يشهد جنوب شرق آسيا تصاعدًا خطيرًا في التوترات الحدودية بين تايلاندوكمبوديا، حيث تجددت الاشتباكات العسكرية في يوليو 2025، لتصبح الأعنف منذ أكثر من عقد ونصف. ويتركز النزاع حول منطقة «المثلث الزمردي»، وهى منطقة حدودية تتقاطع فيها حدود البلدين مع لاوس، إضافة إلى نزاعات حول معابد أثرية مثل معبد «برياه فيهير وبراسات تا موان ثوم. هذا الصراع الذى يعود إلى عقود من الزمن أدى إلى سقوط عشرات القتلى ونزوح مئات الآلاف، مما يثير مخاوف من أزمة إقليمية أوسع. ◄ المثلث الزمردي يشعل الحرب جنوب شرق آسيا ◄ 330 ألف نازح و43 قتيلا.. والصراع الحدودي يهدد بانفجار إقليمي يعود أصل النزاع إلى ترسيم الحدود خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، التى تركت خرائط غامضة أثارت خلافات مستمرة، أبرز نقاط التوتر هى منطقة معبد برياه فيهير، الذي حكمت محكمة العدل الدولية 1962 بأحقية كمبوديا فى السيادة عليه، وهو قرار أثار استياء تايلاند، ففى 2013 أكدت المحكمة سيادة كمبوديا على المناطق المحيطة بالمعبد، لكن تايلاند رفضت هذا التفسير، مما أبقى النزاع مشتعلًا. التوترات القومية والخطابات السياسية الحادة فى كلا البلدين غذّت هذا الصراع، حيث يُنظر إلى أى تنازل كخيانة وطنية. تاريخيًا، شهدت المنطقة مواجهات متقطعة، كان أبرزها بين 2008 و2011، حيث قُتل حوالى 28 شخصًا ونزح عشرات الآلاف، وفي مايو 2025، تصاعدت التوترات مجددًا بعد مقتل جندي كمبودى فى تبادل لإطلاق النار، ما مهد الطريق لاشتباكات أوسع بدأت فى 24 يوليو 2025. ◄ التصعيد الأخير اندلعت الاشتباكات الأخيرة بقوة 24 يوليو 2025، بعد اتهام تايلاندلكمبوديا بزرع ألغام أرضية أصابت خمسة جنود تايلانديين، أحدهم فقد ساقه، وردت تايلاند بغارات جوية بطائرات «إف-16» على أهداف عسكرية كمبودية، بينما استخدمت كمبوديا قاذفات صواريخ وقصفت مناطق مدنية، وفقًا لبانكوك. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 43 شخصًا، معظمهم مدنيون، ونزوح حوالى 330 ألف شخص، وهى حصيلة غير مسبوقة منذ سنوات. تايلاند التي تمتلك تفوقًا عسكريًا ملحوظًا، استثمرت في تقنيات حديثة مثل الطائرات المسيرة، مما عزز قدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة، وفى المُقابل، اعتمدت كمبوديا على المدفعية الصاروخية، لكنها تفتقر إلى التكافؤ العسكرى، ما جعل المواجهة غير مُتكافئة. تبادل الطرفان الاتهامات ببدء التصعيد، حيث زعمت كمبوديا أن طائرة مسيّرة تايلاندية اخترقت أجواءها، بينما اتهمت تايلاندكمبوديا باستهداف مناطق مدنية، بما في ذلك مُستشفى. ◄ اقرأ أيضًا | الحكومة التايلاندية تنفي وضع خطة لاغتيال قادة كمبوديا ◄ وقف النار في 28 يوليو 2025، توسطت ماليزيا بصفتها رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) فى محادثات أسفرت عن اتفاق على «هدنة فورية وغير مشروطة»، كما شاركت الولايات المُتحدة والصين فى دعم هذه الجهود، حيث أعرب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عن دعمه عبر منصة «تروث سوشال»، مهددًا بفرض رسوم تجارية إذا استمر النزاع. ◄ انتهاكات الهدنة لم تدم الهدنة طويلًا، إذ اتهمت تايلاندكمبوديا بانتهاك الاتفاق بعد ساعات من سريانه، ووفقًا للجيش التايلاندي، شنت القوات الكمبودية هجمات ليلية على مناطق حدودية، بما فى ذلك فو ماكوا وسام تايت، ما أدى إلى تبادل إطلاق نار استمر حتى صباح 29 يوليو، وأسرت تايلاند 18 جنديًا كمبوديًا، واعتبرت هذه الهجمات «انتهاكًا صارخًا» يقوض الثقة المتبادلة، وفى المقابل، نفت كمبوديا هذه الاتهامات، مؤكدة التزامها بالهدنة. ورغم هذه التوترات، التقى قادة عسكريون من الطرفين 29 يوليو الماضي، لمناقشة الوضع، واتفقوا على تجميد تحركات القوات حتى اجتماع اللجنة العامة للحدود، ومع ذلك، قدمت تايلاند شكاوى رسمية إلى ماليزياوالولاياتالمتحدةوالصين بشأن الانتهاكات المزعومة. ◄ التداعيات والمستقبل يثير هذا النزاع مخاوف من انزلاق المنطقة إلى أزمة إقليمية أوسع، خاصة مع التوترات الجيوسياسية المعقدة فى جنوب شرق آسيا. الصين - حليفة كمبوديا القوية - عبرت عن قلقها ودعت إلى الحوار، بينما حذر خبراء من أن التعبئة القومية الحادة فى البلدين قد تعوق جهود التهدئة. وسياسيًا، تواجه تايلاند اضطرابات داخلية، حيث أُوقفت رئيسة الوزراء بايتونجتارن شيناواترا عن العمل بسبب مكالمة مسرّبة مع هون سين، زعيم كمبوديا السابق، مما أثار اتهامات بتقديم مصالحها الشخصية على مصلحة البلاد. ◄ تأثير اقتصادي ألقت المواجهات بظلالها على اقتصادي تايلاندوكمبوديا، خاصة فى المناطق الحدودية، حيث تكبدت المناطق المتاخمة للحدود فى تايلاند مثل مقاطعة سورين وسى ساكيت خسائر كبيرة بسبب توقف التجارة الحدودية وإغلاق الأسواق المحلية، مع انخفاض حركة السياحة في مواقع أثرية مثل معبد برياه فيهير بنسبة تزيد عن 60%. أما كمبوديا، التى تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الصينية، فقد شهدت تأخيرًا فى مشاريع البنية التحتية فى المناطق الشمالية الغربية بسبب نزوح السكان وانعدام الأمن، كما تسبب النزاع فى ارتفاع تكاليف النقل والمواد الغذائية في المناطق المتضررة بنسبة 20 ل30%، مما زاد الضغط على الفئات الفقيرة. وعلى المستوى الإقليمي، أعربت رابطة آسيان عن قلقها من تأثير النزاع على سلاسل التوريد وثقة المستثمرين فى المنطقة، خاصة مع تزايد التوترات الجيوسياسية، وأشارت إلى أنه إذا استمر التصعيد، فقد يؤدى إلى خسائر اقتصادية إقليمية تصل إلى مليارات الدولارات، مما يعزز الحاجة إلى تسوية دائمة.