منذ افتتاحها 1869 ظلت قناة السويس حجر الزاوية فى حركة التجارة العالمية، حيث يمر عبرها نحو 12% من التجارة الدولية، بما فى ذلك النفط والحاويات والسلع الاستراتيجية. ولم تكن مجرد ممر بحرى يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، بل أصبحت اختصارًا للمسافات والتكاليف، ومحورًا حيويًا لمكانة مصر فى خريطة النقل البحرى الدولي. ورغم المنافسة المتزايدة من ممرات أخرى مثل قناة بنما ورأس الرجاء الصالح، لا تزال قناة السويس تحتفظ بتفوقها بفضل موقعها الجغرافى الفريد وقدرتها على استيعاب السفن العملاقة بعد مشاريع التطوير الأخيرة. لكن حادثة تعطل الملاحة فى مارس 2021 بسبب السفينة العملاقة «إيفر جيفن» كشفت للعالم مدى هشاشة سلاسل الإمداد أمام أى طارئ، وأكدت أهمية القناة كعامل حاسم فى استقرار الأسواق العالمية. واليوم، ينظر الخبراء، لاسيما الاقتصاديون، إلى قناة السويس باعتبارها ركيزة أساسية للعولمة، ومؤشرًا حساسًا على صحة الاقتصاد الدولي، إذ تعتمد عليها بشكل مباشر اقتصادات آسيا وأوروبا، وتمثل عوائدها مصدرًا استراتيجيًا لمصر، فضلًا عن تأثيرها فى أسعار النقل والتجارة العالمية. شريان التجارة تُعد قناة السويس الجديدة واحدة من أهم الإنجازات الاستراتيجية فى القرن الحادى والعشرين، ليس فقط لمصر، بل للاقتصاد العالمى بأسره. فمنذ افتتاحها فى أغسطس 2015، تحولت إلى محور حيوى فى حركة التجارة الدولية، حيث تمر من خلالها نحو 12% من حجم التجارة العالمية، بما يشمل النفط الخام، والغاز الطبيعي، والحاويات، والسلع الاستراتيجية التى تغذى الأسواق الدولية. تقع القناة فى موقع استراتيجى يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، مما يجعلها أقصر طريق بحرى بين آسيا وأوروبا، ويوفر ما يقرب من 10 إلى 15 يومًا من زمن الرحلة مقارنة بالدوران حول رأس الرجاء الصالح. هذه الميزة جعلتها مركزًا رئيسيًا للعولمة، حيث تمر عبرها السفن الناقلة للنفط من الخليج، والبضائع الصناعية من شرق آسيا، والمواد الخام من إفريقيا، والسلع الغذائية من أوروبا وأمريكا. وبعد مشروع التوسعة الذى أطلق 2014، زادت القدرة الاستيعابية للقناة من 49 سفينة يوميًا إلى أكثر من 97 سفينة، مع تقليص زمن الانتظار والعبور، ما عزز من تنافسيتها أمام الممرات البحرية البديلة. ويؤكد الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس أن القناة الجديدة تمثل أكثر من مجرد ممر مائي، بل هى شريان اقتصادى واستراتيجى يربط بين قارات العالم، ويؤكد مكانة مصر كمحور رئيسى فى التجارة العالمية، وأوضح أن القناة تشهد سنويًا مرور أكثر من 1.4 مليار طن من البضائع، منها نحو 25% من إجمالى الحمولة العابرة تمثلها المواد البترولية، وقرابة 50% حاويات وبضائع مصنعة قادمة من الصين وشرق آسيا، و15% حبوباً وسلعاً غذائية تشمل القمح والذرة والزيوت، و10% مواد خام ومعادن مثل الفحم وخام الحديد والأسمدة والكيماويات. وقال ربيع إن هذه الأرقام تعكس الدور الحيوى للقناة فى استقرار سلاسل الإمداد العالمية، خاصة فى ظل الأزمات الجيوسياسية. الممرات المنافسة رغم وجود ممرات بديلة مثل قناة بنما وطريق رأس الرجاء الصالح، تظل قناة السويس الأكثر كفاءة من حيث المسافة والوقت والتكلفة. فالدوران حول رأس الرجاء الصالح يزيد المسافة بين آسيا وأوروبا بنحو 9600 كيلومتر، ويرفع تكلفة الوقود والتأمين. أما قناة بنما، فتخدم التجارة بين الأمريكتين وآسيا، ولا تنافس قناة السويس فى خط أوروبا-آسيا. حتى طريق القطب الشمالى يظل غير عملى لغالبية السفن بسبب القيود المناخية وضعف البنية التحتية. العالم يتوقف فى مارس 2021، توقفت حركة الملاحة بالقناة لستة أيام بسبب جنوح السفينة العملاقة «إيفر جيفن»، ما أدى إلى خسائر يومية تجاوزت 9 مليارات دولار نتيجة تعطل سلاسل الإمداد وتأخر مئات السفن، وبلغت الخسائر الإجمالية للاقتصاد العالمى نحو 60 مليار دولار. كشفت هذه الحادثة أن أى اضطراب فى القناة ينعكس فورًا على أسعار النفط والسلع وتكاليف الشحن العالمية. لم يكن تطوير القناة مُجرد استجابة للنمو المتسارع فى التجارة العالمية، بل رؤية لتعزيز مكانة مصر كمركز لوجستى عالمي، فقد تضمن المشروع حفر قناة موازية بطول 35 كيلومترًا، وتوسيع وتعميق مناطق العبور، وإنشاء موانئ ومناطق صناعية وخدمات بحرية. وقد رفعت هذه التطويرات عائدات القناة إلى مستوى قياسى بلغ 8.8 مليار دولار عام 2023، مع توقعات بزيادتها فى السنوات المقبلة. التحولات العالمية مع صعود الصين والهند وتزايد الاعتماد على التجارة البحرية، ستظل قناة السويس ركيزة فى النظام التجارى العالمي. كما أن الاتجاه العالمى نحو الطاقة المتجددة والنقل الأخضر يفتح آفاقًا جديدة للقناة لتكون ممرًا صديقًا للبيئة. ويرى الخبراء أن القناة ستظل اللاعب الأقوى فى التجارة بين الشرق والغرب، ولكنها بحاجة دائمة للتحديث ومشروعات التطوير، ويؤكد الدكتور سامى العشرى خبير النقل البحري، أن موقع القناة الفريد يجعل من الصعب على أى ممر منافستها بالكامل، رغم إمكانية الاعتماد المؤقت على ممرات بديلة فى أوقات الأزمات، مثلما حدث فى أزمة «إيفر جيفن». ويقول الدكتور أحمد الشامى مستشار النقل البحري إن قناة السويس ستظل شريانًا استراتيجيًا لا غنى عنه، تربط أوروبا وآسيا فى أقصر وقت، وتمر عبرها أكثر من 12% من التجارة العالمية، و20% من تجارة الحاويات، وأكد الشامى أن مستقبل القناة يرتبط بالاستثمار فى مشروعات التطوير واللوجستيات، وتحويلها من مجرد ممر إلى مركز تجارى عالمي، رغم وجود منافسة مستقبلية من الطرق القطبية، إلا أن تأثيرها سيبقى محدودًا لسنوات طويلة. اقرأ أيضا: أسامة ربيع: نلتزم بالدور المحوري للقناة بتحقيق الاستدامة لسلاسل الإمداد