الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    تعزيز نفوذ حفتر وأبناءه بشرق لبيبا .. السيسي يتجاهل الأمن القومي المصري على الحدود لصالح الأجندة الإماراتية    عمر مرموش ينشر صورا من حفل خطوبته    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    نجم ليفربول السابق يدعم محمد صلاح في أزمته    اليمن.. غارتان أمريكيتان تستهدفان عناصر من القاعدة فى مأرب    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    مرموش ينشر صورا مع خطيبته جيلان الجباس من أسوان    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    تحذير من كارثة إنسانية فى غزة |إعلام إسرائيلى: خلاف كاتس وزامير يُفكك الجيش    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    وزير الخارجية الصيني: دعم ما يُسمى "استقلال تايوان" ينتهك الدستور والقانون الدولي    وزير الاستثمار يبحث مع اتحاد المستثمرات العرب تعزيز التعاون المشترك لفتح آفاق استثمارية جديدة في إفريقيا والمنطقة العربية    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    مانشستر يونايتد يستعيد توازنه برباعية في وولفرهامبتون متذيل الدوري الإنجليزي    تقرير: برشلونة ينافس ليفربول على نجم أتالانتا    فى أجواء مثالية.. مركز المنتخبات الوطنية يستضيف المعسكر الختامي لمنتخب مصر الأول استعدادًا لأمم إفريقيا    اليوم، جنايات الإسكندرية تنظر محاكمة المتهم بالتعدي على التلاميذ بإحدى المدارس الدولية    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    استدرجه للموت.. عامل يواجه الإعدام بعد جريمة الخصوص    طليقته مازلت في عصمته.. تطور جديد في واقعة مقتل الفنان سعيد مختار    خروج عربات قطار روسي عن القضبان بين بشتيل وبولاق الدكرور وتعطّل جزئي بحركة القطارات    جهود فورية لرفع تراكمات المياه وتيسير حركة المرور في القاهرة والجيزة| صور    الزراعة: الثروة الحيوانية آمنة.. وأنتجنا 4 ملايين لقاح ضد الحمى القلاعية بالمرحلة الأولى    لدعم الصناعة.. نائب محافظ دمياط تتفقد ورش النجارة ومعارض الأثاث    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    رئيس قطاع المتاحف يعقد اجتماعًا موسعًا لبحث إثراء العرض المتحفي بالمتحف المصري بالقاهرة|صور    الأوقاف تنظم أسبوعًا ثقافيًا بمسجد الرضوان بسوهاج | صور    قصور الثقافة تُطلق الملتقى الحادي عشر لمناهضة العنف ضد المرأة بمطروح    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    الدوري الإيطالي | بارما يخطف الفوز.. وجنوى يتألق خارج الديار.. وميلان يحسم قمة تورينو    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    محافظ القليوبية يناقش الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي لمنطقتي العكرشة الصناعية وأرض جمعية    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية في زمن قياسي    افتتاح فيلم «الست» في الرياض بحضور نخبة من نجوم السينما| صور    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    مباراة حاسمة اليوم.. عمان تواجه جزر القمر في كأس العرب 2025 مع متابعة مباشرة لكل الأحداث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«التريند».. شاهد إثبات!
7جرائم كشفت الوجه القبيح للسوشيال ميديا.. و«البحوث الجنائية» يدق ناقوس الخطر


محمد ناصر فرغل
دراسة حكومية: شهود العيان وصانعو المحتوى شركاء سلبيون فى الظاهرة
المنصات تنشر الجريمة.. وروادها يبحثون عن «لايكات» فوق الجثث!
أبناء «بلا تربية» نتيجة طبيعية لآباء «بلا أهلية».. و«الدفء العائلى» اُستبدل ب«الصمت الرقمى»
المخدرات التخليقية سبب حادثة الإسماعيلية.. وحروب الجيل
الخامس والسادس
تهدم المجتمع
«منشن فيسبوك» للداخلية و«واتس آب» النيابة العامة.. أسلحة المواطنين الإلكترونية
أقصر طريق للعدالة لم يعد يمر بالمحاكم أو أقسام الشرطة فحسب، بل بات يمر أحيانًا عبر تعليق ساخط أو «منشن» موجه إلى صفحة وزارة الداخلية أو رسالة عبر «واتس آب» للنيابة العامة.. لم تعد الجرائم محصورة فى الشوارع المعتمة؛ بل انتقلت إلى فضاء افتراضى مفتوح، حيث ترتكب الجرائم على مرأى من الجميع موثقة بالصوت والصورة، يتم عرضها على الجماهير فى بث مباشر.. هنا، تتحول الهواتف المحمولة إلى أدوات توثيق، بينما تصبح المنصات الرقمية ساحات محاكمة شعبية، ومسرحًا علنيًا لعرض مظاهر العنف والانحراف.
كشفت دراسة حديثة صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن 7 أنماط من الجرائم التى تتغذى على الفضاء الرقمي، أبرزها: الابتزاز العاطفي، والترويع اللفظي، والعنف الجسدى المصور، واستخدام الحسابات المزيفة فى الإساءة، والانتحار الرقمى عبر فيديوهات صادمة تتصدر المشهد على «السوشيال ميديا».
اللافت فى مشهد الجريمة اليوم أن المجتمع بات لديه حس نقدى تجاه ما يشاهده على الشاشات، ويتساءل كيف تؤثر صورة العنف التى تُقدَّم كترفيه فى وعى أبنائه؟ هل لمشهد واحد فى مسلسل، أو أغنية شعبية مليئة بالشتائم، دورٌ فى إعادة تشكيل الحدود بين المسموح والمرفوض؟.
وعبر وعى الدولة والمواطن، تتحول منصات التواصل الاجتماعى إلى ما يشبه شاشة مراقبة شعبية، ترصد لحظة بلحظة استعراضات البلطجة والترويع، من واقعة «شهاب» الذى هدد طبيبًا على طريق الأوتوستراد، إلى مشهد الطفل المكبل داخل منزل أصدقائه فى كفر الشيخ، إلى فيديوهات صادمة لشباب يستعرضون أسلحة بيضاء أمام المارة.. عشرات الجرائم لم يُكشف عنها من بلاغات تقليدية، بل من استغاثات إلكترونية، وتعليقات تحمل جملة واحدة: «حد يعمل منشن لصفحة وزارة الداخلية».
وهنا برز دور حاسم للمركز الإعلامى لوزارة الداخلية، الذى تحول إلى عين يقظة تتابع ما ينشر على فيسبوك، وتتحرك فورًا مع كل منشور تتداوله الصفحات أو ترفقه الجماهير بمنشن مباشر للصفحة الرسمية؛ فكثير من الوقائع جرى التعامل معها خلال ساعات، بعض الجناة ضبطوا قبل أن تطفأ كاميراتهم، وكل ذلك دون أن تغادر البلاغات إطار الشاشة. كذلك الحال للنيابة العامة التى خصصت رقمًا للمواطنين يبلغون من خلاله عن أى جرائم يشهدونها.
فى هذا التحقيق، نرصد هذا الوجه المزدوج: من جهة، الجرائم التى تتكاثر داخل الزيف الرقمي، وتمارس خلف الشاشات أو أمام الكاميرات دون وعى بعواقبها القانونية والاجتماعية، ومن جهة أخرى، يقظة أمنية تتعامل بجدية مع «بلاغات المنشن» كما تتعامل مع البلاغات الرسمية، لتعيد فرض سلطة القانون فى فضاء ظنه البعض بلا رقابة.
أبرز الجرائم
فى البداية، أكدت د. هالة رمضان، رئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن المركز أنهى دراسة معمقة عن أبرز الجرائم التى هزّت الرأى العام المصرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك ضمن فعالية بحثية احتضنها المركز عام 2024.
وأوضحت أن الدراسة ركّزت على 7 جرائم بارزة كانت محط متابعة إعلامية ومجتمعية مكثفة، منها حادثة ذبح شاب الإسماعيلية التى سار خلالها الجانى فى الشارع حاملًا رأس ضحيته فى مشهد صادم وغير مسبوق، وحادثة قتل فتاة والدتها فى بورسعيد بمساعدة خطيبها، وكذلك جريمة نيرة أشرف فى المنصورة، والحادثة المشابهة لها فى محافظة الشرقية، إلى جانب واقعة الأب الذى أجهز على أسرته بالكامل. وأضافت أن الباحثين استندوا إلى مقابلات دقيقة مع أطراف متعددة، شملت شهود العيان، وأقرباء المجنى عليهم، وأفراد من دوائر الجناة.
