سميحة شتا فى أول لقاء رسمى يجمع طهران بالقوى الغربية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، انطلقت فى إسطنبول يوم الجمعة الماضى جولة جديدة من المفاوضات النووية بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا). وتأتى هذه المحادثات وسط تصعيد إقليمى متسارع، وتزايد الضغوط الدولية بشأن البرنامج النووى الإيراني. وقد أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني، كاظم غريب آبادي، فى ختام مباحثات إسطنبول أن بلاده أجرت «نقاشا جادا وصريحا»، وأوضحت مواقفها المبدئية للأوروبيين. اقرأ أيضًا| إيران تتفق مع الترويكا الأوروبية على استئناف المفاوضات النووية الأسبوع المقبل وأضاف نائب وزير خارجية إيران: «اتفقنا مع القوى الأوروبية على استمرار المشاورات». وجاء هذا العرض مشروطًا بموافقة طهران على استئناف المحادثات مع واشنطن والتعاون الكامل مع مفتشى الأممالمتحدة النوويين، وفقا لصحيفة «فايننشال تايمز». ويتعيّن على الدول الأوروبية الثلاث، الموقعة على الاتفاق النووى المُبرم فى عام 2015 والذى انهار بعد انسحاب الرئيس الأمريكى دونالد ترمب من جانب واحد خلال فترة ولايته الأولى، أن تقرر ما إذا كانت ستفعّل آلية «سناب باك». وقد حذرت الدول الثلاث بشكل متكرر من أنها ستلجأ إلى هذه الآلية إذا فشلت الجهود الدبلوماسية فى كبح برنامج إيران النووي، الذى شهد توسعاً كبيراً بعد انسحاب ترمب وفرضه عقوبات أمريكية مشددة على طهران. وفى محاولة لخفض التصعيد، قال دبلوماسيون غربيون رفيعو المستوى ل»فاينانشيال تايمز»، إن الدول الأوروبية الثلاث، تقترح تمديد المُهلة المحددة للعقوبات الأممية لعدة أشهر. ومع تولى روسيا، الحليفة لإيران، رئاسة مجلس الأمن فى أكتوبر، تعتبر الدول الأوروبية أن نهاية أغسطس تمثّل الفرصة الأخيرة الفعلية لتفعيل آلية العقوبات قبل أن يتغير توازن القوى فى المجلس. اقرأ أيضًا| واشنطن - تل أبيب - طهران|واشنطن.. جدل حول نجاح الضربة بين ترامب والكونجرس فى المقابل، حذر بعض النواب المتشددين فى البرلمان الإيرانى من أن طهران ستنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إذا تم إعادة فرض عقوبات الأممالمتحدة. على الرغم من التوترات، أعلن آبادى عن وصول فريق فنى جديد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران فى الأسابيع المقبلة للتفاوض بشأن «نموذج جديد» للتعاون، مع التأكيد على أن ذلك لن يمنح المفتشين حق الوصول إلى المنشآت النووية. وتشكل الترويكا الأوروبية، ومعها الصينوروسيا، الأطراف المتبقية فى الاتفاق النووى المبرم عام 2015 مع إيران، والذى وقّعته أيضًا إدارة أوباما والصينوروسيا والاتحاد الأوروبي. يتضمن الاتفاق إجراءً يسمح بإعادة فرض ما يُسمى بالعقوبات السريعة على إيران فى حال انتهاكها للأحكام النووية. وكان ترامب قد انسحب من الاتفاق خلال ولايته الأولى. كانت الحكومات الأوروبية تأمل أن يُجبر التهديد بتجديد العقوبات، التى رُفعت قبل عشر سنوات، إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وكان هدفها إقناع طهران باستئناف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهى الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، بعد تعليقها الشهر الماضي، والحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم أو القضاء عليها كليًا. اقرأ أيضًا| وزير خارجية إيران: لا قبول بأي اتفاق لا يعترف بحق طهران في التخصيب قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على مواقع التواصل الاجتماعى يوم الجمعة قبل الماضي، بعد يوم من حديثه مع وزراء خارجية الدول الأوروبية وكاجا كلاس، مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: «الولاياتالمتحدة هى من انسحبت من اتفاق تفاوضى استمر عامين، نسقه الاتحاد الأوروبى عام 2015، وليس إيران». وأضاف عراقجى أن الأوروبيين لا يملكون أى «أساس أخلاقى وقانوني» لإعادة فرض عقوبات الأممالمتحدة. لكن أوميد ميماريان، الخبير فى الشئون الإيرانية فى منظمة «داون»، وهى مؤسسة بحثية مقرها واشنطن تُركز على السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، قال إن التهديد الأوروبى كان كبيرًا، حتى لو لم تكن الولاياتالمتحدة متورطة. وأضاف: «أن منع الدول الأوروبية من تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات أمر بالغ الأهمية لإيران». وقال ميماريان إنه فى حال إعادة فرض العقوبات، ستواجه طهران ضغوطًا اقتصادية شديدة ووضعًا أمنيًا محفوفًا بالمخاطر بشكل متزايد. وأضاف: «فى مثل هذا السيناريو، قد يدفع المتشددون داخل النظام نحو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهى خطوة قد تفسرها إسرائيل على أنها ضوء أخضر لجولة أخرى من الضربات العسكرية». وقبل الحرب الإسرائيلية الإيرانية، عقدت طهرانوواشنطن خمس جولات من المحادثات النووية بوساطة عُمانية، لكنهما واجهتا عقبات رئيسية، مثل تخصيب اليورانيوم فى إيران الذى تسعى القوى الغربية إلى خفضه إلى الصفر للحد من أى خطر للتسليح. وقبل الضربات الأمريكية، كانت إيران تخصب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%. ويمكن بسهولة رفع نقاء هذا اليورانيوم إلى نحو 90%، وهى درجة نقاء تسمح بتطوير الأسلحة. وتقول طهران إن برنامجها النووى مخصَّص للأغراض المدنية فقط. ومن جانبها، تقول القوى الغربية إنه لا يوجد مبرر مدنى للتخصيب إلى هذا المستوى. أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلى هيئة رقابية فى الأممالمتحدة، فتؤكد أنه لا توجد دولة أخرى خصبت اليورانيوم إلى هذا المستوى دون إنتاج أسلحة نووية. بالنظر إلى التعقيدات المتزايدة فى الملف النووى الإيراني، يظهر جليًا أن مستقبل هذا الملف بات مرهونًا بمزيج معقّد من الحسابات السياسية والأمنية والدبلوماسية، تتجاوز طهران وخصومها إلى توازنات القوى داخل مجلس الأمن ومصالح اللاعبين الدوليين. وبينما تحاول أوروبا كبح التصعيد عبر التلويح بالعقوبات وتقديم حوافز مشروطة، تصر إيران على الدفاع عن «حقها السيادي» فى تطوير برنامج نووى لأغراض «مدنية»، وسط تصاعد خطابها المتشدد داخليًا وتلويحاتها بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار. وفى ظل استمرار غياب الثقة، وانهيار آليات الردع والرقابة الفاعلة، تبقى المنطقة على شفا أزمة أوسع، قد تتجاوز حدود السياسة والدبلوماسية إلى مواجهة مفتوحة، ما لم تتوافر إرادة دولية حقيقية لإعادة ضبط مسار هذا النزاع ضمن إطار تفاوضى شامل ومستدام.