البعض حين يغيبون عن دنيانا تكتب لهم الأقدار أعمارا جديدة، حيث يرفرفون فى وجدان آلاف لم ينتبهوا لعزفهم العذب، ولم ينصتوا إلى رنات نغماتهم الطروب، وتفرد أغاريدهم، ربما بسبب الزحام والضجيج الذى يملأ العالم، ولكن عندما يغادرون فى زفات الوفاء التى يقيمها المخلصون من رفاق الدرب، يجذب دوى الوداع، وطنين الرحيل، انتباه الغافلين، فيلتفتون إلى آثار المغادر، بدافع من الفضول، والرغبة فى الاستطلاع، فيكتشفون أنهم قد فاتهم الكثير حين حرموا طويلا من إنشاد الفقيد الراحل، وعزفه، فينضمون إلى مواكب المأخوذين بتأثيره، والمأسورين بصوته، والمنبهرين بطرحه، وهنا يكتسب المغادر أعمارا جديدة، حيث يعيش فى أذهان، ووجدان، وضمائر المنضمين الجدد إلى ساحات مجده، وآفاق انطلاق صوته، جرى ذلك مع آلاف المبدعين الراحلين، وسيحدث مع الأديب الكبير الراحل «صنع الله ابراهيم» الذى ودَّع دنيانا مؤخرا، سيبدأ كثيرون فى الالتفات إلى بصماته، والبحث عن علاماته، واستكناه سر حضوره رغم غيابه، وهذه هى غاية كل مبدع، ورجاء أصحاب الرسالات قاطبة، أن تصل كلماته إلى البشرية كلها إن أمكن، لذلك لا تبدو مقولتنا: «إن المبدعين حاضرون بتأثيرهم رغم غياب أجسادهم» مجازا مبالغا فيه، و«صنع الله إبراهيم» صاحب «اللجنة» و«ذات» و«بيروت.. بيروت»، و«الأمريكانلي»، و«نجمة أغسطس»، وغيرها من النصوص السردية الفارقة، بدأ بالفعل حياة جديدة فى ضمائر الباحثين عن سر سطوعه رغم الغروب!!