د. طارق فهمى تسعى إسرائيل لإفراغ مدينة غزة من السكان على غرار ما فعلت بشمال القطاع، فى خطوة أمنية تهدف للسيطرة على تلك المناطق سيطرة كاملة لفترة طويلة مع موافقة وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس على خطة هجوم الجيش الإسرائيلى فى مدينة غزة، وأنه صدق على خطة الاحتلال بالكامل والتى أطلق عليها اسم «عربات جدعون الثانية»، تكون غزة على موعد جديد للحرب ربما يكون مؤجلا لبعض الوقت لاعتبارات لوجستية فى القطاع المنكوب. يكشف الإعلان الإسرائيلى عن خطة احتلال مدينة غزة عن قيام إسرائيل بتكثيف طلبات استدعاء عاجلة لما يقارب 60 ألف أمر احتياطى (لن تتم قبل الأسبوع الأول من شهر سبتمبر المقبل لافتتاح موسم المدارس والجامعات) وبدء الاستعدادات العسكرية، بالإضافة إلى خطوات تتعلق بالجهود الإنسانية، ومن المتوقع إرسال عشرات الآلاف من أوامر الطوارئ الثامنة إلى جنود الاحتياط خلال الأيام المقبلة. (قد تبدأ العملية فى 7 أكتوبر 2025، وستسبقها تحذيرات للسكان بإخلاء مناطقهم والنزوح إلى المواصى بجنوب قطاع غزة، وهو أمر سيحتاج لنحو 45 يوماً تقريباً حتى يتم تنفيذه) وتم صدور الموافقة على تعبئة واسعة النطاق لقوات الاحتياط، وستشمل 60 ألف أمر استدعاء، بالإضافة إلى تمديد خدمة حوالى 20 ألف جندى احتياطى قيد التعبئة بالفعل، ليبلغ إجمالى القوة البشرية حوالى 80 ألف جندي. كما قرر رئيس الأركان الإسرائيلى ايال زامير تمديد خدمة جنود الاحتياط الذين أمضوا 70 يوما، ومن المقرر إنشاء مستشفيين ميدانيين إضافيين، إلى جانب توسيع شبكة مراكز توزيع المعدات الإنسانية، حيث تعمل حاليا 4 مراكز، ويعتزم الجيش الإسرائيلى مضاعفة عددها إلى 8 وحدات مكملة. وتهدف الخطة طويلة المدى إلى الوصول إلى 16 مركزا، ولكن لا يوجد تمويل كافٍ لذلك فى هذه المرحلة ويأمل الجيش الإسرائيلى فى الحصول على مساعدة أمريكية لإكمال هذه العملية، وتشمل المرحلة الأولى من العملية محاولة إجلاء السكان إلى منطقة المواصى جنوب قطاع غزة، ويقدر الجيش الإسرائيلى أن السكان لن يستجيبوا جميعا لنداء الإجلاء مع بدء العملية، سيتم فتح ممر مخصص لنقل السكان عبره. وتهدف هذه الخطوة، من وجهة نظر المستوى العسكرى بالدرجة الأولى، إلى الدفع نحو صفقة تبادل أسرى، وفى حال عدم التوصل إلى اتفاق سيتم توسيع العملية إلى عملية أوسع نطاقا، وفقا لتعليمات القيادة السياسية. فى الوقت الراهن - وكمقدمة لما هو قادم - يعمل الجيش الإسرائيلى بالفعل داخل مدينة غزة، بما فى ذلك أحياء الزيتون والصبرة والفرقان وقد بدأت عمليات إخلاء السكان وستشارك فى العملية من 4 إلى 6 فرق عسكرية كاملة، ستركز على حصار واحتلال هذه المساحة الصغيرة. من الواضح أن فجوة خلافات ومشكلات داخل إسرائيل حول تنفيذ الخطة وعواقبها تزداد اتساعاً، سواء على المستوى السياسي، أو المستوى العسكرى الذى يرفضها بالأساس، حيث يفضل صفقة لإعادة المحتجزين