واصلت القاهرة صدارتها بقلب المشهد الفلسطيني، مُستضيفةً على مدى الأيام الماضية اجتماعاتٍ مُكثفة لقيادات الفصائل الفلسطينية، بالتوازي مع وصول وفد رفيع من حركة «حماس» برئاسة خليل الحية لاستئناف مُباحثات وقف إطلاق النار والإفراج المُتبادل، وإطلاق مسارٍ سياسى يفضى إلى حلٍّ شامل. البيان الختامي لاجتماع القوى في القاهرة ثمّن صراحةً دور مصر ومحوريتها، ودعا إلى حوار وطني شامل لصياغة «استراتيجية وطنية وبرنامج عملي» في مواجهة مُخططات تصفية القضية ومحاولات فرض التهجير. ◄ الفصائل على طريق الوحدة.. والقاهرة تُحيي أمل الدولة الفلسطينية وسط ركام الحرب ◄ خبراء: الانقسام القائم يخدم إسرائيل ويضعف قوة القضية ◄ من هدنةٍ شاملة إلى برنامج وطني موحّد. . الوساطة المصرية تفرض مُعادلة جديدة ◄ سياسيون: القاهرة قادرة على هندسة الانتقال من «إدارة الأزمة» إلى «إدارة الحل» ■ جانب من مشاركة قوى وفصائل فلسطينية في اجتماع القاهرة وجود وفد «حماس» بالقاهرة فتح نافذة لإحياء جهود الوساطة «المصرية - القطرية» في صيغة صفقة شاملة تتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وانسحابًا عسكريًا، وإفراجًا مُتبادلًا عن الأسرى والرهائن، ورغم تشدد الحكومة الإسرائيلية نحو «صفقة واحدة.. دفعةً واحدة»، تبقى القاهرة منصّة الإسناد الأساسية للمسار، إلى جانب الدوحة، وقد أشادت القوى الفلسطينية المشاركة في اجتماع القاهرة بجهود مصر وقطر، ودعت إلى وحدة وطنية حقيقية، وإلى عقد حوار جامع في مصر لوضع خطة مواجهة في الضفة وغزة، وهو ما يعيد الاعتبار لفكرة «البيت الفلسطيني» تحت مظلة توافق وطني. وأعلنت فصائل فلسطينية من بينها «حماس»، و«الجهاد»، و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» فى بيانها الختامي المشترك، أن الأولوية القصوى فى هذه المرحلة هى الوقف الفورى والشامل للعدوان، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية فوراً بشكلٍ آمن ودون عوائق، وشددت الفصائل على ضرورة التجاوب الكامل مع مبادرات ومقترحات الحل بما يحقق متطلباتنا الوطنية، بإنهاء العدوان وانسحاب قوات الاحتلال ورفع الحصار الظالم، محملين المواقف الإسرائيلية تعطيل الجهود والانسحاب غير المُبرر من مفاوضات الدوحة، بعد أن كادت تصل لاتفاق جاد، وأكدوا رفض المخططات الإسرائيلية تجاه إعادة احتلال قطاع غزة، مشددين على أن مواجهة المخططات الصهيونية فى الضفة وغزة تتطلب بناء وحدة وطنية حقيقية وجدية، ودعت الفصائل، وفق البيان المشترك، مصر إلى رعاية واحتضان عقد اجتماع وطنى طارئ لكافة القوى والفصائل الفلسطينية. ◄ وزن مُضاعف الضغوط الإنسانية والسياسية تتصاعد مع استمرار العمليات العسكرية فى غزة وتدهور الأوضاع إلى حدّ المجاعة، وهو ما يمنح القاهرة - بحسب الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - وزنًا تفاوضيًا مُضاعفًا بحكم الجغرافيا وشبكة الاتصالات المفتوحة مع كل الأطراف، وقد كرّست بيانات عربية ودولية سابقة - من قمة «القاهرة الاستثنائية» إلى اجتماعات سداسية عربية - دعم المسار المؤدى إلى حل الدولتين، وهى الزاوية التى تعمل منها الدبلوماسية المصرية لإعادة ربط مسار التهدئة بالمسار السياسى، مُضيفًا أن اجتماعات 2025 ليست استثناءً؛ فالقاهرة ظلّت لعقدين وسيطًا رئيسيًا فى تفاهمات المُصالحة الفلسطينية، من «اتفاق القاهرة» فى مايو 2011، الذى وضع جدولًا للانتخابات وتوحيد المؤسسات، إلى «تفاهمات 2017» التى جدّدت التزامات نقل السلطات المدنية فى غزة إلى حكومة الوفاق، ورغم التعثرات المُتكررة، كرّست هذه الجولات مصر وسيطًا لا غنى عنه يمتلك خبرة تفصيلية بملفات الأمن والحدود والحكم. وقال يوسف، إن المُقاربة المصرية تتضمن تثبيت وقف إطلاق النار، وفتح مسارات الإغاثة وإعادة الإعمار، وربط ذلك بعملية سياسية قابلة للحياة تنتهى إلى دولة فلسطينية مُستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وهذا الإطار تُعيد القاهرة تأكيده فى بياناتها وتحركاتها، كما ينعكس فى إشادات رسمية فلسطينية مستمرة بدورها المحورى فى الإغاثة والتهيئة للإعمار، منوهًا إلى أن البيان الصادر من القاهرة شدّد على توحيد الصف وبناء استراتيجية وطنية عملية، وهو تلخيصٌ واضح لدرس السنوات الماضية «لا هدنة قابلة للصمود ولا مسار سياسيا منتجا دون مرجعية وطنية موحّدة ومؤسساتٍ فاعلة»، وعن موقف «حماس» قال إن الحركة أعلنت استعدادها لاستئناف التفاوض على صفقة شاملة وحيّت جهود مصر، لكنها ترفض نزع السلاح قبل الانسحاب ووقف العدوان، فيما تركز إسرائيل على إطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة، وهذه الفجوة التفاوضية هى ساحة الوساطة المصرية. المُحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب يُشير إلى أن اجتماعات الفصائل فى القاهرة خطوة مُهمة فى سبيل ترتيبات داخلية للتوافق على حل فلسطينى ينهى كل عراقيل إسرائيل لإنهاء الحرب، مؤكدًا أن هناك خطوطًا حمراء لدى الفلسطينيين، ولكن سيتجاوبون مع دور القاهرة الكبير من أجل الوصول لحلول فى إطار المعقول، متوقعًا أن تستمر جهود القاهرة نحو استئناف المفاوضات، والذهاب لاتفاق أو مواجهة احتمال التعثر، واحتلال إسرائيل ال25% المُتبقية فى قطاع غزة، وتقديم لجنة إدارة قطاع غزة بديلًا مُحتملًا، موضحًا أن القاهرة، بخبرتها الطويلة وامتلاكها مفاتيح الحدود والدعم العربى، قادرة على «هندسة انتقال» من إدارة الأزمة إلى إدارة الحل؛ لكن ذلك يتطلّب سقفًا عربيًا موحّدًا يضمن عدم انهيار الترتيبات الأولى تحت ضغط الميدان، وهذا الاستنتاج يستند إلى سوابق قادتها مصر فى 2011 و2017، وما تبعها من تعثّرٍ بسبب غياب آليات إلزام التنفيذ. ■ اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في مصر 2023 ◄ اقرأ أيضًا | لا تهجير.. لا تصفية.. لا مساس بسيناء| مصر تنتفض ضد أوهام «إسرائيل الكبرى» ◄ جهود سابقة وأشار الرقب إلى أن مصر سبق أن استضافت بمدينة العلمين فى يوليو 2023 اجتماعًا لقادة الفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطينى محمود عباس بمشاركة 11 فصيلًا بينهم «حماس»، لافتًا إلى أن الدمج بين المسارين الإنسانى والسياسى بات ضرورةً دوليةً بعد فشل المُقاربات الجزئية، وأن نافذة «صفقة شاملة» - مهما بدت صعبة - قد تكون أقل كلفةً من استمرار حرب الاستنزاف، وهو ما يُقرأ من تشدد تل أبيب نحو صفقة واحدة، ومساعى القاهرةوالدوحة لإبقاء الباب مفتوحًا. ◄ رفض الاستيطان من جانبه، أشاد الدكتور حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية ببيان القوى والفصائل الفلسطينية، الذى ثمن الدور المصرى المُستمر والمتواصل، والذى لم ولن يتغير مع ثباته على مدار الأشهر الماضية الداعم والمؤيد للقضية الفلسطينية والرافض للعدوان على غزة وتهجير الفلسطينيين، مُشيرًا إلى أن الدور المصرى داعم لفكرة إعادة إعمار قطاع غزة وفق خطة مصرية عربية إسلامية تقوم على تثبيت وجود الفلسطينيين على أرضهم الرافض لمشروعات التمدد الاستيطانى الإسرائيلى، والداعم لإنفاذ المُساعدات وحقن الدماء وتقديم كل المُقترحات المُرتبطة بالهُدنات، لافتًا إلى أن الدولة المصرية تعمل على أن تظل القضية الفلسطينية ماثلة فى الأذهان وتبحث دائمًا عن الحل، مؤكدًا أن مصر تُقدم الكثير من الحلول والمُقترحات على مدار الأشهر الماضية، لكن التعنت الإسرائيلى هو الذى يُعرقل كل هذه الأمور. ◄ إشارات إيجابية اللواء أركان حرب وائل ربيع مُستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بالأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية يُشير إلى أن بيان القوى الفلسطينية عقب اجتماعها فى القاهرة حمل إشارات إيجابية عدّة، أبرزها الإشادة بالجهود المصرية والقطرية فى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ما يُعد اعترافًا عمليًا بالدور الإنسانى والدبلوماسى الذى تقوم به مصر فى ظل الظروف الصعبة التى يشهدها القطاع، مُضيفًا أن البيان تضمّن كذلك تأكيدًا على أهمية وقف إطلاق النار، واستمرار دعم صمود الشعب الفلسطينى، مُشيرًا إلى أن التوغل الإسرائيلى فى الضفة الغربية، بات لا يقل خطورة عمّا يجرى فى قطاع غزة، مما يُحتم على الفصائل الفلسطينية توحيد موقفها السياسى والميدانى، لافتًا إلى أن إشادة الفصائل بالجهود المصرية تُمثل تراجعًا عن مواقف سابقة اتخذت ضد مصر، ما يعكس نضوجًا سياسيًا مُتقدمًا. وشدد ربيع، على أن أهم ما ورد فى البيان هو دعوة الفصائل إلى اجتماع وطنى شامل يضم جميع القوى الفلسطينية، سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، بهدف إنهاء الانقسام وبناء قيادة موحدة، مُحذرًا من أن الانقسام القائم يخدم إسرائيل ويُضعف من قوة القضية الفلسطينية.