في عصر تتسارع فيه وتيرة التطورات التقنية، بدأ المحتالون منذ فترة ليست بالقليلة فى استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق لإنشاء مقاطع صوتية وفيديوهات مزيفة تظهر بمصداقية مقلقة، حيث يُظهر المحتالون شخصيات معروفة مثل الفنان أحمد حلمي والنجم العالمي محمد صلاح، وغيرهما من النجوم من أجل إضفاء مصداقية على حيلهم البائسة، بل وأحياناً ينتحلون شخصيات أفراد العائلة من أجل النصب على المصريين.. «الأخبار» في هذا التحقيق تكشف تفاصيل هذه العمليات الاحتيالية وآلياتها، مع تسليط الضوء على الفئات المستهدفة وتناقش مع الخبراء الأثر الاقتصادي والاجتماعي الناجم عنها والتحديات التى تواجه مصر في عصر الرقمنة، حيث تتداخل التكنولوجيا مع الجريمة الإلكترونية.. ◄ مقاطع صوتية وفيديوهات مزيفة للمشاهير تحاول الاستيلاء على أموال المواطنين ◄ الخبراء: الأساليب الاحتيالية تجمع بين التكنولوجيا والتلاعب النفسي ◄ ضرورة تبني خطة شاملة لرفع مستوى الوعي الرقمي البداية من فهم آليات الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق، والتى اعتمد المحتالون فيها على تقنيات متطورة لتوليد مقاطع صوتية وفيديوهات ذات جودة عالية، بحيث يصعب التمييز بينها وبين المواد الأصلية. فمن خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعى، يتمكنون من محاكاة نبرات الأصوات وتعابير الوجه والحركات الدقيقة، مما يخلق وهم الواقعية لدى المتلقى.. وتُعرف هذه التزييفات العميقة في الوثائق القانونية باسم «النسخ الرقمية»، وهى تُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعى لمحاكاة المظهر البصرى والصوتى لأشخاص حقيقيين، أحياءً أو أمواتاً. المرحلة الثانية إنشاء المحتوى المزيف.. وفيها يتم إعداد نصوص وسيناريوهات محددة تُظهر «الشخصيات» وهى تطلب تحويل أموال أو مشاركة بيانات حساسة.. يستخدم هؤلاء المحتالون تقنيات التزييف العميق (Deepfake) وبرمجيات تعديل الصوت والفيديو التي تُستخدم لتغيير ملامح الأصوات والصور بما يتوافق مع الشخصية المستهدفة. ◄ أزمة فنان فعلى سبيل المثال واجه الممثل أحمد فهمى وغيره أزمة تقنية إثر تداول مقطع فيديو مزيف، تم إنتاجه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى .. فى الفيديو تم استخدام صورة الممثل دون موافقته للترويج لأحد التطبيقات الرقمية، مما أثار استياءه ودفعه إلى التأكيد على أن المقطع مفبرك بالكامل.. وأعرب فهمى عن رفضه لهذا الاستغلال غير القانونى، معتبرًا أن ما حدث يمثل انتهاكًا واضحًا لحقوقه الشخصية والمهنية.. كما دعا إلى اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد الجهة المسئولة عن الفيديو، مشددًا على أهمية وضع ضوابط ورقابة أقوى على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى مجال الدعاية والإعلانات.. وأثار الفيديو ردود فعل واسعة على منصات التواصل الاجتماعى، حيث أبدى العديد من المستخدمين قلقهم من إمكانية استغلال التكنولوجيا الحديثة فى حملات إعلانية مضللة. كما رد الفنان أحمد حلمي على حسابه بانستجرام بعد انتشار فيديو له بالذكاء الإصطناعي وهو يحرض على استخدام منصة للمراهنات.. وقال أحمد حلمى فى فيديو بثه على حسابه الشخصى بموقع تبادل الصور والفيديوهات «إنستجرام»: «يا جماعة ما