كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، عن تصاعد المخاوف الأوروبية من تحول الصين إلى استخدام المعادن النادرة كسلاح اقتصادي، على غرار ما فعلته مع الولاياتالمتحدة خلال حرب التجارة الأخيرة. وبينما تُحكم بكين قبضتها على سلاسل التوريد العالمية لتلك العناصر الحيوية، تسابق بروكسل الزمن لتأمين بدائل وتفادي الوقوع في فخ الاعتماد الكامل على العملاق الآسيوي. اقرأ أيضًا| سلاح بكين الصامت.. كيف قلبت الصين الطاولة في معركة ترامب التجارية؟ أفاد تقرير لمجلة «فورين بوليسي»، أن الصراع التجاري المرير بين واشنطنوبكين بشأن المعادن النادرة، والتي تُعد مكونات حيوية في الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة، أثار قلقًا أوروبيًا متزايدًا من احتمال تعرض القارة لنفس سلاح الضغط. وأوضح التقرير ذاته، أن سنوات طويلة من الاستثمار الصيني المكثف في قطاع المعادن النادرة منحت بكين سيطرة شبه كاملة على سلاسل التوريد العالمية، إذ تستحوذ على 85% من عمليات المعالجة وأكثر من 90% من إنتاج المغناطيسات النادرة عالميًا. وعندما أشعل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (خلال ولايته السابقة) فتيل الحرب التجارية مع الصين عام 2018، ردّت بكين بفرض قيود صارمة على تصدير تلك المعادن، في رسالة ردع موجهة ليس فقط إلى واشنطن، بل إلى كل شركاء الصين التجاريين. أوروبا تحت التهديد نفسه أكدت الخبيرة إيلاريا ماتسوكو من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن أوروبا تُدرك تمامًا أنها قد تكون الهدف التالي، قائلة: "إذا كانت الصين قادرة على استخدام هذا السلاح ضد الولاياتالمتحدة، فهي قادرة على تكرار الأمر مع أي طرف آخر". وتوقعت المجلة الأمريكية ذاتها، أن تبرز هذه المخاوف بوضوح خلال قمة الاتحاد الأوروبي الصين هذا الأسبوع في بكين، حيث من المُقرر أن يلتقي رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء لي تشيانج، لبحث سبل الحصول على إمدادات موثوقة من المعادن النادرة. وصرّح توم مورنهوت، مدير مبادرة المواد الحرجة بجامعة كولومبيا، أن الاتحاد الأوروبي يسعى للحصول على سلاسل توريد أكثر استقرارًا من الصين، مضيفًا: "أوروبا لا تريد أن تكون طرفًا في معركة الملاكمة بين الصينوالولاياتالمتحدة". تباين الرؤى يُخيم على العلاقات رغم احتفال القمة بمرور 50 عامًا على العلاقات بين بروكسلوبكين، إلا أن الأجواء مشحونة بسبب خلافات مُتراكمة، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، وتزايد صادرات السيارات الكهربائية الصينية إلى أوروبا، ما يُثير قلق الأسواق الأوروبية. ولم تقتصر الضغوط على الصين فقط، بل يعاني الاتحاد الأوروبي أيضًا من ارتباك داخلي نتيجة التوترات السياسية، إضافةً إلى آثار سياسات إدارة ترامب السابقة، التي أضرت بالعلاقات عبر الأطلسي، كما أشارت ماتسوكو بقولها: "أوروبا تشعر بأنها محاصرة من جميع الاتجاهات". تزايد التوتر بين الجانبين في الأسابيع الأخيرة مع تبادل الانتقادات بشأن العقوبات الأوروبية، والحرب الروسية الأوكرانية، وسياسات الصين الصناعية، وردت فون دير لاين بتصريحات حادة، مطالبة ب"إعادة توازن حقيقي" في العلاقة، يشمل إنهاء التشوهات في السوق وضمان الوصول العادل للأسواق الصينية. اقرأ أيضًا| أوروبا تدخل «لعبة الدجاجة» مع ترامب.. والرد قد يكلف أمريكا 72 مليار يورو بكين: على أوروبا التكيّف مع الواقع من جهتها، ترى الصين أن على أوروبا مراجعة مواقفها تجاه كل من بكينوواشنطن، وقالت يون صن، مديرة برنامج الصين بمركز ستيمسون، إن بكين تعتقد أن أوروبا لا تستطيع التعامل معها كعدو، وأن عليها "أن تتصالح مع الواقع". وركّز التقرير، على أن ضعف أوروبا الأكبر يتمثل في اعتمادها الواسع على الصين في المعادن النادرة. فخلال السنوات الأخيرة، بدأ الاتحاد الأوروبي مُحاولة تنويع مصادره عبر مشاريع محلية وشراكات عالمية، منها تشريعات جديدة مثل "قانون المواد الخام الحرجة" الذي يهدف لتقليل الاعتماد على الصين في الاستخراج والمعالجة وإعادة التدوير. أوضحت مجلة فورين بوليسي، أن العقوبات الصينية الأخيرة ضد واشنطن، والتي سبّبت اضطرابات كبيرة في السوق الأمريكية، كانت بمثابة إنذار واضح لأوروبا، وهو ما دفع بروكسل لتسريع خططها، وفي هذا السياق، أعلنت فون دير لاين من اليابان عن "تحالف تنافسي" جديد مع طوكيو لتأمين مصادر بديلة للمعادن النادرة. ورغم كل هذه الجهود، أشار التقرير إلى أن تحدي الصين في هذا المجال ليس سهلًا، فقد سمح لها تقدمها التاريخي بالسيطرة على السوق والتأثير على الأسعار وطرد المنافسين، مما جعل بناء سلاسل توريد بديلة أمرًا مُعقدًا ومُكلفًا للغاية. تعقيدات أوروبية داخلية تُواجه أوروبا عقبة إضافية تتمثل في التنسيق بين دولها الأعضاء ذات الأولويات المختلفة، واستشهد التقرير بتجربة عام 2022 حين أجبرت أزمة الغاز الروسي بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، الأوروبيين على التخلي فجأة عن الاعتماد على موسكو، رغم أنهم تحركوا ببطء شديد قبل الأزمة. واختتم توم مورنهوت بتصريح حاسم قال فيه: "إن الخوف هو أن أوروبا، كما نعرفها، تتحرك ببطء شديد حتى تقع الكارثة، ثم تبدأ في التحرك بسرعة، لكن هذا البطء في مواجهة التبعية للمواد الخام قد يُكلفها الكثير". وفي ظل ما تعرّضت له واشنطن، ترى أوروبا أن الرسالة الصينية واضحة، والتي تتمثل في أن «بكين قادرة على إلحاق ضرر بالغ بالشركات الأوروبية»، ما جعل ملف المعادن النادرة يتحول من قضية تجارية إلى أولوية أمن قومي. اقرأ أيضًا| تحليل| من يربح في معركة العقوبات.. روسياوالصين أم السوق الأمريكي؟