بالإرث الثقافى العريق وتطلعات التجديد، يتحرك المجلس الأعلى للثقافة بخطى واثقة نحو رسم ملامح مرحلة جديدة من العمل الثقافي، تسعى إلى ترسيخ الهوية والانفتاح على المستقبل، وفى ظل التحولات التى يشهدها المشهد الثقافى المصري، يأتى تشكيل اللجنة العليا للمجلس الأعلى للثقافة كمحطة لافتة تستدعى التوقف والتأمل، خصوصًا فى ضوء تنوّع الخلفيات والخبرات، وتعدد وجهات النظر التى رافقت الإعلان عن الأسماء..إذ لم يخلُ المشهد من تساؤلات بين الأوساط الثقافية حول طبيعة ومعايير الاختيارات، ومدى تمثيلها للفئات المختلفة، ومساحة التفاعل المنتظرة بين المجلس والمثقفين الفاعلين على الأرض، ومع ذلك، فإن التقييم الموضوعى لتشكيل المجلس الجديد لا يمكن أن يكتمل إلا بفهم الرؤية التى تحكم خطواته، والاستراتيجية التى ستقوده خلال الفترة المقبلة. التقت «الأخبار» د. أشرف العزازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، فى حوار صريح يسلط الضوء على كواليس المرحلة المقبلة، ويكشف ملامح التوجه المؤسسى الجديد، من مصير اللجان النوعية وآلية عملها، إلى موعد إعلان جوائز الدولة، ورؤية المجلس المستقبلية، وذلك فى حديث يتجاوز ردود الأفعال ليرسم صورة متكاملة لما يجرى خلف الكواليس، ويؤكد أن كل قرار يُتخذ يستند إلى رؤية مدروسة، لا مكان فيها للعشوائية أو الارتجال، بل إلى منهجية تسعى لتحقيق التوازن بين الثوابت الثقافية المصرية وبين الحاجة إلى التجديد واستيعاب المتغيرات. اقرأ أيضًا| الدكتور سامح مهران عضوًا دائمًا في المجلس الأعلى للثقافة فى البداية ما رأيك فى الانتقادات التى أثيرت حول غياب الشباب فى التشكيل الجديد الذى أعلنه المجلس؟ التغيير الذى طرأ على تشكيل المجلس يعكس توجهًا نحو ضخ دماء جديدة وإحداث توازن بين الخبرة والتجديد، واختيار الأعضاء لم يكن عشوائيًا بل خضع لمعايير دقيقة تضمن الكفاءة والتنوع، وفيما يخص عدم وجود شباب فهذا أمر طبيعى لأن الاختيار يعتمد فى الأساس على الخبرة، فحين ننظر إلى أدائنا بعد سنوات من الخبرة، نجد أننا نقيّم أنفسنا بشكل مختلف، ونلحظ كيف تطورنا بفعل الزمن والتجربة، الخبرة لا تأتى فجأة، وإنما تُبنى عبر العمر والتراكم المهني، ومن هنا، حين يُطلب منى اختيار عضو فى لجنة عليا للمجلس الأعلى للثقافة، فلا شك أننى سأختار صاحب الخبرة، لأنه الأقدر على صياغة السياسات وإبداء الرأى المستنير والبنّاء، وهذا لا يعنى أن غيره سيئون، بل لكلٍ دوره بحسب موقعه وخبرته. وما حدث من انتقادات كان بسبب الخلط عند البعض بين «اللجنة العليا للمجلس» واللجان النوعية، وهذا الأمر يجب توضيحه، فلدينا 24 لجنة نوعية، تضم نحو 360 عضوًا، جميعهم من قامات مصر الثقافية، بينهم حوالى 30% من الشباب، لم نُقصِ أحدًا، ونسعى جاهدين إلى تطبيق التمثيل العادل. التغيير الأكبر ما معايير الاختيار التى تم الاعتماد عليها فى التشكيل الجديد؟ شهد تشكيل المجلس تغييرًا غير مسبوق، فقد تم اختيار 14 عضوًا جديدًا دفعة واحدة لأول مرة، وهم: أ.د أحمد إبراهيم درويش، أ.د أحمد نوار، أ.د سعيد المصري، أ.د حامد عيد، المهندس زياد عبد التواب، أ.د سامح مهران، أ.د عطية الطنطاوي، المخرج الكبير على بدرخان، أ.د محمد غنيم، أ.د محمد حسام الملاحي، أ.د معتز سيد عبد الله، أ. منى سعيد الحديدي، أ.د ميسرة عبد الله، أ.د نيفين الكيلاني، وهو أمر لم يكن يحدث سابقًا، إذ كان التغيير فى حدود خمسة أو ستة أعضاء فقط، وغالبًا كان يحدث فى حالات الوفاة أو الظروف القهرية، أما الآن، فنحن نستجيب لمطلب التغيير الذى نادى به كثيرون لسنوات، كما أن اختيار أعضاء اللجنة العليا خضع لمعايير أساسية، أبرزها الخبرة المتراكمة، والبصمة الثقافية فى المجتمع، والتأثير الفعلى فى الساحة الفكرية. هناك انتقادات بأن الاختيار اعتمد على الأكاديميين فقط، وآخرون انتقدوا اختيار كبار السن.. فما ردك؟ الرد ببساطة هو أن الاختيار لم يكن مبنيًا على الألقاب فقط، بل على القيمة الفكرية والأثر الحقيقى للأشخاص، وكثير من الأعضاء أسماء معروفة ومؤثرة فى المشهد الثقافي، فالتشكيل ليس مجلسًا للنخبة المنعزلة، بل مجلس شهد عليه التاريخ، ويضم رموزًا يُحتفى بها فى الساحة الثقافية، وجميعهم مشهود لهم كل فى مجاله، والسن لا يُعد معيارًا للإقصاء، لدينا نماذج مشرّفة لكبار السن الذين لا يزالون يُبدعون، ويُعرفون بانضباطهم الشديد، ووجود هذه القامات يُثرى المجلس ويعزز من قدرته على القيادة الثقافية، فهدفنا ليس استبعاد من سبقونا، بل البناء على ما أنجزوه، مع إدخال عناصر جديدة بالتدريج، بما يضمن استمرارية العطاء وتحديث الرؤية، والتغيير لا يكون فجائيًا، بل مدروسًا ومتدرجًا، وهذا ما نعمل عليه. هناك أيضا من أعرب عن دهشته لاختيار ثلاثة أعضاء من كلية واحدة، ورأوا أنه يخل بمبدأ التنوع. بالفعل هذا حدث، لكن الأمر صدفة غير مقصودة. والاختيارات اعتمدت على ترشيحات الجامعات. تمثيل متوازن هل سنشهد تغييرات جديدة فى الشُعب واللجان الفترة المقبلة؟ المجلس فى الوقت الحالى يعمل على تطوير آليات عمل لجانه النوعية لتكون أكثر فاعلية فى مناقشة قضايا الثقافة الراهنة، مع الحفاظ على التوازن بين الخبرات والأجيال المختلفة، وكذلك الشُعب يتم العمل على تعديلها بما يتماشى مع اللائحة، وبالطبع سيراعى فى ذلك التنوع والتمثيل العادل لكل الفئات. بعد إعلان التشكيل الجديد، أصبح السؤال مطروحا حول موعد إعلان جوائز الدولة 2025؟ اجتماع الهيئة العليا للمجلس الأعلى للثقافة سيُعقد الثلاثاء بعد القادم، وبعده سيتم اعتماد نتائج التحكيم الخاصة بالجوائز، ثم الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز الدولة، التى تشمل النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية، فى مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، وهذا العام ستشهد الجوائز تنوعًا فى الأعمار والمجالات والتخصصات، بما يعكس تطور المشهد الثقافى المصري. وضع الاستراتيجيات الثقافية للدولة يعد أحد الأدوار الأساسية للمجلس الأعلى، لكن الأمر يستدعى توضيح مفهوم هذه السياسات وآليات تطبيقها؟ المجلس الأعلى للثقافة ليس مجرد كيان تنفيذي، وإنما مؤسسة وطنية تُعنى بوضع السياسات الثقافية العامة لمصر، وتقديم الرؤى والأفكار التى تسهم فى النهوض بالشأن الثقافى، وهو ما يتطلب وجود نخبة من المثقفين والمتخصصين وأصحاب الرأى فى عضويته، ونطمح إلى أن تكون اللجان الثقافية فاعلة ومواكبة للواقع المتغير، وأن تسهم توصياتها فى اتخاذ القرار الثقافى على أعلى مستوى، فاللجان تجتمع لمناقشة الاستراتيجيات الثقافية وتحديد ما يحتاجه المجتمع ونطرح توصياتها على الجهات المختصة للتطبيق. البعض يتهم المجلس بالقيام بأدوار ليس منوطًا بها، ويبتعد عن مهامه الأساسية، مثل إقامة ندوات يعتبرها البعض من صميم عمل هيئات أخرى تابعة للوزارة.. فما ردك؟ لا يقتصر دور المجلس على وضع السياسات الثقافية فحسب، بل يمتد إلى العمل التوعوى من خلال الأنشطة والندوات التى تُقام بالتعاون مع قصور الثقافة والمكتبات والجامعات فى مختلف المحافظات، ويشهد الآن نقلة نوعية نحو التوسع والانتشار، خاصة فى المحافظات الحدودية والمناطق النائية، فما نقوم به ليس فقط وضع استراتيجيات من داخل المجلس، بل نسعى للانفتاح على المجتمع بكل أطيافه، والانتقال بأنشطتنا إلى الشارع والمكتبات والجامعات وقصور الثقافة، بهدف تحقيق تواصل حقيقى مع المواطنين فى مختلف أقاليم الجمهورية، لأن الثقافة حق للجميع، كما أن الاحتكاك بالمجتمع يمنح أعضاء المجلس رؤية أكثر عمقًا وواقعية فى وضع السياسات، فحين تسمع مباشرة من الناس، وتُشاهد ما يجرى على الأرض، فإنك تكتسب وعيًا مختلفًا لا توفره المكاتب المغلقة، لهذا أرفض الشعارات الفضفاضة، وأطالب دائمًا بدليل ملموس على الأداء. لا مجال للمجاملات هل سيخصص بند فى جائزة المبدع الصغير لذوى الهمم؟ عملية التحكيم فى جائزة المبدع الصغير تخضع للجنة علمية أكاديمية محايدة من كبار المتخصصين، ولا مجال للمجاملات أو الوساطة، والجائزة مفتوحة للجميع، دون تمييز، وقد فاز بها بالفعل عدد من ذوى الهمم المبدعين، مثل فتاة كفيفة صوتها مبهر نالت الجائزة بجدارة، كل من يتقدم يخضع للتقييم وفق معايير علمية، ولا يُستبعد أحد لأن إمكانياته أقل، بل بالعكس، يُراعى ذلك إن كان له أثر إبداعى يستحق التقدير والرعاية، وحتى غير الفائزين يرعى موهبتهم المركز القومى لثقافة الطفل ليتأهلوا للمشاركة مرة أخرى بعد تطوير موهبتهم. بما أنكم تعملون على التطوير، ما مصير منح التفرغ فى هذا السياق؟ يتم الإعلان عن منح التفرغ كما تعلمين عبر إعلان سنوى يتضمن الشروط، وهى منح تُقدم للمبدعين فى مجالات متعددة، تتيح لهم التفرغ الكامل لإنجاز مشروع إبداعى أو بحثى خلال فترة زمنية محددة، دون الانشغال بمهام وظيفية أو التزامات أخرى، وهناك إجراءات جديدة بدأت بالفعل لضبط آلية المنح، والتأكد من وصولها إلى من يستحقونها. تفتح الدولة الباب للشراكة مع القطاع الخاص والوزارة تسعى للاستثمار الثقافي.. هل يدرس المجلس شراكات مع جهات ثقافية ناجحة فيما يتعلق بالمنتج الثقافى وليس الأصول؟ باب التعاون والشراكات مفتوح، ومن الممكن أن تشهد الفترة المقبلة شراكات مع جهات أخرى، سواء داخل مصر أو خارجها، بما يخدم أهداف المجلس ويسهم فى تحقيق رؤيته الثقافية. الرؤية المستقبلية وما ملامح هذه الرؤية الثقافية؟ رؤيتنا الثقافية، أن تكون كافة المشاريع المستقبلية للمجلس متوافقة مع رؤية مصر 2030، لأن أى فكرة أو مبادرة لا تنسجم مع مشروع الدولة فى التنمية المستدامة لن تحقق النجاح، ونحن نعمل لصالح الدولة المصرية، وكل ما نقوم به يجب أن ينعكس إيجابًا على المجتمع، لا يجوز أن نسير فى اتجاه والدولة فى اتجاه آخر.