د. طارق فهمى لا يجب الرهان على وجود تباينات داخل المستوى السياسى او العسكرى الإسرائيلى بشأن ما يجرى فى قطاع غزة والبقاء فى الممرات الراهنة تتمسك إسرائيل فى تفاوضها الراهن لوقف إطلاق النار بالبقاء فى ممر موراج لتأمين تواجدها فى مناطق التماس الاستراتيجى وتمهيدا لنقل سكان القطاع الى مناطق الجنوب مع الخروج التدريجى من ممر نتساريم والاستمرار فى فصل خان يونس عن رفح وقد سُمى المحور الجديد على اسم مستوطنة «موراج»، التى أُقيمت عام 1972 بين خان يونس ورفح و هذه هى المستوطنة الإسرائيلية الواقعة فى أقصى جنوب قطاع غزة، ويمر الطريق عبر أنقاض المستوطنة من الشرق إلى الغرب ولا يعد محور موراج جديدا، وإنما ينتمى إلى الأصابع الخمسة التى أسسها شارون عند اجتياح قطاع غزة، وهى على الترتيب من الجنوب للشمال: فيلاديلفيا: الحد الجنوبى للقطاع مع مصر - موراج: بين رفح وخانيونس - كيسوفيم: بين خانيونس والوسطى - نتساريم: بين الوسطى وغزة - مفلاسيم بين غزة والشمال كما يمتد مسار موراج بالتوازى مع مسار فيلادلفيا، على بُعد بضعة كيلومترات شمال الممر البري. وتشير الخرائط التى نشرها الجيش الإسرائيلى إلى أهداف رئيسية بإعادة الاستيطان داخل القطاع كما كان قبل عام 2005، إلى جانب احتلال الشريط الساحلى لغزة، الممتد من رفح إلى خان يونس، بعمق 2 كيلومتر والتخطيط لإنشاء مدينة سكنية معقمة لسكان قطاع غزة حيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو عبر إقامة هذه المنطقة الفاصلة الجديدة لعزل رفح عن خان يونس والفصل بينهم مع تعزيز الوجود الأمنى الإسرائيلى فى نتساريم ودير البلح، تمهيدًا للاستمرار فى احتلال المنطقة الشمالية الغربية. واقعيا يتواجد الجيش الإسرائيلى حاليًا على طول طريق فيلادلفيا ويسيطر أيضًا على حوالى 90% من منطقة نتساريم، وهذا هو نفس الطريق الذى كان بالفعل تحت سيطرة القوات الإسرائيلية ومن ثم فإن أن الهدف الأول من بقاء القوات الإسرائيلية فى هذا الممر هو تقطيع أوصال قطاع غزة بين شماله، ووسطه، وجنوبه، وإحكام السيطرة العسكرية عليه حيث قام الجيش الإسرائيلى بتوسيع سيطرته على شمال قطاع غزة وبيت لاهيا وبيت حانون ومناطق أخرى، وزاد من المنطقة العازلة فى جميع أنحاء القطاع. وهذا يعنى أن الجيش الإسرائيلى يحتل الآن حوالى 70% من أراضى قطاع غزة. ومع الاستمرار فى محور موراج، سيحتفظ الجيش بنحو 70% من أراضى قطاع غزة، وهذه هى أكبر مساحة يتم السيطرة عليها منذ بداية الحرب حيث تعمل حاليًا، ثلاث فرق عسكرية إسرائيلية فى غزة، وهي: فرقة غزة، والفرقة 252، والفرقة 36 وفق خطة التواجد العسكرى الكامل فى القطاع وهناك أهداف اقتصادية بعيدة المدى من الاستمرار فى ممر موارج، أبرزها إنشاء قناة بن جوريون، التى تحدث عنها نتنياهو، إذ لا يمكن إنشاؤها إلا بوجود إسرائيلى شمال غرب مدينة غزة بامتدادات الممرات التى تم التواجد فيها عسكريا، مما يعنى أن الهدف قد يكون إقامة هذه القناة لاحقًا. وقد تضمنت الخريطة الجديدة التى قدمتها إسرائيل فى إطار المفاوضات الانسحاب من محور موراج الذى يقع على بعد نحو 4-5 كيلومترات من الحدود بين قطاع غزة ومصر ووفقًا للخريطة، لا تزال إسرائيل تطالب ببقاء قوات الجيش الإسرائيلى على بُعد حوالى 2-3 كيلومترات شمال محور صلاح الدين وهذه هى المنطقة التى كانت تقع فيها مدينة رفح، والتى ترغب حكومة نتنياهو فى إنشاء منطقة تجمع الفلسطينيين «مخيم نزوح» فيها، تمهيدًا للتهجير المحتمل لاحقًا. ولهذا تُطالب إسرائيل بمنطقة عازلة على الحدود مع غزة، يصل عرضها فى بعض المناطق إلى مئات الأمتار، ويصل فى مناطق أخرى إلى كيلومترين وتبدو هذه الخريطة الحالية غير مقبولة أيضًا لدى حماس، وخاصةً فيما يتعلق بالمنطقة العازلة وفى المقابل تُصر حركة حماس على انسحاب كامل لقوات الاحتلال إلى محور صلاح الدين، بينما يُبدى الجانب الإسرائيلى استعداده لتقليص وجوده، لكنه يُصرّ على بقائه على محور موراج والسيطرة على منطقة رفح. فى إطار ذلك يواجه نتنياهو أزمات متزايدة داخل الائتلاف الحاكم، فى ظل تهديدات من بعض الوزراء المتطرفين بحل الحكومة فى حال تمرير ما وصفوه بصفقة استسلام، إلى جانب ضغوط الأحزاب الدينية للتصديق على قانون يعفيهم من الخدمة العسكرية حيث تريد إسرائيل الحفاظ على الممر حتى بعد وقف إطلاق النار ويبرر نتنياهو هذا الطلب لمنع حماس من بناء من ترسانتها العسكرية عبر الأنفاق ولهذا يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو لممارسة أكبر قدر من الضغط على حماس حتى تتنازل عن شرط وقف دائم لإطلاق النار، كما أنه يرغب فى إبقاء التهديد بالاحتلال والترحيل مطروحا حتى لا ينسحب تيار «الصهيونية الدينية» من الحكومة (ويمثله الوزيران إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش)، وبالتالى إرضاء قاعدته الشعبية فى اليمين. وفى المجمل تمنح السيطرة الإسرائيلية على محور موراج الاحتلال ليس فقط تفوقًا عسكريًا، بل أيضاً نفوذًا اقتصاديًا فى منطقة تعتبر «سلة الغذاء» الأساسية لسكان قطاع غزة، الذين يعانون من شح الموارد وسط أزمة إنسانية متفاقمة ومن الواضح أن طرح وتسويق البقاء فى هذا المحور هدفه طمأنة التيارات اليمينية داخل إسرائيل، من خلال إحياء فكرة «العودة» إلى مناطق الانسحاب عام 2005، وتحديدًا مستوطنات مجمّع «غوش قطيف» السابق. وأخيرا لا يجب الرهان على وجود تباينات داخل المستوى السياسى او العسكرى الإسرائيلى بشأن ما يجرى فى قطاع غزة والبقاء فى الممرات الراهنة بما فيها ممر موراج بل يوجد توافق كامل بين المستويين وأن ما يجرى تباينات مهنية فى مستوى العمل العسكرى ليس أكثر وفى ظل تصاعد النزعة العسكرية المتصاعدة فى إسرائيل.