فى قلب الصحراء الغربية، وعلى بعد كيلومترات قليلة من مدينة الإسكندرية، يقع موقع أبو مينا الأثرى أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية فى مصر والعالم.. ليس مجرد موقع قديم، بل هو شاهد حى على مرحلة مهمة من تاريخ الديانة المسيحية، وعلى قصة إنسان تحول من جندى بسيط إلى قديس ترفع له الصلوات من أنحاء الأرض يعد «أبو مينا» مركزًا مهمًا للحج المسيحى منذ القرن الرابع الميلادى، حيث قصده الزوار من الشرق والغرب طلبًا للشفاء والبركة، بعد أن ذاعت شهرة القديس مينا ومعجزاته، ومن أجلهم بنيت كنائس وبيوت وحمامات للضيافة، ونمت مدينة متكاملة فى قلب الصحراء، جمعت بين الطابع الدينى والمعمارى والفنى، وظلت مزدهرة قرونًا طويلة. لم يكن الزمن رحيمًا بهذا المكان بعد أن تعرض للعديد من التحديات الطبيعية والبيئية حتى صار مهددًا بالخطر، إلا أن الجهود المصرية نجحت فى تحقيق الإنجاز الأكبر التى أسفرت عن استعادة «أبو مينا» لمكانته على الخريطة العالمية من جديد. فى لحظة تاريخية تنبض بالفخر والإشادة، دوّى فى باريس صوت مصر الحضارى، معلنًا انتصارًا جديدًا فى معركة صون الذاكرة الإنسانية، بعد أن أعلنت لجنة التراث العالمى التابعة لليونسكو رفع دير «أبو مينا» الأثرى من قائمة «التراث المهدد بالخطر» إلى قائمة «التراث العالمى الدائم».. هكذا تكللت جهود الدولة المصرية، التى اتحدت فيها أيادى الوزارات والهيئات والكنيسة، بانتصار حضارى وروحى نادر، يعكس جوهر الهوية المصرية الجامعة بين عبق التاريخ وسواعد الحاضر. اقرأ أيضًا | وزير السياحة: أطالب القطاع الخاص بتعزيز جهوده في التسويق واعتمدت لجنة التراث العالمى القرار خلال اجتماعات الدورة ال47 المنعقدة بمقر اليونيسكو فى باريس، بعد استعراض التقرير الصادر عن بعثة الرصد التفاعلى المشتركة بين مركز التراث العالمى والمجلس الدولى للمعالم والمواقع (ICOMOS) لعام 2025، الذى أشاد بأعمال الحفاظ والصون لموقع «أبو مينا» الأثرى، والتى من أبرزها إنشاء نظام رصد ومراقبة فعّال لاستقرار منسوب المياه الجوفية، الذى أثبت نجاحه من خلال القياسات الدورية المستمرة. وكانت منطقة «أبو مينا» تعانى من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، مما أثّر سلبًا على البنية الأثرية، والذى نتج عنه إدراج الموقع على قائمة التراث العالمى المهدد بالخطر فى عام 2001، قبل أن تبدأ مصر فى العمل على مشروع إنقاذ منطقة «أبو مينا» الأثرية منذ نحو 15 عامًا، وتم الانتهاء منه فعليًا. وخلال تلك الفترة تم إنشاء نحو 100 بئر لتجميع المياه الجوفية بعمق 7 أمتار، وطردها عبر مضخات إلى مجارٍ مائية منخفضة بجوار المنطقة الأثرية، مما أدى إلى اختفائها تمامًا. وجاء قرار اليونيسكو بعد التأكد من اكتمال حالة الصون المطلوبة للموقع، أجهزة الدولة المصرية من وزارة السياحة والآثار ووزارة الرى والزراعة والبيئة ووزارة الخارجية ومحافظة الإسكندرية والهيئة الهندسية واللجنة القومية لحماية وحفظ التراث والكنيسة المصرية. وأكد اللواء أركان حرب د. خالد فودة مستشار رئيس الجمهورية للتنمية المحلية ورئيس اللجنة العليا لإدارة وحفظ مواقع التراث العالمى، أن هذا التعاون البنّاء يعكس الإرادة الوطنية فى الحفاظ على التراث المصرى بكل روافده، ويُعد نموذجًا رفيعًا لتكامل الجهود فى صون الهوية الحضارية المصرية. ووجه فودة الشكر لكل أجهزة الدولة التى شاركت فى العمل على صدور القرار، متمنيًا لقائد فريق العمل د. خالد العنانى وزير السياحة والآثار السابق التوفيق فى الانتخابات المقبلة لمنصب مدير عام منظمة اليونيسكو. كما وجه فودة التهنئة لقداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تقديرًا لدوره وجهود الكنيسة فى إنجاح هذا المشروع. وتعد منطقة دير «أبو مينا» أحد أبرز المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية والثقافية الاستثنائية، إذ كانت تُعد المحطة الثانية للحج المسيحى بعد مدينة المقدس، وقد تم إدراج الموقع على قائمة التراث العالمى بمنظمة اليونيسكو منذ عام 1979، تقديرًا لأهميته الدينية والمعمارية للأثر. حيث تم البدء الفعلى لمشروع خفض منسوب المياه الجوفية عام 2019 بقيادة د. خالد العنانى وزير الآثار السابق بعد الانتهاء من جميع الدراسات اللازمة لتحديد الأسلوب الأمثل للتصميم والتشغيل لمنظومة خفض منسوب المياه الجوفية، وتم تشغيله تجريبيًا فى منتصف شهر نوفمبر 2021، وافتتحه د. خالد العنانى عام 2022. وبُنيت مدينة أبو مينا المسيحيّة القديمة على قبر الشهيد السكندرى «مارمينا» المتوفّى عام 296 الميلادى، وحافظت على ما فيها من كنيسة وبيت عماد وبازيليك ومؤسسات عامة وشوارع وأديرة ومنازل ومشاغل، وتعرف بالمنطقة الأثرية، ويجرى العمل على وضع خطة للترويج السياحى لاجتذاب الزوار.