حكايات| «شبرا بلولة».. قرية تصنع نصف عطور العالم

«شبرا بلولة» قرية في قلب دلتا مصر تستيقظ يوميًا على رائحة الياسمين ولا تنام إلا بعد أن تعطِّر رائحة العالم، وهذه القرية التي تقع في حضن محافظة الغربية تنتج نحو 60% إلى 70% من الياسمين الموجود في العالم الذي يدخل فى صناعة أرقى أنوع العطور، لذا فإن الفلاحين هناك يرددون بفخر دائمًا أن قريتهم تشارك في صناعة نصف عطور العالم الشهيرة.
◄ الزراعة: توريد الياسمين لمصانع شبرا بلولة ب105 جنيهات للكيلو
◄ جامعو الياسمين الخاسرون الأكبر في صناعة أغلى أنواع العطور
حين تطأ قدمك أرض «شبرا بلولة» تشعر أن الطبيعة نفسها تبتسم لك، الأشجار هنا ليست كبقية الأشجار بل هى حقول شاسعة من الياسمين تمتد كالبساط الأبيض حتى الأفق تتمايل مع نسيم الصباح كأنها ترحب بك وتدعوك لجولة لا تنسى، الهواء محمل بعبق الزهور والهدوء لا يقطعه سوى همسات المزارعين الذين ينتقلون بين الأغصان بأيد خبيرة يقطفون الياسمين برقة كأنهم يقطفون النور.
◄ جهد شاق
«قرية شبرا بلولة ليست مجرد بقعة زراعية بل هى قلب عالمي لصناعة أجود أنواع الياسمين»، هكذا بدأ مزارع يُدعى أحمد زكى حديثه مضيفًا: «تعتبر القرية المورد الرئيسى لكل عطر فاخر فى العالم ورغم هذا الدور الحيوى فإن مئات الأسر تعمل بجهد شاق مقابل أرباح هزيلة بينما يستفيد أصحاب مصانع التصدير من العائدات الضخمة».
يتابع زكي: «رغم ضخامة إنتاج القرية الذى يصل ل2.5 طن من الزهور سنويًا أى ما يمثل نحو 60% من الإنتاج العالمى للياسمين، فإن غالبية المكاسب تذهب للتجار وأصحاب المصانع، بينما يُجبر المزارع على بيع محصوله بأسعار زهيدة وغالبًا ما يقرضه الوسطاء ويبيع لهم بسعر التراب».
ويتفق معه مزارع آخر بالقرية يدعى عبدالقادر حسن: تكلفة زراعة وجمع الياسمين تتجاوز 130 جنيهًا للكيلو، ورغم تدخل وزارة الزراعة لأول مرة ومحاولاتها رفع سعر التوريد ل105 جنيهات للكيلو بدلاً من سعر العام الماضى الذى كان 95 جنيهًا، فإن بعض المزارعين يرون أن السعر الجديد لا يتناسب مع تكلفة الإنتاج.
◄ اقرأ أيضًا | روائح الصيف.. عطور مستوحاة من أجمل وجهات العطلات
◄ توريد الياسمين
فيما يشيد أحمد الصالحى بالدور الذى قامت به وزارة الزراعة هذا العام: «لأول مرة تقوم وزارة الزراعة هذا العام بالتدخل لرفع سعر توريد الياسمين للمصانع إلى 105 جنيهات للكيلو فى محاولة منها للعب دور الوسيط بين المزارع والمصنع وهى خطوة جيدة لتشجيعنا كمزارعين»، لافتًا إلى أن قرى شبرا بلولة والشين ونجريج تعد من أكثر القرى على مستوى الجمهورية فى زراعة الياسمين بهدف تصديره واستخراج العطور منه.
