فى قلب القاهرة، اندلع حريق سنترال رمسيس، مشهد مؤسف بكل المقاييس، ليس فقط لما سبَّبه من تعطل فى خدمات الاتصالات والانترنت، ولكن لما حمله من قلق بين ملايين المصريين الذين باتوا لا يتخيلون يومهم دون اتصال افتراضي. لكن وسط الدخان واللهب، ظهرت الحقيقة الأهم: قيمة الإنسان المصرى وقت الأزمة. رجال الحماية المدنية تصدوا للنيران ببطولة وشجاعة، لم يترددوا للحظة فى أن يكونوا فى الصفوف الأولى، يعرضون أرواحهم للخطر من أجل إنقاذ مبنى قد يراه البعض مجرد «سنترال»، لكنه فى الحقيقة شريان يغذى ملايين من أجهزة الاتصال فى البيوت والشركات والمستشفيات. شاهدنا رجال الشرطة وقد وقفوا بعقيدتهم الراسخة، بذات الروح التى يحملها رجال القوات المسلحة: «نحن فداء لهذا الشعب». ولم يكن الأمر مجرد أداء للواجب، بل عقيدة حقيقية تجلت فى لحظة اختبار. ولم يتأخر المهندسون والفنيون المختصون فى قطاع الاتصالات لحظة، فسابقوا الزمن لإعادة الخدمات. لم يطلبوا شكرًا، ولم يلتفتوا إلى انتقادات البعض ممن أغضبهم انقطاع الإنترنت عن هواتفهم، فبدلًا من أن يلتفتوا لحجم الكارثة، صبّوا جام غضبهم على الدولة لأنها «عكننت» عليهم جلستهم على تيك توك أو حرمتهم من إرسال «استوري» على إنستجرام. هؤلاء المهندسون عملوا ليلًا ونهارًا فقط لأنهم يدركون حجم المسئولية، ولأنهم يعرفون أن «الراحة» التى اعتادها الناس هى نتاج عملهم. لم ينتظروا إشادة، بل اعتبروا ما يفعلونه فرضًا، لا فضلًا. وسط كل هذا الجهد، برز مشهد موازٍ لا يمكن تجاهله. غضب البعض من تعطل الإنترنت ، وبدأت الانتقادات تنهال على الدولة والجهات المسئولة، وكأن ما جرى كان إهمالًا أو تقصيرًا متعمدًا. لم يتوقفوا للحظة ليتأملوا حجم الكارثة، أو يفكروا فى الرجال الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ الموقف، كل ما شغلهم هو أنهم لم يتمكنوا من تصفح «التيك توك» أو مشاهدة «ريلز» جديدة أو الرد على رسائل «واتساب»! وهنا تظهر المفارقة: هناك من يعمل ليلًا ونهارًا لإعادة الأمور لطبيعتها، وهناك من لا يرى سوى شاشة سوداء تزعجه وتفسد عليه مزاجه... وهكذا تتحول الكارثة فى نظر البعض إلى مجرد «عكننة مزاج». فإذا كنت من هؤلاء الذين عبسوا للحظات بسبب تعطل الإنترنت، فلتعلم أن هناك من خاطر بحياته فقط لتعود أنت إلى حالتك المزاجية المريحة. فهنيئًا لك بوجود هؤلاء الرجال الذين يحرسون «مزاجك» من العكننة، ويحمونك دون أن تدرِي، ويثبتون مرة بعد أخرى أن معدن المصرى لا يصدأ.. ولا يحترق.