على الدخول فى مواجهة تؤدى لمزيد من الخسائر وما زالت الخطة فى طور الإعداد، وتهدف الخطة فى مجملها بشكل أولى لحصار محافظتى غزة والشمال كما فعلت إسرائيل بعد سيطرتها على محور نتساريم فى نهاية أكتوبر 2023 قبل أن تنسحب من جزئه الغربى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار فى يناير الماضي. فعليا لا يوجد سكان فى محافظة شمال قطاع غزة بسبب العمليات المستمرة هناك، حيث لا تزال القوات الإسرائيلية تسيطر على تلك المنطقة، فيما أصبح سكانها نازحين فى مدينة غزة، تحديداً غربها. كما يوجد فى غرب المدينة عشرات الآلاف من النازحين من أحيائها الشرقية، ما يعنى أن وسط مدينة غزة وغربها بجزءيه الشمالى والجنوبي، سيكونان بشكل أساسى تحت الحصار، رغم أن فيهما ما بين 900 ألف ومليون فلسطيني. وميدانياً، لا تزال التحركات الإسرائيلية على ما هى عليه، مع وجود قوات برية فى أجزاء من الأحياء الشرقية لمدينة غزة، وكذلك فى جنوبها. تستهدف إسرائيل فرض حصار كامل حال بدء تطبيق الخطة، وذلك بالسيطرة على الجزء الغربى من محور نتساريم أو جزء منه، بهدف منع خروج أو دخول أى فلسطينيين إلى شمال المحور، أو الإبقاء على شارع الرشيد منه مفتوحاً لإتاحة الفرصة للنزوح، ثم إغلاقه فى فترة معينة لحصار وتطويق عناصر حماس، لفرض الحصار وبدء تنفيذ عمليات اقتحام واسعة لمدينة غزة، ويمكن للقوات الإسرائيلية أن تنجز المهمة فى عدة أشهر، ومن الواضح أن إسرائيل تريد تدمير المنازل والبنية التحتية بشكل أوسع فى مدينة غزة، خصوصاً عمقها وغربها ومن المتوقع أن تبدأ العملية بخطوات متزامنة، تتمثل فى فرض حصار وبدء اقتحام من عدة محاور؛ منها جنوبالمدينة وشرقها، ومن شمالها الغربى، كذلك من المتوقع تمركز القوات الإسرائيلية فى أحياء الكرامة والمخابرات والبلدة القديمة وتل الهوى والصبرة والزيتون والشجاعية والتفاح، وصولاً إلى عمق الدرج. ومن المرجح كذلك التدرج فى العملية وصولاً إلى عمق الأحياء المهمة؛ مثل الرمال والشيخ رضوان والنصر ومخيم الشاطئ والميناء وغيرها، والتى يتكدس فيها السكان حالياً. وفى المجمل ستسعى إسرائيل لإفراغ مدينة غزة من السكان على غرار ما فعلت بشمال القطاع، فى خطوة أمنية تهدف للسيطرة على تلك المناطق سيطرة كاملة لفترة طويلة، ومنع وجود أى سكان فيها، ومحاصرة الأهالى فى وسط وجنوب القطاع. ولا يرتبط نهج إسرائيل فى غزة فقط بصدمة أحداث 7 أكتوبر بل يشمل اعتبارات سياسية وأيديولوجية تسعى الحكومة من خلالها لإقناع الرأى العام بعدالة خطواتها، رغم التكاليف الباهظة وعدم وضوح النتائج المثالية، بما فى ذلك القضاء على حماس وإطلاق سراح الرهائن فى الوقت نفسه. ختاما، فإن الاحتلال الجزئى أو الكامل لغزة سيكون عملية معقدة وسط حرب استنزاف قد تؤدى إلى تصعيد التوترات الإقليمية، لاسيما مع التهديد الإيرانى المحتمل، مع استمرار تأثيرها المباشر على حياة المدنيين فى القطاع.