وفى أحد حقول الياسمين التقينا عزة محمود التى قالت إنها تعمل فى زراعة الياسمين منذ 40 عامًا وفى موسم الحصاد الحالى تحرص على التواجد فى الحقل فى الصباح الباكر، حيث يجب جمع زهور الياسمين قبل شروق الشمس، لكنها تشكو من ارتفاع تكلفة الزراعة، فسعر شيكارة الكيماوى 300 جنيه بخلاف الرش والسقية وإيجار الأرض.
◄ اقرأ أيضًا | قواعد استخدام العطور للرجال العصريين
◄ دخل ضعيف
أما سلوى محمد فتقول: «نزلت الغيط وأنا عندى عشر سنين وكنت نازلة مع أبويا وأمى وإخواتي، أول أجر أخذته من الياسمين كان الكيلو ب30 جنيهًا، لافتة إلى أن «الياسمين دخله ضعيف مش بيكفى وإحنا بنطلع للحصاد من الساعة 11 بالليل ونفضل فى الغيطان نحصد لحد تانى يوم الظهر».
وتلتقط منها طرف الحديث سامية سيد (55 عامًا): «إحنا بنبات فى الغيط عشان نقدر نجمع الياسمين الساعة 3 بالليل وقبل شروق الشمس، والرئيس السيسى بيقول إن الكل لازم يجتهد والكل يشتغل، وعشان كدا كلنا هنا بنشتغل ونعمل اللى علينا».
فيما تقول رقية فتحى (30 عاما): «أبدأ يومى وقت حصاد الياسمين من الساعة الثامنة مساء وحتى شروق شمس اليوم التالي، وكل واحد مننا بيجمع كيلو أو كيلو وربع تقريبًا، وسعر جمع الكيلو 30 جنيها يعنى مكسبى من التعب كله مايعديش 45 جنيها، ونطالب وزارة الزراعة بالتدخل لرفع أجرة جامعى الياسمين».
◄ تصدير وفرص عمل
وتضيف رقية: «جمع الياسمين شغلانة صعبة وعاوزين نرفع أجرة الجمع، لأن 30 جنيها ماتنفعش».
وتشير أسماء محمد (54 عامًا) إلى أن العمل فى جمع الياسمين عشق لا يعرفه إلا من يقوم بهذا العمل، ورغم الشقاء فى جمع هذه الزهرة الصغيرة الرقيقة فهى ترتبط بمتعة كبيرة، لافتة إلى أن الياسمين له أضرار صحية حيث يصاب بعض العاملين فى هذا المجال بحساسية على الصدر.
من جانبه، أكد الدكتور علاء فاروق وزير الزراعة، أهمية زراعة الياسمين لتوفير الدخل الثابت للعديد من الأسر والمزارعين، خاصة أن الياسمين يسهم بنسبة كبيرة من دخل الأسرة والمزارعين، ويسهم الياسمين بنسبة كبيرة فى دخل الأسرة فى بعض المناطق، حيث يعتبر الياسمين من أغلى وأهم الزيوت العطرية فى العالم ومنتجات الياسمين تعزز من الصادرات وتوفر العمله الصعبة، خاصة أن مصر من أكبر مصدرى الياسمين عالميًا وتوفر زراعته فرص عمل كثيرة للشباب بداية من القطف وصولًا إلى مراحل الإنتاج، وتم الاتفاق مع المزارعين على سعر لتوريد الياسمين 105 جنيهات جنيه للكيلو بدلا من السعر السابق كيلو زهرة الياسمين والمقدره 90 إلى 95 جنيهًا.
وشدّد وزير الزراعة على أهمية هذه الزراعة لما لها من مردود اقتصادى واجتماعى كبير خصوصاً فى القرى التى تعتمد عليها كمصدر دخل رئيسي، بالإضافة إلى مساهمتها فى زيادة الصادرات، وسوف تقوم الوزارة كل عام بتشكيل لجنة تكون مهمتها تحديد سعر الياسمين كل موسم وحل أى مشكلات قد تطرأ وذلك تجنبًا لتكرار المشكلات فى كل موسم.