فى مواجهة تصاعد ظاهرة المحتوى الهابط على منصات التواصل الاجتماعى، تواصل وزارة الداخلية حملاتها المكثفة لضبط المتورطين فيما يُعرف ب»جرائم التيك توكر»، والتى باتت تمثل تهديدًا متزايدًا لمنظومة القيم الأخلاقية والسلوك العام فى المجتمع المصرى. وقد أسفرت التحركات الأمنية الأخيرة عن ضبط عدد من صناع المحتوى المتهمين ببث مقاطع تتضمن ألفاظًا ومشاهد تُخالف القيم الأسرية والتقاليد الاجتماعية، بغرض جذب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية على حساب الثوابت المجتمعية. وتمكنت الأجهزة المختصة من رصد وتتبع أنشطة هؤلاء المتهمين عبر منصات مثل «تيك توك» مما أدى إلى توقيف عدد من الأسماء البارزة، من بينهم اليوتيوبر «محمد عبد العاطى» و»قمر الوكالة»، و»شاكر محظور»، و»سوزى الأردنية» و»أم سجدة» و «أم مكة» و»علياء قمرون». التحقيقات الأولية كشفت أن الدافع الرئيسى وراء هذه الممارسات كان السعى وراء الشهرة والربح السريع، فيما أظهرت عمليات الضبط أبعادا أخطر شملت حيازة مواد مخدرة، وأسلحة نارية غير مرخصة، فضلاً عن تحويلات مالية مشبوهة من الخارج، ما يسلط الضوء على شبكة أوسع من المخالفات التى تتجاوز حدود العالم الرقمى. فى هذا التقرير، تهتم «الأخبار» بعرض تفاصيل أوسع حول تلك القضايا، من خلال شهادات وتحليلات يقدمها خبراء أمنيون ومصادر مسئولة، تكشف أبعاد الظاهرة وخطورتها على المجتمع، والإجراءات المتخذة لمواجهتها. وفى سياق التقرير، أكد عدد من الخبراء الأمنيين أن ما يُعرف ب«جرائم التيك توكرز» لا يمكن التعامل معه باعتباره مجرد خروج عن النص أو تجاوز سلوكى فردى، بل هو تعدٍّ مباشر على القيم المجتمعية والثوابت الوطنية، ومحاولة ممنهجة لهدم منظومة الأخلاق المصرية الراسخة. اللواء محمد نور، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أوضح أن الشرطة المصرية فى الأساس مكلّفة بحماية الأرواح والأعراض، ولن تتهاون أمام من يسيئون للمجتمع تحت ستار الشهرة أو الحرية الزائفة، مشددًا على أن تلك النوعية من المحتوى تمثل هجومًا سافرًا على القيم الأسرية، وتشويهًا متعمّدًا لصورة المجتمع، فضلًا عن دورها فى إلغاء القدوة ونشر ثقافة التشكيك والانحلال. وقال نور: «الهاتف المحمول أصبح فى أيدى البعض نقمة لا نعمة، وأداة لهدم المجتمع بدلًا من خدمته... لكن الدولة لم تقف مكتوفة الأيدى. لدينا مؤسسات وأجهزة متخصصة تراقب وتضبط وتُقنّن، والتشريعات القانونية التى أقرها مجلس النواب تمنح تلك الأجهزة صلاحيات كاملة فى التعامل مع هذه الانحرافات.» وأضاف: «الحرية المطلقة مفسدة مطلقة. نحن فى دولة قانون، ولن نسمح لأحد بأن يعبث بهوية الوطن أو يُدمّر أخلاق شبابه. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا». مسئولية وطنية من جانبه، شدد اللواء فاروق المقرحي، الخبير الأمنى وعضو مجلس الشيوخ، على أن غياب الردع هو ما شجع بعض صناع المحتوى على الاستمرار فى إنتاج محتوى مبتذل ومسىء للمجتمع، سعياً وراء المال من أى مصدر، سواء كان حلالًا أو حرامًا. وقال المقرحي: «من أمن العقاب أساء الأدب، ولذلك تعاملت الأجهزة الأمنية مع هذه الظاهرة بالحزم اللازم، ولكنى أهيب أن لا نكتفى بضبط من يتم الإمساك به ثم إطلاق سراحه وتغريمه.. هؤلاء لا يملكون أى وازع دينى أو أخلاقى، ويفتقرون إلى أبسط معانى الإخلاص والانتماء للوطن». وأضاف: «نحن لا نُنفرد بالعقوبات كنوع من التشدد، ولكن لأن حماية شبابنا من الانحراف مسؤولية وطنية. الغرامة وحدها لا تكفى، ويجب أن يُواجه هؤلاء بعقوبات مشددة تشمل السجن لفترة لا تقل عن خمس سنوات، وغرامات لا تقل عن مليون جنيه». واختتم المقرحى تصريحه بالتأكيد على أن مواجهة هذه الفئة ضرورة ملحّة لحماية الأجيال القادمة من الانحدار، وللحفاظ على هوية المجتمع المصرى الذى طالما كان قائمًا على القيم والكرامة والانضباط. النرجسية الرقمية وفى نفس السياق قالت د. نيفين حسنى، استشارية علم النفس الرقمى وعضو الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات، إن تأثير ظهور شخصيات مثل سوزى الأردنية التى أعلنت تحقيق أكثر من مليون جنيه فى ساعة رغم حصولها على 50٪ فى الثانوية العامة يعكس أزمة فى مفهوم النجاح لدى الأجيال الجديدة حيث أصبحت الشهرة الرقمية معيارًا بديلاً عن الجهد الحقيقى والعلم والمحتوى المفيد وأضافت أن هذه الظاهرة ترسخ لفكرة أن الربح السريع يمكن تحقيقه من دون قيمة أو إنجاز مما يشكل خطرًا نفسيًا واجتماعيًا على المراهقين الذين قد يشعرون بالإحباط وتشتت الهوية ويفقدون الثقة بأنفسهم ويتجهون لتقليد نماذج تافهة بهدف الشهرة فقط وأكدت أن المتابعة المستمرة لمحتوى بلا هدف تضعف الحس القيمى وتعزز النرجسية الرقمية وتؤدى لانتشار القلق والاكتئاب والانحدار الأخلاقى، مشيرة إلى أن بعض صناع هذا المحتوى يروجون لسلوكيات غير قانونية تحت غطاء الترفيه، ودعت إلى غرس معنى النجاح القائم على القيمة الاجتماعية وتقديم النفع للناس وتسليط الضوء على قدوات حقيقية ملهمة وتحفيز الشباب على العلم والثقافة.