تغير المناخ لم يعد قضية بيئية فقط، بل تحول إلى عامل اقتصادى يرسم خريطة السياحة الدولية، ويحدد أولويات المسافرين، ويدفع الحكومات إلى سباق ابتكار يضمن بقاء صناعة تمثل أحد أعمدة الاقتصاد العالمى. تشهد صناعة السياحة العالمية تحولًا غير مسبوق بفعل تغير المناخ، إذ دفعت موجات الحر القياسية وحرائق الغابات والرطوبة الخانقة ملايين السائحين إلى إعادة التفكير فى وجهاتهم، ويرى الخبراء أن مصر قادرة على استغلال هذا التحول بعد تحسين البنية التحتية السياحية. اقرأ أيضًا | خبير: «أرقام الموسم السياحي مبشرة جدًا» إيهاب الجندى، عضو غرفة شركات السياحة بالإسكندرية والساحل الشمالى، أكد أن التحولات المناخية تفتح آفاقًا جديدة أمام المقاصد المصرية، خاصة تلك المُطلة على البحر المتوسط.. وأوضح أن مصر قادرة على استغلال هذا التحول عبر تحسين البنية التحتية السياحية فى هذه المناطق، وزيادة الطاقة الفندقية، وتطوير خدمات النقل والمطارات لتواكب الطلب المُتوقع خلال السنوات المقبلة، وأن السائح الأجنبى يبحث اليوم عن وجهة توفر له مناخًا معتدلًا خلال الصيف، وهو ما يجعل الساحل الشمالى والإسكندرية من أبرز الرابحين فى ظل ارتفاع الحرارة فى جنوب أوروبا، نظراً لامتلاك مقومات طبيعية وشواطئ تضاهى أجمل المقاصد العالمية، لكن الساحل الشمالى يحتاج إلى تسويق احترافى ليكون بديلاً لوجهة السائح التقليدية المتمثلة فى إسبانيا وإيطاليا. وأشار عضو غرفة شركات السياحة إلي أن تعزيز الاستثمار فى السياحة الساحلية وتبنى خطط صديقة للبيئة سيضع مصر فى موقع تنافسى متميز، خصوصًا أن الشواطئ المصرية لا تزال تحافظ على نقائها مقارنة بعدد من الوجهات العالمية المزدحمة. د. عاطف عبداللطيف، عضو جمعيات مستثمرى السياحة، أكد أن مصر يمكنها الاستفادة من هذا التحول بتسويق مقاصدها الساحلية فى فترات الربيع والشتاء كبديل للمقاصد الأوروبية التى تعانى من حرارة مرتفعة صيفًا، مما يفتح المجال أمام تعظيم التدفقات السياحية وتحقيق مردود اقتصادى مستدام. وقال: إن التغيرات المناخية باتت لاعبًا رئيسيًا فى إعادة تشكيل خريطة السياحة العالمية، وأن الوجهات التى اعتادت الاعتماد على الطقس المعتدل صيفًا تواجه اليوم ضغوطًا غير مسبوقة بسبب موجات الحر والحرائق. وأوضح د. محمد فاروق، عضو الاتحاد المصرى للغرف السياحية، أن تغير المناخ لم يُعد مجرد قضية بيئية، بل تحول إلى عنصر اقتصادى يمس صناعة السياحة بشكل مباشر. وقال: إن التقارير الأخيرة عن انخفاض الإقبال على مدن جنوب أوروبا وزيادته فى الشمال تعكس أن السائح أصبح أكثر وعيًا وتدقيقًا فى اختيار وجهته، خصوصًا مع انتشار المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعى.. وشدد على أن الحل لا يكمن فقط فى الترويج، بل فى تطوير منتجات سياحية متكاملة مثل «الجزيرة الباردة» فى باريس أو «الرصيف البارد» فى فينيكس، وهى نماذج لابتكارات يمكن محاكاتها. من ناحية أخرى كشفت بيانات وكالة «فيرتوسو» المتخصصة عن أن نصف مستشارى السفر الفاخر أكدوا تغير خطط عملائهم بالفعل، بينما أغلقت سلطات أوروبية هذا الصيف مواقع شهيرة مثل: الأكروبوليس فى أثينا وبرج إيفل فى باريس، وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تفقد مناطق الجنوب نحو 10٪ من زوارها، فى حين يزداد الإقبال على الشمال بأكثر من 5٪. وتتكرر هذه الظاهرة عالميًا بشكل ملحوظ، حيث تراجع الإقبال على طوكيو ديزنى بفعل الحرارة، بينما ازدهرت السياحة فى أيسلندا والنرويج وحتى القارة القطبية الجنوبية. وفى الصين، تحولت مدينة هاربين إلى وجهة صيفية معتدلة مع نسخة مُبتكرة من مهرجان الجليد والثلوج، بينما تستخدم سابورو اليابانية تقنيات لتخزين الثلوج من الشتاء واستخدامها صيفًا.