان مؤسسة تعليمية متكاملة، تُعدّ التلميذ إعدادًا متينًا ليدخل المدرسة وهو يحمل أساسيات العلم والأدب معًا. فى سبعينيات القرن الماضى، كنتُ لا أتجاوز الثالثة من عمرى حين أخذنى أهلى، كما كان يفعل كل أهل القرية، إلى كتاب الشيخ سيد على. أول ما يبدأ به معنا هو حروف الهجاء، ثم ينتقل تدريجيًا إلى تركيب الكلمات والجمل، ثم مبادئ الحساب: جدول الضرب، المسائل البسيطة، فالمركبة، ثم المسائل الكلامية. كل ذلك بجهد ذاتى منه، دون مناهج رسمية أو شهادات أكاديمية فى التربية، لكنه سبق فى أسلوبه ما نال عليه خبراء التعليم درجات الماجستير والدكتوراه. الشيخ سيد على لم يبدأ فى السبعينيات، بل كان أثره ممتدًا منذ عقود. كان يعطينا أيضًا سور القرآن الكريم، خصوصًا السور القصيرة التى تعين الطفل على الصلاة.. لم يرزق الشيخ سيد على بأبناء من صلبه، لكن الله رزقه أبناء القرية جميعًا. مقارنةً بما يحدث اليوم، نجد أن تلاميذ الكُتّاب فى زمانه كانوا يدخلون الصف الأول الابتدائى وهم يحفظون جدول الضرب عن ظهر قلب، ويعرفون حروف الهجاء كتابةً وقراءةً، ويستطيعون تكوين الكلمات والجمل، ويكتبون أسماءهم كاملة، بينما اليوم يتخرج بعض تلاميذ الابتدائى أو الإعدادى وهم لا يجيدون ذلك. كان الشيخ سيد على «جامعة» و«مدرسة» و«مؤسسة تعليمية» قائمة بذاتها.