هكذا تصنع كرة القدم سحرها وتفردها وشعبيتها..الجميع راهنوا على سان جيرمان فقدم لهم الملعب تشيلسى على منصة التتويج..ليس بالصدفة ولا الحظ ولا تماحيك الظروف بل بأدلة إثبات شاملة فى كل عناصر ممارسة اللعبة.وفى أمريكا لابد أن ينخطف نظرك وترى كل شىء مختلفا ومتنوعا ومضروبا فى خلاط دعاية القوة والسيطرة والإبهار دون فلسفة أو مبالغة..إنه السهل الممتنع فى تقديم الإمبراطورية لنفسها بكل تفاصيلها شكلا ومضمونا وعمقا..ترامب يحضر ويجلس عكس عادته ساكنا متأملا وهو الشغوف أصلا بألعاب أخرى..جلس يشاهد حكما إيرانى الأصل وكأنها مداعبة سياسية أمريكية تلمح إلى رغبة فى إعادة إيران للطابع السحرى الأمريكى . وقبل وخلال ومع أحداث اليوم الأخير يطل الفن بجوار السياسة فيعرض شكلا جديدا من الترفيه والإمتاع والإسعاد الجماعى. هى إمبراطورية مختلفة تستحوذ بالقوة الناعمة والخشنة معا وعليك إجبارا أن تكره نظامها وتحب شعبها فتصيبك الحيرة فى علاقتك معها وفى الاختيار بينها وبين غيرها إذا لم تحسم اتجاهك الفكرى والعقائدى..لايهمها فى هذه المرة أن تسيطر وتتفوق وتعتلى الصدارة والقمة فى بطولة رياضية كما اعتادت فى الدورات الأوليمبية الأوسع تنافسا..هى ارتضت أن تترك أفيون الشعوب لغيرها وتبحث عن أفيون خاص بها فى الرجبى والسلة وكرة القدم الأمريكية..ولامانع أن تتواضع أحيانا وهى بصدد تظاهرة رياضية حتى ولو لم يدغدغها الطموح للسيادة عليها فى الملعب..هى تنتقل فورا لسيادة أوسع وتستخدم وسائط أخرى لكى تلفت لها الانتباه..ولولا الحر والمناخ الصعب لكانت استضافتها كاملة الأوصاف فى البساطة المعجونة فى عبقرية خفية..صحيح تقفز أمامنا ونحن فى مواجهة شاشة التلفاز مشاهد الدم المسفوك فى غزة والمظالم الأمريكية فى عالمنا العربى والإسلامى ،ومصائبنا من جراء الحضن الدافئ الدائم لإسرائيل وهى عصا أمريكية قاسية ومحتلة ومستعمرة وخارجه عن القانون وعن ابسط قواعد الإنسانية..إلا أن اللحظة تفرض نفسها وتجبر من يعيشها على الإعجاب، إلى أن يستعيد الاستفاقة بسرعة فيلعن هذا الحال الصعب الذى يحاصر ذهنية المظلومين من وجه مبتسم وقلب غليظ يتحكم فى الجميع . أما عن المباراة فهى نموذج لانفراد كرة القدم عن الألعاب الأخرى بعدم استقرار قواعد المنافسة..قد يقول الورق وتؤكد الأرقام ويرجح التاريخ والأموال والنجوم فريقا على آخر..إلا أن الميزة المتفردة الساحرة أن هذه الفوارق والمقارنات ليست سوى معلومات وبيانات قد يستفيد منها المراهنون ،لكن عشرات الآلاف الذين يذهبون إلى الملعب للفرجة والملايين التى تجلس أمام التليفزيون لايعيرونها انتباها لأن معرفتهم الجمعية مطمئنة ألى أن للملعب رأيا آخر وأن كلمة مفاجأة صالحة لكل الألعاب لكنها طبيعية فى كرة القدم وعلينا استبدالها مع هذه اللعبة ''اللعوبة'' بكلمة أخرى ،خاصة لو كان الطرف الآخر ليس ناديا شق طريقه فى الظلام وأصابنا وصوله للنهائى بالخضة..فهو فى النهاية تشيلسى الإنجليزى حامل لألقاب انجليزية وأوروبية وبالتالى لديه رصيد حضارى أن تقوم له قائمة. وإذا أردنا استخدام المفاجأة فى التحليل..فهى بارزة فى الأداء وليس فى النتيجة والتتويج..وظهرت جلية فى مستوى باريس سان جيرمان مقارنة بالمباريات السابقة التى أطاح بمن هم أعتى من باريس..فالذى اكتسح الريال الملكى بقيادة تخمة من النجوم أبرزهم مبابى ومعه الرهيب الخطير بطل الرايخ الألمانى بايرن ميونيخ،ليس واردا أن يتعثر بسهولة أمام خصم أقل شراسة. والمفاجأة أن تفوق تشيلسى على باريس جاء بحلقة مكتملة خططيا وفنيا وفرديا وجماعيا وبدنيا وذهنيا وسرعة وضغطا..لم يترك البلوز عنصرا فعلا إلا تفوقوا فيه ،الأمر الذى ظهر فيه البطل الباريسى أمام جماهير الكرة وكأنه فريق ساقته الصدفة إلى مباراة نهائية وهو نفس الحرج الذى أوقعه باريس نفسه فى ريال مدريد. كل محركات سان جيرمان تعطلت فردية وجماعيا وأظن أن عثمان ديمبلى كان أكثر نجوم الفريق تعرضا للخسائر لأن أداءه ربما يؤثر على منافسته فى سباق الكرة الذهبية . وبينما كان تشيلسى سريعا كان باريس شديد البطء إلى حد الملل فى التحضير حتى وهو متأخر بثلاثة أهداف ،ولاحاجة له فى الحلول الهجومية ولا فى سد ثغرات الدفاعية..كان المشهد غريبا وغير معتاد فى أداء الفريقين بمقارنة المباريات السابقة،كل منهما كان عكس طبيعته.. وبشكل من التركيز نكتشف أن مدرب تشيلسى كان أكثر كفاءة ومهارة وذكاء وحرفية لأنه ذهب خلف خطوط خصمه ليخرب كل عمليات البناء المتميز فيها باريس ،كان يدافع من أعلى نقطة باستخدام لياقة لاعبيه التى تحملت الضغط طول الوقت والنتيجة أن ارتبكت خطوط باريس واستسلمت لضغط البلوز فى كل مساحة فتعطلت الماكينة الفردية والجماعية..ثم إن مدرب تشيلسى الذكى صدم أنريكى لما بدأ المباراة بما يشبه الضربة الجوية المباراة وغير المتوقعة لأن الجميع انتظروا العكس ،أن يتمركز البلوز فى منطقتهم لاستقبال الديوك ثم الرد بطلعات سريعة عند استخلاص الكرة.. لم يحدث المتوقع وكان ذلك أول مفاجأة استراتيجية أشبه بالهجوم السيبرانى. وفى نهاية الأمر هى كرة إنجليزية معروفة بقسوتها وعنفوانها وموتورها الدائر طوال الوقت ولامنقذ للديوك منها إلا إذا انتبهت وهى لم تنتبه ،فكانت المحصلة وليمة من الديوك المذبوحة التهمها الديوك على الأرض الأمريكية وأمام ترامب قائد العالم الذى يحترم القوة ويحب الالتهام ولايثنيه ذلك عن طلب التتويج بجائزة نوبل.