كشف استطلاع حديث أجراه مركز «بيو» الأمريكي للأبحاث، عن تراجع حاد في نظرة الكنديين إلى الولاياتالمتحدة، خاصة بعد عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، وأظهر الاستطلاع أن الكنديين باتوا يرون في واشنطن تهديدًا مباشرًا، بعد أن كانت تُعتبر حليفًا استراتيجيًا وثيقًا. ووفقًا لبيانات المركز، انخفضت الثقة في الولاياتالمتحدة إلى مستويات تاريخية متدنية، كما تراجعت الثقة في قدرة ترامب على التعامل مع الشؤون العالمية بفعالية، ويثير هذا التحول قلقًا متزايدًا بشأن مستقبل العلاقات بين الجارتين، وسط مؤشرات على تبدّل أولويات الكنديين وإعادة تقييمهم لدور واشنطن في العالم. ويرى مراقبون أن هذه النتائج تعكس انزلاقًا في الثقة، يتجاوز الخلافات السياسية التقليدية، ويؤشر إلى مرحلة جديدة في علاقة كندا بأقرب حلفائها. الكنديون يفقدون ثقتهم في أمريكا كشف استطلاع أُجري بين فبراير وأبريل 2025، عن تدهور غير مسبوق في نظرة الكنديين إلى الولاياتالمتحدة، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة. فقط 34% من الكنديين بات لديهم رأي إيجابي تجاه الولاياتالمتحدة، وهو انخفاض بمقدار 20 نقطة مئوية مقارنة بالعام السابق، ويعادل أدنى مستوى تم تسجيله في عام 2020، نهاية ولاية ترامب الأولى. الأكثر لفتًا للنظر، هو أن 64% من الكنديين أعربوا عن آراء سلبية تجاه الولاياتالمتحدة، من بينهم 39% يحملون مشاعر "سلبية جدًا" — وهي النسبة الأعلى على الإطلاق منذ بداية القياس في عام 2002. اختلافات أيديولوجية التحول لم يكن محصورًا في فئة سياسية دون أخرى، ففي حين أبدى اليساريون (17%) أقل نسبة إعجاب بالولاياتالمتحدة، انخفضت الآراء الإيجابية في جميع التوجهات السياسية الكندية: -الوسطيون: 32% نظرة إيجابية، واليمينيون: 52%. الانخفاض تجاوز 15 نقطة مئوية في جميع الفئات مقارنة بالعام الماضي، ما يشير إلى أزمة ثقة شاملة في الحليف الجنوبي. ترامب في مرآة كندية.. «متعجرف وخطير» إذا كانت الولاياتالمتحدة تعاني من تراجع في صورتها، فإن شخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو في قلب هذا الانحدار. وفقًا للاستطلاع: 22% فقط من الكنديين يثقون في قدرة ترامب على اتخاذ قرارات صائبة في الشؤون العالمية. بينما بلغت نسبة الثقة بجو الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن في عام 2024 حوالي 52%. رفض واسع لشخصية ترامب عند سؤالهم عن الصفات الشخصية: 91% وصفوا ترامب ب"المتعجرف"، و76% وصفوه ب"الخطير". و40% فقط يرونه "قائدًا قويًا"، مقارنة ب63% قالوا ذلك عن بايدن في 2021. كما أبدى 74% من الكنديين عدم ثقتهم بترامب في معالجة القضايا الاقتصادية العالمية، بينهم 57% قالوا إنهم "لا يثقون به إطلاقًا". ويتزامن هذا التقييم السلبي، مع تهديدات ترامب المُتكررة لكندا بفرض تعريفات جمركية جديدة، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد الكندي بشدة على التصدير إلى الولاياتالمتحدة (حوالي ثلاثة أرباع صادرات كندا تذهب إلى جارتها الجنوبية). أمريكا.. الحليف الأهم والتهديد الأكبر في آنٍ واحد واحدة من أكثر نتائج الاستطلاع إثارة للدهشة كانت المفارقة التالية: 55% من الكنديين