تصدقوش الكلام التافه ده، الله يخرب بيت الAI على اللى اخترعوه، اكتشفت إن فيه ناس فاكرة إنى عملت كده، وإنى بتكلم كده بطريقة الدوبلاج»، وتابع ساخرًا من طريقة حديثه المُفبركة التى ظهر بها قائلًا: «ياما عيون شاغلونى لكن ولا شغلوني». ◄ النصب باسم صلاح كما انتشر فيديو مثير للجدل على مواقع التواصل الاجتماعى يظهر فيه محمد صلاح بشكل مفاجئ.. يتحدث الفيديو عن تطبيق مراهنات يعد بالكسب غير المشروع على نتائج المباريات.. مما أثار الفيديو تساؤلات حول مصداقيته لاستخدامه صوت وصورة صلاح دون إذن فى الترويج للبرنامج.. ليتبين لاحقًا أن المقطع ليس حقيقيًا، حيث تمت إعادة استخدام فيديو قديم من إحدى مقابلات صلاح. ◄ دراسات وتحليلات أظهرت دراسات وتحليلات لخبراء الأمن السيبرانى أن المحتالين يتبعون استراتيجيات دقيقة لاستهداف فئات معينة، ومنهم: كبار السن بسبب ضعف الوعى الرقمى والتعامل المعتاد مع طرق التواصل التقليدية، وغالباً ما يكون كبار السن ضحية لهذه الأساليب. اما الشباب رغم تمكنهم من التكنولوجيا، يتعرضون للخداع عبر الرسائل المشوشة والمقاطع التفاعلية التى تستغل مشاعرهم وتطلعاتهم.. وقد أوضحت بعض الشهادات كيف أن الرسائل المزيفة والمقاطع التفاعلية كانت تبدو فى ظاهرها كأنها من أشخاص موثوقين، مما أدى إلى تحويل مبالغ مالية كبيرة دون أن يكتشف الضحايا الخداع إلا بعد فوات الأوان. ◄ اقرأ أيضًا | تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تهدد بزيادة البطالة ◄ قصص حقيقية «شوفت فيديو لمحمد صلاح والنجم أحمد حلمي وهما بيدعوان الناس لمشاركة أموالهم على منصة اكتشفت فى النهاية أنها متخصصة فى النصب الإليكترونى باستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعى والتزييف العميق خلى بالكم يا مصريين»..هذا القصة ضمن مئات القصص على جروبات وصفحات على الفيس بوك للتحذير من النصب بالAi. «كنت أتلقى رسائل من أرقام مجهولة تظهر وكأنها من أفراد عائلتي، وكانت المقاطع الصوتية والفيديو تبدو حقيقية للغاية، حتى أدركت أننى تعرضت للاحتيال»، هكذا روى أحد الضحايا. بينما علق آخر فى قصة أخرى أنه تعرض هو وشقيقه لقصة غريبة حينما تلقى رسالة تحتوى على مقطع فيديو يظهر فيه أخوه الأصغر وهو فى ورطة ويطلب مساعدة مالية عاجلة بسبب حادثة طارئة . كان الفيديو دقيق التفاصيل وصوت أخيه مطابقاً تماماً لما اعتاد عليه مما جعله يندفع فوراً لتحويل مبلغ مالى كبير دون تردد وبعد مرور ساعات اكتشف بعد مكالمة هاتفية من قريب أن الفيديو كان تزييفاً عميقاً من إعداد محتالين استغلوا تقنية الذكاء الاصطناعى لتقليد صوت ووجه أخيه، مما أدخله فى دوامة من الصدمة والندم على عدم التحقق من المصدر قبل اتخاذ الإجراء، وأدت هذه الحادثة إلى إعادة التفكير فى كيفية التعامل مع الرسائل الرقمية والاعتماد على وسائل التحقق الموثوقة لتفادى الوقوع فى مثل هذه الفخاخ التقنية التى تجمع بين الهندسة الاجتماعية والتكنولوجيا المتطورة. ◄ ثقة زائفة المهندس إسلام غانم خبير الأمن السيبرانى أوضح أن هذه العمليات تعتمد على الهندسة الاجتماعية؛ إذ يقوم المحتالون بتزييف هوية شخصيات معروفة أو حتى محاكاة أفراد العائلة، مما يجعل عملية الاحتيال تبدو متقنة.. وأضاف غانم بأن المحتالين يستغلون اللامبالاة أو قلة الوعى الرقمى