محافظ الإسكندرية: جاهزون لانتخابات النواب بتنسيق كامل بين الجهات التنفيذية    افتتاح أسواق اليوم الواحد فى كفر شكر والقناطر الخيرية    مختار غباشي: الانتخابات العراقية تمثل محطة اختبار مهمة في المنافسة السياسية    هشام الحلبي: زيارة الشرع لأمريكا متوقعة.. دول كبرى تتنافس على سوريا    البيت الأبيض يحذر من تقلص الناتج المحلي الأمريكي بسبب الإغلاق الحكومي    زيزو برفقة كأس السوبر: عاش الأهلى.. صورة    قرار صادم من يايسله تجاه نجم الأهلي السعودي    بجلباب «جعفر العمدة».. شبيه محمد رمضان يثير الجدل في عزاء والده    دايت من غير حرمان.. سر غير متوقع لخسارة الوزن بطريقة طبيعية    «قومي المرأة» يكرم فريق رصد دراما رمضان 2025    المدير الإقليمي لليونسكو بالقاهرة: تعمل على إصدار توصيات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي    أب يكتشف وفاة طفليه أثناء إيقاظهما من النوم في الصف    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    حبس المتهمين في مشاجرة بالسلاح الناري في أسيوط    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    محمود مسلم ل كلمة أخيرة: منافسة قوية على المقاعد الفردية بانتخابات النواب 2025    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    استشاري: العصائر بأنواعها ممنوعة وسكر الفاكهة تأثيره مثل الكحول على الكبد    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    بث مباشر.. البابا تواضروس يشارك في احتفالية مرور 17 قرنًا على انعقاد مجمع نيقية    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    شبيه شخصية جعفر العمدة يقدم واجب العزاء فى وفاة والد محمد رمضان    قراءة صورة    «ما تجاملش حد على حساب مصر».. تصريحات ياسر جلال عن «إنزال صاعقة جزائريين في ميدان التحرير» تثير جدلًا    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    أوقاف شمال سيناء تناقش "خطر أكل الحرام.. الرشوة نموذجًا"    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    الصدفة تكتب تاريخ جديد لمنتخب مصر لكرة القدم النسائية ويتأهل لأمم إفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    نهائي السوبر.. الأهلي والزمالك على موعد مع اللقب 23    تشكيل الزمالك المتوقع ضد الأهلي في نهائي السوبر المصري    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في المصيف.. القبض على عصابات المتسولين بالإسكندرية


الإسكندرية: ‬محمد ‬مجلي
لم يعد التسول أو ما يعرف ب «الشحاذ» أمر يقتصر على المحتاجين والذين لا يملكون أى فرصة لجلب المال الحلال من عرق جبينهم، بل أصبحت مهنة يمتهنها البعض من راغبي جمع المال الكثير بدون تعب أو عناء وبات يقف وراءها مجموعات لتنظيم هذا النوع من التسول، بل وأصبح لها نطاقًا جغرافيًا ومواسم محددة ينتشر فيها المتسولون لجلب المال بل وتنوعت أساليب كل شحاذ في إجبار الأشخاص على دفع الأموال التي يطلبونها وفى كثير من الأحيان يحددون قيمة التصدق عليهم.
فى محافظة الإسكندرية وبالتزامن مع حلول فصل الصيف من كل عام تتزايد أعداد المتسولين مستغلين حالة الانتعاش السياحي والتوافد الكبير للمصطافين وراغبي قضاء إجازة الصيف على أرض عروس البحر الأبيض المتوسط،؛ حيث يقصد كثير من الشحاذين طريق الكورنيش ومناطق وسط البلد بمحطة مصر ومحطة الرمل والعجمى وميامي وأبو قير وغيرها المناطق المكتظة بالسائحين.
فقد تحولت شوارعها الراقية لمسرح كبير احتلته أعداد كبيرة من المتسولين والشحاتين فى الطرقات وعلى أرصفة طريق الكورنيش وفى الميادين ومحطات الترام وغيرها من المناطق التي تشهد تجمعات كبيرة من المواطنين، متبعين فى ذلك طرق عديدة ومتنوعة طبيعية وغير طبيعية ووسائل ملحة لإجبارهم على دفع مبلغ من المال، فيما تقوم الأجهزة الأمنية بحملات يومية ومستمرة على مدار الساعة لضبط المخالفين والخارجين عن القانون.
