فى عالم اليوم لم تعد الحروب تدور فقط على حدود الجغرافيا بل فى مساحات العقول. تُطلق القذائف الإعلامية كما تُطلق الصواريخ وتُزرع الشائعات كما تُزرع الألغام ويُعاد تشكيل الذاكرة الجمعية للأمم عبر منصات لا تحمل علما ولا هوية واضحة. هنا فقط ندرك أن من يملك الوعى يملك الغد،الوعى ليس معلومة نحفظها بل قدرة على الفهم والتحليل وربط الخيوط. فى مصر كانت المعركة على الوعى جزءا من كل لحظة فارقة. حين أراد المحتل أن يفرض ثقافته، وحين حاولت الدعاية السوداء أن تزرع الشك وحين واجهنا موجات التشويه التى تحاول تقزيم الإنجازات وتضخيم الإخفاقات. وفى كل مرة كان وعى المصريين هو خط الدفاع الأخير ذلك الذى يحمى المعنى قبل أن يحمى الأرض. لكن الوعى لا يتشكل صدفة ولا يُترك بلا حماية. إنه يحتاج إلى تعليم يفتح العقول لا يحشوها، إلى إعلام مسئول يضع المعلومة فى سياقها، وإلى ثقافة عامة تحصّن الفرد من الانجراف وراء أى خطاب عاطفى فارغ. يحتاج إلى قيادة تعرف أن أخطر ما قد تخسره الدولة هو وعى شعبها، لأن فقدانه يعنى أن يتحول الوطن إلى جسد بلا عقل. إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس فقط محاولات السيطرة على الأرض أو الموارد، بل محاولات إعادة برمجة العقول. فحين ينجح الآخر فى أن يجعلك ترى نفسك ضعيفا أو بلا قيمة أو بلا قدرة على التغيير، فإنه لا يحتاج إلى احتلالك عسكريا، لقد احتلك فكريا بالفعل. لهذا يجب أن ندرك أن معركة الوعى ليست مهمة النخب وحدها، بل مسئولية كل فرد. الوعى يبدأ من طريقة قراءتنا للأحداث، من دقة اختيارنا للكلمات ومن قدرتنا على أن نسأل: من المستفيد؟ ولماذا الآن؟ هو أن نتعلم ألا نأخذ أى معلومة على علاتها، وأن نفهم أن التضليل قد يرتدى أحيانا ثوب الحقيقة. إن بناء الغد يبدأ اليوم لا بالمشاريع وحدها ولا بالبنية التحتية فقط، بل ببناء الإنسان القادر على التفكير والنقد والتحليل. فى النهاية الوعى ليس رفاهية فكرية، بل مسألة حياة أو موت للأمم.