اهتمت مجلة "لوبوان" الفرنسية بنتائج لقاء الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي بحضورة ستة من القادة الأوروبيين فقالت إنه وسط نكات دونالد ترامب ومجاملاته، فرض الأوروبيون بتكتم رؤيتهم للتسوية الأوكرانية في قمة واشنطن بحيث تكون عملية طويلة لا صفقة سريعة كما أعلن ترامب سابقا. وأضافت المجلة أنه في إحاطته التي أعقبت القمة، استمتع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهدوء بانتصاره الدبلوماسي الكبير. وأقر قائلاً "اتفقنا على عدة نقاط مهمة لم تكن واضحة قبل أيام قليلة". بمعنى آخر، غيرت الولاياتالمتحدة موقفها بشأن نقطتين أساسيتين . النقطة الأولى حسبما أفادت "لوبوان" هي "الالتزام الأمريكي بالعمل معنا بشأن الضمانات الأمنية". فقبل أسابيع قليلة فقط، دعا دونالد ترامب إلى فك الارتباط الأمريكي وتجاهل مسئولياته تجاه أوروبا. أما اليوم، فقد وافق ليس فقط على المشاركة في الضمانات الأمنية الأوكرانية، بل أيضاً على "تنسيقها بشكل ملموس للغاية" مع الأوروبيين . ووصفت المجلة ذلك بأنه انقلاب استراتيجي كبير! لأن "تحالف الراغبين" الشهير هذا، الذي أطلقه الرئيس ماكرون في فبراير، "يضم الآن 30 دولة" ووضع خطط عسكرية مفصلة تدعم "جيشا أوكرانيا قادرا على مقاومة وردع أي عدوان" ب"مئات الآلاف من الجنود". أي أن ما كان مبادرة أوروبية بحتة أصبح الآن مشروعاً عبر أطلسي. (وتحالف الراغبين يضم دولا تعهدت بتعزيز دعمها لأوكرانيا، متجاوزة الدعم الذي قدمته مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية.) . ◄ اقرأ أيضًا | «ستاندرد آند بورز»: تصنيف أمريكا مستقر بفضل إيرادات رسوم ترامب الجمركية وثمة انتصار ثانٍ، أكثر دقة هو فرض ماكرون رؤيته على عملية التفاوض ... فبعد قمة ترامب وبوتين في ألاسكا، بدا الرئيس الأمريكي مستعدًا للتفاوض على اتفاقية سلام مباشرة وحصل الأوروبيون على شرطهم الأساسي "لا يمكننا مناقشة معاهدة سلام تستغرق عدة أيام، بل عدة أسابيع تحت القصف". قبل الاجتماع، وأمام كاميرات العالم، ذكّر المستشار ميرز دونالد ترامب بهذا الشرط، الذي رد باقتضاب "في الحروب الست التي حسمتها، لم نمر بمرحلة وقف إطلاق النار" . لكن إصرار القادة الأوروبيين على هذه النقطة خلال الاجتماع المغلق، على ما يبدو، دفع الرئيس ترامب إلى التوقف كما ترى "لوبوان". ومن هنا جاء التسلسل المعتمد الآن: أولًا، "فليتوقف القتل"، ثم المفاوضات. وهكذا يتخلى دونالد ترامب عن منطقه في التوصل "لصفقة" سريعة ليقبل بالوتيرة الأوروبية، مع اهتمامه الأكبر بالتحقق الملموس من نوايا بوتين من خلال الأفعال. ويؤكد الرئيس الفرنسي ماكرون هذه النقطة بوضوح: خلال مكالمة ترامب وبوتين التي عُقدت مساء الاثنين، "كان بوتين يقصف أوكرانيا". يبدو أن الرسالة وصلت. وتابعت المجلة قائلة إن الرئيس الفرنسي رتب أجندته الدبلوماسية: أولاً، اجتماع ثنائي بين زيلينسكي وبوتين "في الأيام المقبلة" في مكان يتم تحديده سريعاً، ثم اجتماع ثلاثي مع ترامب "في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع"، وأخيراً، توسيع اللقاء ليشمل الأوروبيين. وبالفعل وافق الأوروبيون على كل خطوة مما يظهر أنهم مازالوا قريبين من مراكز اتخاذ القرار . وقد أكد إيمانويل ماكرون لدى مغادرته البيت الأبيض قائلاً "من جهتي، لدي شكوك كبيرة في رغبة الرئيس الروسي الصادقة في السلام". لأنه "طالما يعتقد أنه قادر على الانتصار من خلال الحرب، فسينتصر". هذا الانعدام للثقة، الذي يتشاركه الآن مع دونالد ترامب، يبرر في نظره الاستراتيجية الأوروبية التي تعني إعداد الخطة البديلة . كما حذر الرئيس الفرنسي قائلاً "إذا تم رفض هذه العملية، فإننا جميعاً متفقون على ضرورة تشديد العقوبات". وقد قبل دونالد ترامب، الذي كان قد رفع للتو بعض العقوبات المفروضة على الهند (التي يرى أنها حاسمة)، مبدأ اتخاذ إجراءات أشد صرامةً في حال فشل المفاوضات. وفيما يتعلق بالقضية الأكثر حساسية - التنازلات الإقليمية الأوكرانية - تهرب ماكرون من الإجابة على السؤال كما لاحظت المجلة وقال "لن نتحدث عن هذا الموضوع إطلاقًا اليوم"، مؤجلًا هذه المناقشات إلى مفاوضات مستقبلية. ورأت "لوبوان" في هذه الإجابة طريقة لعدم الموافقة المسبقة على التنازلات التي قد يميل دونالد ترامب إلى قبولها، مع تجنب حدوث قطيعة علنية. وتطرقت "لوبوان" لما اعتبرته النقطة الأساسية في اللقاء وهي ضمان المشاركة الأمريكية في الضمانات الأمنية وفرض وقف إطلاق النار كشرط مسبق. في هاتين النقطتين الحاسمتين، أقنعت أوروبا واشنطن . وقد تجلى هذا الانتصار الأوروبي الصغير وراء حديث ترامب الاستعراضي في وقت سابق من ذلك اليوم. في قاعة الطعام الرسمية بالبيت الأبيض، قدم الرئيس الأمريكي عرضًا دبلوماسيًا غير مسبوق فقد أطرى على المستشار الألماني فريدريش ميرز أمام الكاميرات وقال أنه "يحب أكثر" إيمانويل ماكرون مقارنة بلقائهم الأول، ووصف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ب"القائدة الممتازة والشابة جدًا"، ورئيسة المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأنها "أقوى من كل هؤلاء الرجال على المائدة". ومن جانبهم اختار الأوروبيون استراتيجية الكتلة المتراصة، مكررين جميعًا نفس الشعارات وهي التوصل إلى "ضمانات أمنية"، "على غرار المادة الخامسة" لحلف الناتو، ودعم "تحالف الراغبين". واختتمت المجلة مقالها بالإشارة إلى أنه وراء هذا الخضوع الظاهري للعرض الترامبي، كانت أوروبا تؤدي دورها، بتكتم أكبر. وقد انتصرت: وحشد ترامب الموقف الأوروبي بشأن النقطتين الحاسمتين. في الواقع، أخفى العرض تحولًا استراتيجيًا أمريكيًا. وهو أمر ليس سيئا بالنسبة لأوروبا، التي قيل إنها أصبحت خارج اللعبة...