وترصد «أخبار الحوادث» خلال التقرير التالي عددًا من الحالات التي تم ضبطها وطرح كامل لأوجه المشكلة و كيفية مواجهتها من خلال مجموعة من الخبراء فى مجالات متنوعة للحد من انتشار تلك الظاهرة التي باتت ذات سلوك مسيئ يشوه المشهد الجمالى للمدينة والمجتمع.
تحولت "الشحاذة" إلى مهنة للتسول من أجل جمع المال؛ حيث تكشف الضبطيات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية أن بعض المتسولين يتحولون إلى مليونيرات بسبب جمعهم المال الكثير بدون وجه حق نتيجة تسولهم، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط متسول بدرجة مليونير، وذلك بمحطة سكك حديد مصر، أثناء محاولته استجداء ركاب القطارات وبتفتيشه عثر على مبلغ مالى كبير يقدر بنحو 55 ألف جنيه ودفتر شيكات.
وفى واقعة ثانية تلقت الأجهزة الأمنية من نجل أحد المتسولين، يقيم بمنطقة العطارين، يتهم فيه أفراد من أسرته بالاستيلاء على ممتلكات وأموال والده الذي كان يتسول لمدة تصل إلى نحو 10 سنوات قبل وفاته، لكنه ترك نحو 2 مليون جنيه و14 سيارة ميكروباص – يعمل عليها سائقين بمناطق مختلفة من البحيرة والإسكندرية – بالإضافة إلى 12 شقة بمناطق مختلفة كان يؤجرها وجمع الأموال من مهنة التسول.
متسولون بالجملة
وتمكنت الأجهزة بمديرية أمن الإسكندرية من ضبط 90 متسولا يستجدون المارة بمنطقتى سان ستيفانو ولوران بدائرة قسم شرطة الرمل وعثر بحوزتهم على قطع سلاح أبيض و اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة.
وخلال الأسابيع الماضية ألقت الأجهزة الأمنية القبض على شاب يستوقف السيارات ويستجدى مستقليها بالإضافة إلى تعديه على فتاة وتبين أنه عاطل يقيم بدائرة أول المنتزه وله معلومات جنائية سابقة.
ظاهرة سيئة
من جانبهم عبر مجموعة من المواطنين من هواة السير على طريق الكورنيش والجلوس عن ضيقهم الشديد إزاء الأفعال التي يقوم بها المتسولون، والذين يستجدون كل من تطأ قدماه الطريق فى محاولة لجلب أي مبلغ من المال، موضحين أن أعدادهم فى زيادة واضحة ولهم طرق متنوعة وأساليب عدة تجعل بعضهم يقرر قطع رحلتهم والعودة إلى منازلهم بسبب أسلوب المتسولين الذى وصفوه ب "السيئ" والذي يتطلب اتخاذ اجراءات قوية للحد من تلك الظاهرة.
طرق ملتوية
من جانبه قال محمد توفيق منسق عام حملة مكافحة الفساد بالإسكندرية: إن التسول أصبح له شبكات تدار من خلالها وزادت وتنوعت بشدة وأصبحت فوق احتمال أي شخص يبحث عن الاختلاء بنفسه فى جلسة على رصيف البحر أو السير رفقة أسرته وأصدقائه، رافضًا الربط بين الحالة الاقتصادية والتسول، حتى لا تكون دافعًا لتقبل مثل هذه الحالات التي وصفها ب "النصب".
وأضاف منسق عام مكافحة الفساد بالإسكندرية، خلال تصريحات ل "أخبار الحوادث": أن ما تشهده الإسكندرية خلال موسم الصيف من أعمال تسول هو أمر معتاد سنويًا وهناك من يأتون من المحافظات المجاورة – غالبيتهم من النساء والأطفال – يفترشون الأماكن والطرقات أو يتجولون سيرًا لجلب الأموال بطريقة سهلة، والأجهزة الأمنية لا تتوانى في ضبطهم باستمرار.
وأكد "توفيق" أن طرق التسول أصبحت متنوعة وغريبة ومؤذية للمواطن، قائلاً: المتسول يهجم على الجالسين بطريق الكورنيش أو يستوقفون المارة لطلب مبلغ من المال يبدأ من 20 حتى 5 جنيهات وفى حال رفض أي مواطن الدفع يكون مصيره وابل من الشتائم والسباب، لافتًا ان هناك من يحمل روشتة وأشعة فى جيبه لاستعطاف المارة وشراء الروشتة أو المساهمة فى عمل التحاليل والأشعة على غير الحقيقة، وآخرون يحملون أطفال بملابس ممزقة لاستجداء المواطنين حتى يساعدهم أهل الخير فى شراء الملابس.