لبعض الفئات من خلال أساليب معقدة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والتلاعب النفسى، مشيراً إلى أن هذا النوع من الاحتيال يتسبب في خسائر مالية جسيمة تؤثر على ثقة المواطنين فى الخدمات الرقمية. وأكد محمد الحارثي خبير تكنولوجيا المعلومات أنه فى ظل التطور التقنى السريع، بات المحتالون يستغلون تقنيات الذكاء الاصطناعى لإنشاء مقاطع صوتية وفيديوهات مزيفة تظهر بمصداقية عالية، حيث يُظهر المحتالون شخصيات معروفة أو استغلال هوية أفراد العائلة لبناء ثقة زائفة لدى الضحايا مما يؤدى إلى تحويل مبالغ مالية وسرقة بيانات حساسة دون سابق إنذار. وأشار الحارثي بأننا نشهد استهدافًا دقيقًا لفئات معينة من المجتمع؛ فمثلاً، يتعرض كبار السن للخطر نظرًا لضعف الوعى الرقمى لديهم، بينما يُستغل الشباب من خلال أساليب الهندسة الاجتماعية المعقدة التى تجعلهم يقعون في فخ الاحتيال دون وعي. ◄ حملات توعوية ويضيف أن التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف يتطلب اتباع خطوات محددة، منها التحقق من مصدر الرسالة أو المحتوى عبر الرجوع إلى القنوات الرسمية أو الاتصال المباشر بالجهات المعنية، وثانياً، ينبغى عدم الاستجابة الفورية للطلبات المالية الطارئة أو التحويلات دون التأكد المسبق من صحة المعلومات؛ ثالثاً، يُعد رفع مستوى الوعى الرقمى وتنفيذ حملات توعوية للجمهور خطوة أساسية لمنع استغلال التقنيات الحديثة فى أعمال الاحتيال، مؤكدًا أن تبنى استراتيجيات أمنية شاملة تجمع بين التكنولوجيا المتطورة والتوعية المستمرة هو السبيل لاستعادة الثقة فى الخدمات الرقمية وحماية المواطنين من الوقوع فى فخ هذه الحيل المعقدة. أما المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات فيرى أنه مع تزايد تطور تقنيات التزييف العميق والذكاء الاصطناعى، يبرز الحاجة إلى تعزيز الوعى الرقمى لدى جميع فئات المجتمع، وتكثيف جهود المؤسسات الحكومية والخاصة في مكافحة الاحتيال الإليكترونى. مشيرًا إلى أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تعاوناً مشتركاً بين خبراء الأمن السيبرانى والاقتصادى والنفسى، لتأمين البيئة الرقمية وحماية المواطنين من خداع لا يرحم مثل ما حدث فى قصيةfbc وRaga وغيرها من الكيانات الوهمية التى تستغل تقنيات الذكاء الاصطناعى والخدع الرقمية للنصب على المصريين. وأشار حجاج إلى أنه يبقى هناك سؤال هو الأهم.. وهو كيف يمكن للمجتمع والدولة مواكبة هذه التقنيات المتطورة قبل أن يتحول الخداع الإليكترونى إلى ظاهرة لا يمكن السيطرة عليها؟ خسائر كبيرة من جهة اقتصادية، يقدر حجم الخسائر التى يتكبدها الضحايا بملايين الجنيهات سنوياً، فيما يؤدى ذلك بحسب رأى د.مدحت نافع الخبير الاقتصادى إلى تراجع الثقة وانخفاض مستوى الثقة فى الخدمات الإليكترونية، مما يعوق تبنى التكنولوجيا الجديدة.. وأشار نافع إلى أن مثل هذه الحيل تُضعف بيئة الأعمال الرقمية، وتفرض تحديات جديدة على المؤسسات المالية فى تأمين المعاملات الإليكترونية.. مطالبًا أجهزة الدولة المعنية بتجديد الوعى للشباب وللمجتمع بشكل دورى ومتجدد. ◄ بذور الشك من جهتها، تتحدث د. نيفين حسنى، استشارية علم النفس الرقمي، عن الآثار النفسية العميقة، إذ تؤدى عمليات الاحتيال إلى شعور الضحايا بالذنب