أخطر ما يمكن أن يواجهه أي فنان في مسيرته الفنية ليس الفشل أو الصراعات الفنية، وإنما الصدام مع الجمهور، الذي يمكن أن يقضي على هذا الفنان؛ لأنه ليس هناك فن أو فنان بدون جمهور. وأجيال الفنانين الكبار لم تكن فقط تحرص على عدم الصدام مع الجمهور لأي سبب، ومهما تعرضت لهجوم أو انتقادات، بل كانت تحترم الجمهور وتقدّره لأقصى درجة، وتدرك جيدًا أن هذا الجمهور هو من صنع نجوميتهم. سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وهي في قمة مجدها الذي لم تصل إليه أي فنانة أخرى، كانت تحرص في أي حفل غنائي لها على أن تختلي بنفسها لفترة حتى تستجمع تركيزها، وتقرأ القرآن قبل أن تواجه الجمهور. والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ كان يحرص قبل أي حفل غنائي يقدمه على متابعة كل تحضيرات الحفل وقراءة القرآن والدعاء لله أن يوفقه في مواجهة الجمهور، وألا تصيبه أي أزمة صحية مفاجئة تفسد على الجمهور الحفل الذي جاء من أجله. وعندما واجه أزمة في إحدى حفلاته بسبب بعض الأفراد من الجماهير الذين كانوا يصيحون ويطلقون الصفارات وهو يغني (قارئة الفنجان)، مما أدى إلى انفعاله قائلًا لهم: «بس بقى»، اعتبرت الصحافة وقتها أن هذا انتقاد وصدام من عبد الحليم مع الجمهور، وتعرض بسببه لهجوم شرس جعله يظهر في أحد البرامج ليبرر موقفه ويعتذر. والأستاذ فؤاد المهندس، ورغم كل نجاحاته الضخمة على خشبة المسرح، ظل حتى آخر عمل مسرحي قدمه حريصًا على أن يذهب إلى المسرح مبكرًا حتى يستعد نفسيًا لمواجهة الجمهور، وكان يجتمع مع كل الفنانين المشاركين معه في المسرحية التي يقدمها، ويعطيهم نصائح عن كيفية مواجهة الجمهور في ليلة العرض الجديدة للعمل المسرحي، وأهمية احترامهم وتقديرهم لهذا الجمهور الذي حضر لمشاهدتهم. والزعيم عادل إمام كان يحرص حتى آخر عمل مسرحي قدمه على أن يذهب قبل موعد افتتاح المسرحية التي يقدمها بأكثر من ثلاث ساعات لمتابعة كل الكواليس، والاطمئنان على أن كل شيء جاهز، وأن كل الفنانين المشاركين معه في المسرحية مستعدون لمواجهة الجمهور. ورغم انتقاد بعض الجماهير لبعض الأفلام التي قدمها عادل إمام خلال مشواره الفني، إلا أنه لم يعلّق يومًا على هذا الأمر، ولم يصطدم أبدًا مع الجمهور. وكل هذه الوقائع وغيرها تشير إلى مدى احترام وتقدير كل أجيال الفنانين الكبار للجمهور. وهناك العديد من الفنانين الموجودين الآن على الساحة الفنية، خاصة الذين تعاملوا مع بعض الفنانين الكبار في بعض الأعمال الفنية، تعلموا جيدًا مدى أهمية احترام وتقدير الجمهور في كل شيء. ولكن هناك – مع الأسف – فنانين لم يتعلموا ذلك، ولا يدركون جيدًا أن الجمهور هو الذي صنع نجوميتهم، وهو من أوصلهم إلى ما وصلوا إليه. وهناك وقائع عديدة تشير لذلك، آخرها الفنانة التي أعلنت دون خجل أن الفنانين هم «أسياد البلد»، وهو تصريح صادم، ولكنه في نفس الوقت يعكس عقلية وتفكير البعض من المتواجدين على الساحة الفنية بسبب النجومية التي يحظون بها، والامتيازات التي تُمنح لهم ولا تتاح لغيرهم بسبب هذه النجومية. ولكن يجب أن يدركوا هم وغيرهم من الفنانين أنه بدون الجمهور ستُنتزع منهم النجومية، وكل الامتيازات، وكل شيء.