يعتبرون الولاياتالمتحدة "الحليف الأهم"، لكن 59% يرونها "التهديد الأكبر" لبلادهم. وفي التفاصيل: 77% من الكنديين الذين يرون أمريكا تهديدًا، يعتبرونها خطرًا اقتصاديًا، و53% يرونها تهديدًا للأمن القومي. وتفاقم هذا الشعور مع تصريحات ترامب الأخيرة، حيث أشار أكثر من مرة إلى أن "كندا يجب أن تصبح الولاية 51"، في سياق ساخر أثار غضبًا واسعًا في الأوساط الكندية. بين الصينوأمريكا.. من العدو إلى الحليف المتردد في عام 2019، كانت الصين تُعتبر التهديد الأكبر لكندا بنسبة 32%، تليها الولاياتالمتحدة بنسبة 20%، لكن اليوم، انقلبت المعادلة: الولاياتالمتحدة باتت في صدارة التهديدات بنسبة 59%، والصين تراجعت إلى المرتبة الثانية بنسبة 17%. وهذا التحول الجذري يعكس تصاعد المخاوف الكندية من السياسات الأمريكية، وخصوصًا في عهد ترامب، الذي يتبنى خطابًا قوميًا حمائيًا يتعارض مع مصالح الاقتصاد الكندي المفتوح. رغم تصاعد التوجس، لم تتراجع النظرة إلى القوة الاقتصادية الأمريكية. بل على العكس، ارتفعت. حيث يرى 54% من الكنديين الولاياتالمتحدة الاقتصاد الأقوى عالميًا، مقابل 31% يرون الصين كذلك. وهذا يمثل: أعلى مستوى منذ بدء قياس هذا المؤشر عام 2009، وزيادة بنسبة 10% عن عام 2023. الجدير بالذكر، ان كندا هي الدولة الوحيدة من أصل 23 دولة شملها الاستطلاع، التي ارتفعت فيها نسبة من يعتبرون أمريكا القوة الاقتصادية الأولى مقارنة بما قبل عامين. ويرى 62% من الكنديين اليمينيين، أمريكا الاقتصاد الأقوى (ارتفاعًا من 44% في 2023). ولم تشهد النسب تغيرًا كبيرًا بين اليسار والوسط. العلاقات الاقتصادية عند المقارنة بين الصينوأمريكا كشركاء اقتصاديين، فإن ثلثي الكنديين لا يزالون يفضلون علاقات اقتصادية أقوى مع الولاياتالمتحدة. لكنها نسبة تراجعت بنحو 20 نقطة مئوية عن عام 2021، عندما فضّل 87% العلاقات الاقتصادية مع أمريكا. انقسام أيديولوجي في أولويات التجارة أظهر استطلاع مركز "بيو"، أن الكنديين يختلفون في تفضيلهم للعلاقات التجارية مع الولاياتالمتحدة، بحسب توجهاتهم الأيديولوجية؛ إذ أعرب 76% من الكنديين المحافظين (اليمين) عن دعمهم لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع واشنطن، مقابل 67% من المنتمين إلى الوسط، و58% فقط من اليساريين. ويرى التقرير، أن هذا التراجع في الحماسة للعلاقة التجارية مع أمريكا، خاصة بين اليسار، يعكس تنامي المخاوف من الاعتماد المفرط على شريك واحد، في ظل التقلبات السياسية والتجارية التي شهدتها العلاقات بين البلدين، خصوصًا خلال فترات حكم دونالد ترامب. ليتضح أن، عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد ألقت بظلال ثقيلة على علاقات واشنطن مع جيرانها، فكندا، التي طالما كانت حليفًا وشريكًا اقتصاديًا رئيسيًا للولايات المتحدة، باتت ترى في هذا الجار قوةً مزعزعةً، وربما تهديدًا وجوديًا. ورغم القوة الاقتصادية لأمريكا، فإن انعدام الثقة في قيادة ترامب، وشعوره العام بالعدائية تجاه كندا، يُعيدان رسم خارطة التحالفات والتفضيلات السياسية والاقتصادية في الشمال الأمريكي. وربما تكون هذه النتائج تحذيرًا مُبكرًا من تصدّع قد يتعمق إذا استمرت سياسات التصادم..