وحذر توفيق من ظاهرة أصحاب الروايات المختلفة لاستعطاف المارة للحصول على المال وهم فئة يرتدون ملابس جيدة ويطالبون بمبلغ من المال لشراء الغذاء أو لركوب المواصلات بعد أن يدعى أنه نسى سهوًا محفظته ولا يملك المال مؤكدًا أنها طرق جديدة من أجل جلب المال السهل.
ابتذال
من جانبه قال د.إبراهيم فتحى مغازى منتصر، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والحاصل على ماجستير في القانون العام والفقه الإسلامي: إن التسول ظاهرة قبيحة تُسيئ إلى سمعة المجتمع، وتُعكر صفوه وتُشوه صورته، وتجعل المتسول يظهر بصورة المحتاج والذليل، وقد نهى النبي صل الله عليه وسلم أن يذلّ المؤمن نفسه، وحذر من هذه المهنة ونفّر منها؛ لأن صاحبها يفقد كرامته في الدنيا ويسيء إلى نفسه فى آخرته؛ وقال: (ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتى يوم القيامة ليس فى وجهه مزعة لحم).
وتابع إمام وزارة الأوقاف؛ أن الإسلام حرّم المسألة على كل مَن يملك ما يُغنيه فى يومه وليلته من مال أو لديه القدرة على التكسب، سواء كان ما يسأله زكاة أو تطوعًا أو كفارة، ولا يحل للمتسول أخذه، مشيرًا إلى أن أحد التابعين قال : "لو أظهر الفاقة وظنه الدافع متصفا بها لم يملك ما أخذه؛ لأنه قبضه من غير رضا صاحبه، إذ لم يسمح له إلا على ظن الفاقة".
وقال: إن المحترف لهذه المهنة القبيحة يأكل أموال الناس بالباطل، ويُطعم أبناءه سُحتًا، أي مالاً حرامًا، مضيفا مما يسيئ إلى صورة بلدنا أن نرى أطفالاً صغاراً ونساءً أُرسلوا من قبل أوليائهم إلى إشارات المرور وإلى أبواب دور العبادات، وساروا في شوارع المحافظة حفاة، وبلباس مبتذله، يظهرون العوز والفاقة والكآبة ليستميلوا قلوب الناس ويستدرجون عواطفهم، فهؤلاء لم يخرجوا من بيوتهم بزعم الجوع بل أنهم يدعون مرض زوجاتهم وابنائهم زورًا وبهتانا ويقسمون على ذلك .
وأشار إلى أن التسول تطور وأصبح أشكال وألوان على أرض الواقع بل وعلى مواقع التواصل، مشيراً أن الإسلام قد عالج هذه الظاهرة المسيئة بتحريم التسول، والحض على العمل والإنتاج، وجعل أفضل ما يأكل الرجل من كسب يده، وأما من كان في ضيق وكربة؛ فعليه مراجعة الجهات المعنية، وهي في بلدنا كثيرة ولله الحمد، فالمتسول يأخذ أموال الناس بغير حق وسيسأل عنها أمام الله عز وجل.
وأوضح؛ أن النبي صل الله عليه وسلم، بين أن ثلاثة فقط من تحل لهم المسألة، فما سواهن من المسألة سحتًا يأكلها صاحبها سحتاً"، فهؤلاء الثلاثة هم: تحمل الحمالة للصلح، إصابة الجائحة في المال، الفاقة والفقر المدقع، بقوله (إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة)، وهؤلاء الذين قال الله فيهم ( وأما السائل فلا تنهر) أما غير هؤلاء فلا يجوز له سؤال الناس فى المساجد ولا فى طرقات المسلمين، فإذا فعل ذلك كان إثمًا زائداً، واختتمم قوله، إن كنت غنيًا عن ما في أيدي الناس أو قادرًا على الكسب ووجدت ما تغني به نفسك فلا يجوز لك المسألة وطلب الناس، وإن كنت مضطرا فذلك مباح لك، وخير لك الاستعفاف عن الناس.
جريمة قانونية
من جانبه أكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي؛ أن ظاهرة التسول المهني التي تنتشر في الشوارع المصرية تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وتتطلب تطبيقًا حازمًا للقوانين الرادعة.
وأوضح "مهران" ل "أخبار الحوادث": أن قانون التسول رقم 49 لسنة 1933 ينص على معاقبة كل من تسول في الطريق العام بالحبس مدة من شهر إلي ستة أشهر، مشيرًا إلى أن العقوبة تشدد في حالة التسول بطريقة كاذبة، أو مع حمل سلاح، أو التظاهر بعاهة، أو إشراك الأطفال في التسول.
وأشار أستاذ القانون الدولي، إلى أن التسول المنظم يندرج تحت جرائم الإتجار بالبشر، والاستغلال الاقتصادي المحظور دوليًا وفقًا لبروتوكول باليرمو، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، مؤكدًا أن الجماعات المنظمة التي تستغل المتسولين تواجه عقوبات أشد تصل للسجن المشدد.
وأكد الدكتور مهران؛ أن اتفاقية حقوق الطفل تلزم الدول بحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، بما في ذلك استخدامهم في التسول، مشيرًا إلى أن هذا يتطلب تدخل النيابة العامة، ووزارة التضامن الاجتماعي لحماية الأطفال المستغلين.
وفيما يتعلق بآليات المكافحة أوضح؛ أن القانون المصري يمنح السلطات صلاحيات واسعة تشمل الضبط الإداري، والتحقيق، والإحالة للمحاكمة، فضلاً عن إمكانية اتخاذ تدابير وقائية مثل الإيداع في دور الرعاية للحالات التي تحتاج تأهيل اجتماعي.
وشدد مهران على أهمية التعاون بين الجهات المختلفة لمواجهة هذه الظاهرة من خلال برامج التأهيل الاجتماعي، وتوفير فرص عمل بديلة، ومكافحة الشبكات الإجرامية التي تستغل الضعفاء، مؤكدا أن الحل الجذري يتطلب معالجة الأسباب الاقتصادية، والاجتماعية للظاهرة، وليس فقط العقاب.
الاستعطاف والاحتيال
من جانبها قالت الدكتورة هبة الأطرش، رئيس قسم الخدمة النفسية، بمستشفى المعمورة للطب النفسي والحاصلة على ماجستير ودكتوراة بالعلاج المعرفي؛ أنه في مشهد يومي مألوف على طرقات الكورنيش والمناطق الحيوية، يتكرر ظهور المتسولين الذين لا يكتفون بطلب العون بل يمارسون سلوكًا ملحًا قد يصل أحيانًا إلى الاستغلال العاطفي أو الاحتيال لم يعد التسول مجرد مظهر من مظاهر الفقر، بل أصبح لدى البعض "مهنة" يعيشون منها بل ويتقنون أدواتها.
وأضافت رئيس الخدمة النفسية؛ يتمتع بعض المتسولين بقدرات نفسية وسلوكية تساعدهم على التأثير في مشاعر الآخرين، منها : اللعب على العاطفة ويستخدم المتسولون مظاهر الحزن أو المرض أو استغلال الأطفال لجذب الشفقة، لافتة إلى أنهم يمتلكون التنوع في الأساليب، فالبعض يدّعي المرض، أو الحاجة للعلاج، أو الفقر، أو حتى يدّعي فقدان المال والسفر.
وأشارت "الأطرش" إلى أن المتسول يلجأ للإلحاح المتكرر وهو ما يُعرف في علم النفس ب"استراتيجية الضغط اللحظي"، حيث يجد المواطن نفسه في موقف محرج يصعب فيه الرفض، بالإضافة إلى استخدام القصص المؤثرة؛ اذ يروون قصصًا ملفقة أحيانًا، ولكنها معدّة بإتقان لإثارة التعاطف، بالإضافة إلى الاستفادة من المظهر الخارجي من خلال التمثيل بالمظهر البائس أو ارتداء ملابس رثة يعطي انطباعًا بالحاجة الشديدة.
وأشارت إلى أن التسول أصبحت مهنة كونها تحقق الربح السريع، فبعض المتسولين يحققون دخلًا يوميًا يفوق ما يجنيه عامل أو موظف عادي، رغم الرقابة المستمرة على الطرق العامة والأسواق من الأجهزة الأمنية، ما يجعل التسول نشاطًا غير مخاطِر، وأكدت على وجود عصابات منظمة تدير هذا النشاط بشكل منظم وتوزّع المواقع والأرباح.
وأكدت؛ أن بعضهم يرى أن التسول أكثر ربحًا من الوظائف الشاقة ذات العائد القليل، وان التسول في صورته الحديثة لم يعد مجرد مدّ يد لطلب المال، بل أصبح سلوكًا متعمدًا ومدروسًا من خلال اختيار الأماكن الاستراتيجية (الكورنيش، الإشارات، المساجد، المواصلات) واختيار التوقيت المناسب (قبل الأعياد، أو وقت الذروة) واستخدام أدوات مثل عربات أطفال، عكازات، أوراق طبية مزورة.
وشددت على ضرورة مواجهتهم سلوكيًا واجتماعيًا، فعلى مستوى الأفراد يجب عدم الاستجابة العاطفية الفورية، وأن يكون التبرع من خلال قنوات موثوقة (جمعيات، مبادرات أهلية)، وعدم إعطاء المال لمن يستخدم أطفالًا أو يتكرر ظهوره، والتبليغ عند الاشتباه بوجود مافيا تسول أو استغلال للأطفال.
كما شددت الأطرش، على ضرورة تفعيل القوانين ضد التسول المنظّم وتوفير مراكز إيواء وتدريب وتأهيل للفئات المحتاجة فعلًا وإطلاق حملات توعية بعنوان "التصدق الذكي" أو "ساعد ولكن صح"، وتشجيع ثقافة العمل وإعادة دمج المحتاجين الحقيقيين في سوق العمل، وأشارت إلى أن التسول تحول إلى سلوك اجتماعي متقن يتغذى على مشاعر الشفقة والرحمة وبينما يبقى من واجبنا كأفراد ومجتمع تقديم العون للمحتاج الحقيقي، علينا أيضًا أن نكون واعين لما يدور حولنا من استغلال منظم وعشوائي للمشاعر، حفاظًا على كرامة الإنسان وعدالة المجتمع.
كما أكدت على أنه يجب فهم التسول كسلوك مكتسب يرتبط بعدة دوافع وحالات نفسية، سواء لدى المتسول أو المعطي، قائلة: أن ظاهرة التسول لا تنفصل عن الجوانب النفسية العميقة، فالمتسول لا يرى نفسه دومًا ك"نصاب"، و المواطن لا يدرك دومًا أنه يُستخدم عاطفيًا. ولذلك، يتطلب كسر هذه الحلقة بالتوعية النفسية للمجتمع، وإعادة بناء دافعية العمل لدى المتسولين أنفسهم.
وأوضحت أستاذ الصحة النفسية؛ أن كثيرًا من المتسولين يبدأون بدافع الحاجة، لكن مع الوقت يُعاد تشكيل قناعتهم بأن هذا الطريق أقل تكلفة نفسية من العمل، خصوصًا في ظل غياب الرغبة في بذل مجهود طويل المدى، وان التكّيف النفسي (الاعتياد على الاستعطاف): بعضهم يطوّر ما يُعرف في علم النفس بسلوك "الاعتماد على الآخرين" كآلية للتكيف، مما يقلل لديه الدافع للاستقلال.
اقرأ أيضا : الحبس سنة لربة منزل بتهمة استغلال الأطفال في أعمال التسول
وقالت "الأطرش": أن بعض المتسولين يعانون من إحساس دفين بعدم الكفاءة أو القصور، وقد يكون التسول نتيجة لتجارب فشل أو حرمان طويل الأمد، لافتة إلى الحذر من وجود أعراض اضطرابية أو إدمانية، ففي حالات معينة، يكون التسول وسيلة لتمويل إدمان أو بسبب اضطرابات نفسية (مثل اضطرابات الشخصية الحدّية أو الفصامية).
وأكدت على أن المتسول يستغل المشاعر الفورية لدى الشخص (شفقة، ذنب، خوف من العقاب الإلهي)، والبعض يعتقد أن "رد السائل" يفتح أبواب الرزق، فيعطي بشكل غير عقلاني، وعند رؤية آخرين يعطون، يشعر الفرد بالضغط الاجتماعي لفعل المثل، خاصة في الأماكن العامة وأن بعض الناس، خاصة من الطبقة المتوسطة، يشعرون بالذنب تجاه الفقر، فيعطون كنوع من التكفير الرمزي.
فكلما وجد المتسول استجابة، زاد إلحاحه وتشبثه بالسلوك، وكلما أعطى المواطن دون وعي، عزز لدى المتسول اعتقاده بأن التسول وسيلة فعالة ومجزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.