في عالم العلاقات الدولية تتنوع أدوات الدول في إدارة أزماتها وحماية مصالحها. احيانا تفضل بعض الدول نهج الدبلوماسية الناعمة القائمة على الحوار، بينما تلجأ دول أخرى إلى الدبلوماسية الخشنة حين تقتضي الأحداث مدعومة بمبدأ المعاملة بالمثل لضمان الاحترام المتبادل والالتزام بالقوانين الدولية. وفي الأونة الأخيرة دخلت مصر هذا النموذج الاخير بقيادة وزير خارجيتها بدر عبد العاطي عقب محاولات التعدي على بعض سفاراتها بالخارج. الوزير الصعيدي «أبو دم حامي» كما وصفه البعض نظرا لهذا الموقف، لم يكن هذا التصرف إجراء نابع من صعيديته أو حالة انفعالية بل هي أدوات دبلوماسية استخدمها الوزير للرد الحاسم. فمهفوم الدبلوماسية الخشنة أسلوب يعتمد على الرد الصارم أو الإجراءات الرادعة، بدلا من الاكتفاء بالمفاوضات أو الوساطة. وهي لا تعني القطيعة أو التصعيد لكنها تحمل رسالة واضحة بأن هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها. كما أن مبدأ المعاملة بالمثل أيضا هو قاعدة قانونية ودبلوماسية تنص على أن ما تمنحه دولة لدولة أخرى من حقوق أو امتيازات يجب أن تتلقى مثله. وإذا أخلت دولة ما بالتزاماتها يحق للطرف الآخر الرد بإجراء مماثل لضمان التوازن والاحترام المتبادل في العلاقات بين البلدين. لذا استند الموقف المصري بقيادة الوزير بدر عبد العاطي عقب حوادث التعدي على بعض السفارات المصرية في دول أوروبية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، أبرزها استدعاء سفراء الدول المعنية لطلب تفسير رسمي حول التقصير الأمني، وتخفيض مستوى الحماية الأمنية حول سفارات تلك الدول في القاهرة تطبيقات لمبدأ المعاملة بالمثل، إضافة إلى التأكيد على أن حماية البعثات الدبلوماسية التزام دولي غير قابل للتهاون. هذه الخطوات أرسلت رسالة قوية مفادها أن أمن مصر وممثليها في الخارج خط أحمر، كما أجبرت بعض الدول على مراجعة ترتيباتها الأمنية، وهو ما تحقق إذ دفع هذا الموقف المصري إلى تحسين الأوضاع الأمنية حول السفارات بالخارج. الرسالة السياسية في هذا الموقف واضحة وضوح الشمس، وهي أن مصر قادرة على الرد بطرق سلمية لكنها حاسمة، وهو ما يعزز هيبتها على المستوى الدولي. فقد اثبت ان الدبلوماسية الخشنة ليست خروجا عن الأعراف بل أداة مشروعة وقانونية لحماية الحقوق والسيدة المصرية على سفاراتها بالخارج . وموقف الوزير الهمام بدر عبد العاطي جاء ليؤكد أن مصر لن تسمح بالمساس بمكانتها أو بسلامة بعثاتها. ففي هذا العالم المليء بالتحديات الأمنية والسياسية تبقى رسالة مصر واضحة بأن الاحترام المتبادل أساس العلاقات، والمعاملة بالمثل ضمان لاستمرارها.