ولفتت د. هالة إلى أن شهود العيان-أو المارة-كانوا دائمًا لاعبًا رئيسيًا فى تشكيل المشهد، إما بدور إيجابى فى التدخل أو النجدة، أو بدور سلبى فى الاكتفاء بالتصوير، أو نقل الوقائع بشكل مشوّه إلى وسائل التواصل، مما ساهم فى إشعال حالة من الغليان العام، ونشر معلومات خاطئة على نطاق واسع.
خطورة المعلومات المغلوطة
وأشارت إلى أن الدراسة كشفت، من خلال تحليلها العلمى لعدة جرائم، عن خطورة المعلومات المغلوطة المنتشرة على السوشيال ميديا، وضربت مثالًا بقضية هتك عرض طفل داخل إحدى المدارس، والتى اتهمت فيها المنشورات المتداولة موظفة ومديرة المدرسة زورًا، بينما انتهت التحقيقات إلى إدانة شخص واحد فقط، دون توجيه أى اتهام رسمى لبقية الأسماء التى جرى تداولها شعبيًا، فى نموذج فجّ للانفلات المعلوماتي.
وأضافت أن فرق البحث اعتمدت على خبراء فى علم النفس الجنائي، وعلم الجريمة، وخلصت جميع الدراسات إلى نتيجة حاسمة: العلاقات بين الجناة والمجنى عليهم لم تكن عشوائية، بل ارتبطت بمعرفة سابقة، أو علاقة عاطفية، أو صداقة، أو حتى روابط أسرية، مما يعكس عمق الأزمة داخل البنية الاجتماعية نفسها.
سمات مشتركة
وأوضحت رئيسة المركز أن الدراسة خرجت بنتائج رئيسية، تمثل السمات المشتركة للجرائم المدروسة أولها؛ وهن شديد فى العلاقات الاجتماعية، وفقدان الروابط الأسرية المتماسكة، وضغوط الحياة اليومية، وما تفرزه من عنف مكبوت، كذلك تعاطى المخدرات، كعامل مشترك فى العديد من الجرائم، والعلاقات العاطفية غير الناضجة، التى تنتهى غالبًا بفشل درامى أو مأساوي، والاضطرابات النفسية غير المشخّصة أو غير المعالجة، وأخيرًا الدور السلبى العنيف لوسائل التواصل الاجتماعي، التى تحولت من أداة للتواصل إلى منبر لإشاعة الفوضى ومطاردة «التريند» بأى ثمن.
إثارة صناع المحتوى
وشددت على أن صُناع المحتوى لا يتحرّكون بحثًا عن الحقيقة، بل عن الإثارة، مستغلين العناوين الصادمة والمعلومات الملفقة لجذب التفاعل، دون أى اعتبار للضحايا أو للمجتمع، بل فقط لعدد «اللايكات» و»الشير» والمكاسب المادية. وفى ختام تصريحاتها، أكدت د. هالة أن المركز أوصى فى دراسته بضرورة تكاتف مؤسسات الدولة، مع مراجعة عاجلة للتشريعات القائمة لمواجهة هذا النوع من الجرائم المركبة، مطالبة بسنّ قانون لحماية الشهود، وضبط إيقاع منصات التواصل الاجتماعى قانونيًا، لحماية المجتمع من انفلات المعلومات، وإعادة الثقة فى المسارات الرسمية للعدالة والحقائق.
وقالت رئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن المركز لا يكتفى بإجراء الدراسات والأبحاث فقط، بل يضطلع بدور مجتمعى فاعل من خلال تقديم دورات تدريبية وبرامج توعوية موجهة فى مختلف محافظات الجمهورية، بهدف الوقاية من الجريمة، وكشف أنماطها، والحد من انتشارها. وأكدت أن تلك البرامج تستهدف فئات متنوعة من المواطنين، وتُنفذ بالتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية، لنشر ثقافة الوعى القانونى والاجتماعي، وتحقيق الأمن المجتمعى من جذوره.
تعدد أساليب الجرائم
ومن جانبه، أكد د. فتحى قناوي، أستاذ علم الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الجريمة لم يعد ينحسر نوع منها فى نطاق جغرافى معين، موضحًا أن تعدد أساليب ارتكاب الجريمة ذاتها هو ما أسهم فى انتشارها وتغلغلها فى كافة أرجاء المجتمع.
وأشار إلى أن الجرائم المالية مثل الابتزاز الإلكتروني، التى كانت تتركز فى محافظات بعينها، لم تعد حكرًا على منطقة دون أخرى، بل أصبحت تنتشر أفقيًا بفعل العولمة الرقمية. وأضاف أن المجرمين لم يعودوا يتوارثون طرق الجريمة فحسب، بل باتوا يتعلمونها ويتبادلونها من خلال الإنترنت، حيث تتوفر أدوات ووسائل رقمية تتيح لهم التخطيط والتنفيذ بسهولة فائقة.
وأوضح أن منصات التواصل الاجتماعى أصبحت من أبرز العوامل التى تساهم فى اتساع رقعة الجريمة، ليس فقط بسبب ما تتيحه من أدوات، بل لأنها أذابت الحدود التقليدية بين البيئات وأنماط السلوك المختلفة، فلم يعد هناك تمييز واضح بين الأفراد بحسب طباعهم أو بيئاتهم.
غياب القوى الناعمة
ورأى قناوى أن غياب القوى الناعمة التقليدية-كالمدرسة، والبيت، والإعلام-ترك فراغًا خطيرًا ملأته السوشيال ميديا، فتحوّلت إلى «سلاح ذو حدين»؛ تُستخدم أحيانًا فى التوعية، لكن فى كثير من الأحيان تُستخدم لترويج الجريمة والسلوكيات السلبية، بل وتضفى على المجرم طابعًا بطوليًا أو ضحية مضلَّلة.
وأشار إلى أن الانحدار الأخلاقى بين الأطفال والمراهقين لم يبدأ من لحظة معينة، بل كانت له جذور ممتدة، ضاربًا مثالًا بمسرحية «مدرسة المشاغبين» التى رسّخت نماذج سلوكية منحرفة فى إطار ساخر، لكنها تركت أثرًا طويل المدى فى وعى أجيال متتابعة.
وانتقد قناوى غياب الدور التربوى الحقيقى فى البيوت، متسائلًا: كيف نُربى الأولاد فى وقتٍ يحتاج فيه بعض الآباء والأمهات أنفسهم إلى تربية وإعادة تأهيل قيمي؟ مؤكدًا أن بناء الأسرة يجب أن ينطلق من اختيار شريك حياة مؤهل نفسيًا وأخلاقيًا، وأن الزيجات القائمة على أسس هشّة تُنتج نتائج كارثية.
أسباب انحرافات الأبناء
وأضاف أن أحد أبرز أسباب الانحرافات لدى الأبناء هو غياب الرقابة الأسرية، إما بسفر الأب للعمل فى الخارج، أو بانشغاله المفرط بتأمين «لقمة العيش»، ما يترك فراغًا تربويًا خطيرًا فى ظل تراجع دور المدرسة وانعدام الرقابة داخل البيوت.
وتابع قائلًا: «الأخلاق اختفت من البيوت والمدارس، ولم يعد هناك ذلك الدفء العائلى المعروف، فقد تراجعت التجمعات الأسرية، وحلّ مكانها صمت رقمي؛ حيث يجلس الجميع حول طاولة واحدة، لكن كل فرد منهم منغمس فى هاتفه».
ولفت قناوى إلى أن الثراء المفاجئ أو كثرة المال فى أيدى الشباب-دون رقابة أو توجيه-يشكّل محفزًا قويًا على تعاطى المخدرات وارتكاب الانحرافات، مؤكدًا أن هذه الانحرافات تُعد البوابة الرئيسية لنحو 90% من الجرائم فى المجتمعات.
انتشار المخدرات
كما حذّر من الانتشار السريع ل»المخدرات التخليقية»، التى تُصنَع محليًا بوسائل بسيطة ومنتشرة، مما يجعل الحصول عليها أكثر سهولة من أى وقت مضى، مؤكدًا أن هذه المواد تُغيّب العقل وتُمهّد لارتكاب الجرائم دون وعي.
وأشار إلى خطورة «تقليد الجرائم»، إذ أصبح بعض الشباب والمراهقين يستلهمون تفاصيلها من مشاهد درامية أو محتويات رقمية منحرفة، ويتعاملون معها كأفعال قابلة للتكرار، لا كجرائم مستوجبة الردع.
وأكد أن ما نواجهه اليوم يتجاوز كونه مجرد انحرافات فردية، بل هو معركة مفتوحة ضمن ما يُعرف ب»حروب الجيل الخامس والسادس»، التى تستهدف الدول من الداخل عبر تفكيك القيم، ونشر الفوضى، وتغييب وعى الشباب، واغتيال طموحاتهم.
واعتبر أن ما يحدث هو «اغتيال ناعم» لجيل بأكمله، محذّرًا من التهاون فى مواجهته، لأن تركه دون مقاومة يعنى تسليم المجتمع للمجهول.
وشدّد على ضرورة وقف الأعمال الدرامية الشاذة التى تروّج للعنف والانحرافات الأخلاقية، وتُظهر المجرم فى صورة جذابة أو رومانسية، مطالبًا برقابة صارمة لا تكتفى بالحذف، بل تُراجع المضامين من جذورها، وتعيد تشكيل الذوق العام.
وفى الختام، دعا قناوى إلى مواجهة هذا الانحدار القيمى بتشريعات قوية، وإعلام مسؤول، وتكاتف مجتمعى يعيد بناء الثقة ويحصّن الأجيال، قبل أن تتحوّل الحياة اليومية إلى مجرد محتوى استهلاكى رخيص على الشاشات.
مخاطر السوشيال ميديا
ومن جانبه، أكد اللواء محمد كامل، الخبير الأمني، أن منصات التواصل الاجتماعى أصبحت ساحة مفتوحة لتسليط الضوء على الجرائم، لكنها فى الوقت نفسه تُساهم-دون وعى-فى نشرها والترويج لها، مشيرًا إلى أن السوشيال ميديا تحوّلت إلى ساحة للفضائح، وصناعة التريند، وجذب المشاهدات عبر الشائعات والأكاذيب، فى ظل غياب ميثاق شرف إعلامى أو قوانين منظمة لهذا النمط الجديد من التفاعل.
وأضاف أن المواجهة لا تتعلق بالقانون وحده، بل تبدأ من نشر ثقافة الوعى بين المواطنين، وهذا يتطلب دورًا محوريًا للإعلام الوطنى فى التوجيه، وتحديد «الخطوط الحمراء» لما يمكن تداوله أو مشاركته. وقال: «ما نراه اليوم على السوشيال ميديا هو موضة قذرة، محتاجة وقف حازم».
جرائم شاذة
وأشار كامل إلى أن الجرائم الشاذة لم تعد محصورة فى أماكن بعينها، بل باتت ظاهرة ممتدة، فى ظل غياب الوعى داخل بعض البيوت، موضحًا أن التربية السليمة تقوم على محورين؛ التوجيه والقدوة، والاكتساب من البيئة، لكن للأسف فى بعض المناطق الفقيرة، الشارع هو من يربى الأطفال، لا الأسرة.
وضرب مثالًا بجريمة الإسماعيلية التى أقدم فيها شاب على ذبح آخر وسار برأسه فى الشارع، مشيرًا إلى أن الجانى كان مدمنًا لما يُعرف ب»الشابو»، أحد المخدرات التخليقية الخطيرة، والتى تؤدى إلى تغييب كامل للعقل والإرادة، ويصل متعاطيها إلى التفاخر بالفعل الإجرامى دون إدراك للكارثة.
وتحدث كذلك عن جريمة كفر الشيخ، التى أقدم خلالها 3 أطفال على قتل طفل بعد خطفه وتقييده داخل منزل أحدهم، مؤكدًا أن الدوافع ما زالت غامضة، لكنها-وفق تحليلاته-لن تخرج عن تأثير مباشر لمخدرات جديدة أو محتوى عنيف عبر الإنترنت.
سيكولوجية المواطن
واختتم الخبير الأمنى تصريحاته بالقول إن سيكولوجية المواطن المصرى تغيرت، لكن فى المقابل هناك أيضًا جانب إيجابى لا يمكن تجاهله، يتمثل فى وعى جديد بدأ يظهر بقوة على نفس المنصات التى تنشر الفوضى، إلى جانب جهود الدولة التى توفر منصات توعية عبر مؤسساتها، بالإضافة إلى دور الإعلام القومى فى التوجيه والإرشاد، واستعادة ثقافة الصواب والخطأ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.