والعجز، مما يزيد من مستويات التوتر الاجتماعى ويؤثر سلباً على الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب، كما تسبب انعدام الشعور بالأمان فى التعامل عبر الإنترنت.. ويلتقط منها طرف الحديث د. وليد هندي استشارى علم النفس، والذى أكد أن هذه الظاهرة لا تقتصر أضرارها على الجانب المالي فحسب بل تمتد لتؤثر بعمق على الصحة النفسية والاجتماعية حيث تُزرع بذور الشك والارتباك فى نفوس الضحايا مما يؤدى إلى شعورهم بالعزلة وفقدان الثقة فى بيئة التواصل الرقمي كما أن الصدمة الناتجة عن التعرض لهذا النوع من الخداع تتطلب دعمًا نفسيًا متخصصًا وبرامج توعية لتعزيز الحذر واليقظة عند التعامل مع المعلومات الرقمية ولضمان استعادة الثقة في التكنولوجيا والحد من تأثيراتها السلبية على الصحة النفسية للمجتمع. ◄ زعزعة العلاقات الاجتماعية أما د. هالة منصور خبير علم الاجتماع فترى إن هذه الظاهرة لا تقتصر على كونها مجرد تحدٍ أمنى رقمى، مشيرة إلى أن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا فى الحياة اليومية يجعلنا أكثر عرضة للتلاعب النفسى والاجتماعى، فهى توضح أن استهداف المحتالين لفئات معينة مثل كبار السن والشباب لا يهدف فقط إلى تحقيق مكاسب مالية بل إلى زعزعة استقرار العلاقات الاجتماعية ونسيج الثقة الذى يربطنا ببعضنا البعض. وتضيف: «من الضرورى أن يتم تبنى استراتيجيات توعوية شاملة ترفع من مستوى الوعى الرقمى لدى جميع فئات المجتمع، كما يجب أن تكون هناك جهود متكاملة بين الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة لتعزيز البنية التحتية للأمن السيبرانى، بحيث يتمكن المواطنون من التمييز بين المحتوى الحقيقى والمزيف بثقة واطمئنان». واختتمت منصور أن التصدى لهذه الظاهرة يتطلب تعاوناً مشتركاً بين الخبراء فى مجالات التكنولوجيا والاجتماع وعلم النفس، لضمان حماية الأفراد من الوقوع فى فخ الاحتيال الإليكترونى والحفاظ على التوازن الاجتماعى فى عصر تتسارع فيه التغيرات التقنية. ◄ إطار أخلاقي دار الإفتاء من ناحيتها أكدت عدم شرعية استخدام تقنية التزييف العميق أو ما يُعرف ب DeepFake لإنشاء مقاطع مرئية أو مسموعة يتم فيها تلفيق مواقف أو أقوال لم تُثبت فى الواقع. وفى منشور لها على فيسبوك، أوضحت أن هذا الفعل يُعد كذباً وغشاً وإخباراً بما هو مخالف للحقيقة، مستشهدة بحديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وهو نص قطعى يحرم الغش بكل صوره. كما أشارت إلى أن الإسلام يشجع على الابتكار والاختراع، لكن ضمن إطار أخلاقى يهدف إلى التقويم والإصلاح دون إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير، بحيث يُعتبر الاختراع وسيلة لتحقيق أمر مشروع إذا كانت استخداماته في إطار محدد، أما إذا استخدمت لتحقيق أهداف منهى عنها فحُكمها الشرعى مختلف. وأكدت دار الإفتاء أن اختيار هذه التقنية لخلق مقاطع تهدف إلى الإضرار بالآخرين يتنافى مع مبدأ «لا ضَرَر وَلَا ضِرَار»، خاصةً وأن الشريعة الإسلامية تجعل حفظ الحياة من المقاصد العظيمة والضروريات الجوهرية. كما أوضحت أن نشر المعلومات المضللة والمنحرفة باستخدام هذه التقنية يُعد جريمة قانونية يُعاقب عليها بموجب القانون رقم (175) لسنة 2018 الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات.