مع كل مرة يتحدث فيها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب عن اللغة الإنجليزية، تحمل كلماته أكثر من عبارات «مجاملة»، لتُسجّل انحيازًا لغويًا يكشف عن رؤية أعمق للهوية والانتماء. ففي أحدث لقاء دبلوماسي، جمعه برؤساء دول أفريقية، وجّه ترامب «إطراءً لغويًا» ل الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي، وسرعان ما أثار عاصفة من الانتقادات، وفتح مُجددًا النقاش حول استخدام اللغة كأداة للتعبير عن التحيزات العنصرية. اقرأ أيضًا| وكالة «ناسا» في أزمة بسبب إدارة ترامب| هل تتنازل أمريكا عن حلم الفضاء للصين؟ أفريقيا.. قارة الغد وموضع التنافس الدولي في الوقت الذي تقلل فيه واشنطن من التزاماتها تجاه القارة الأفريقية، تعتبر مؤسسات كبرى مثل "معهد بروكينجز" (تعتبر من أقدم وأشهر مؤسسات الفكر والرأي في العالم) أن أفريقيا باتت "حدود النمو الاقتصادي العالمي المقبلة"، لما تملكه من موارد طبيعية، وشباب واعد، وإمكانات تكنولوجية غير مستغلة. فيما عمدت إدارة ترامب إلى تقليص كبير في المساعدات الإنسانية ل القارة الأفريقية، ما يُهدد حياة ملايين الأفارقة الذين كانوا يتلقون الدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID). «من المساعدات إلى التجارة» وفي خضم التنافس الأمريكي الصيني، تبدو بكين متقدمة في أفريقيا، عبر استثمارات ضخمة وتنمية متواصلة، ما دفع علماء سياسيين صينيين إلى القول إن نجاحهم يعود إلى "التعامل مع الأفارقة كشركاء ورفاق". في محاولة لاستعادة النفوذ الأمريكي، دعا دونالد ترامب رؤساء غينيا بيساو، والجابون، والسنغال، وليبيريا، وموريتانيا إلى البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي لمناقشة الفرص التجارية كجزء من التحول الدبلوماسي، وقال إن بلاده "تتعامل مع أفريقيا بشكل أفضل من الصين أو أي طرف آخر"، في إطار ما وصفه بتحول من "المساعدات إلى التجارة". ماذا جرى خلال لقاء ترامب وبواكاي؟ رغم أنها لغة البلد الرسمية.. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مندهش من إتقان رئيس ليبيريا الإنجليزية pic.twitter.com/jntRQWqnfy — عربي21 (@Arabi21News) July 10, 2025 وبينما أعرب العديد من القادة الأفارقة عن امتنانهم للدعوة، بدا ترامب متفاجئًا عندما تحدث رئيس ليبيريا جوزيف بواكاي، وقال بواكاي: "نريد العمل مع الولاياتالمتحدة لتحقيق السلام والأمن في المنطقة لأننا ملتزمون بذلك، ونريد فقط أن نشكركم جزيل الشكر على هذه الفرصة ". فيما أبدى ترامب إعجابه بحديث رئيس ليبيريا جوزيف بواكاي، قائلاً: «لغتك الإنجليزية ممتازة! من أين تعلمت الحديث هكذا؟ أين تعلمت؟». وحين أجاب بواكاي، أنه تعلم الإنجليزية في ليبيريا، علّق ترامب بدهشة: «هذا مثير للاهتمام، لغتك الإنجليزية رائعة!، لديّ هنا أناس لا يتحدثون بهذا الشكل». وأثارت هذه العبارات انتقادات عديدة، حيث وصفها دبلوماسي ليبيري بأنها "متحاملة"، فيما قالت عضوة الكونجرس الأمريكية جاسمين كروكيت، إن ترامب "لا يفوّت فرصة ليكون عنصريًا ومحرجًا"، مؤكدة أن "الطريقة التي يُدير بها العلاقات الدولية لا تليق برئيس دولة". والجدير بالذكر أن، الإنجليزية هي لغة ليبيريا الرسمية، لذلك، ليس غريبًا أن يتحدث رئيسها الإنجليزية بطلاقة، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى جهل ترامب بهذه المعلومة. ورغم الجدل الواسع، جاء الرد الليبيري هادئًا، حيث قالت وزيرة خارجية ليبيريا، سارة ناينتي: «ما سمعه ترامب هو التأثير الأمريكي في لهجتنا، والرئيس الليبيري لم يتعرض للإساءة من كلامه». اقرأ أيضًا| «اضرب وانسحب».. خلاصة عقيدة ترامب كما كشفها نائبه جي دي فانس البيت الأبيض يرد: «مجرد مجاملة» في بيان لاحق، قالت إدارة ترامب إن التعليق كان "مجاملة صادقة"، لكن سِجل ترامب الطويل مع تقييم نُطق الآخرين بالإنجليزية أثار شكوكًا واسعة. ففي لقاء سابق مع رئيس وزراء بريطانيا، كير ستارمر، وصف ترامب لهجته بأنها "جميلة"، لكنه تجاهل سؤالًا من صحفي هندي قائلاً: «لا أفهم ما يقوله، لهجته صعبة جدًا بالنسبة لي». وفي حديثه مع صحفي أفغاني قال: «صوتك جميل ولهجتك كذلك، لكني لا أفهم شيئًا مما تقول!». وقبل شهر فقط، قال ترامب للمستشار الألماني فريدريش ميرز: «تتحدث الإنجليزية بشكل رائع... رائع جدًا». خبراء اللغة: تقييم اللهجات غالبًا ما يُعبر عن تحيّزات اجتماعية قال علماء اللغة وفقًا لما أفادت به مجلة «تايم» الأمريكية إن تقييم اللهجات غالبًا ما يُعبر عن تحيّزات اجتماعية وليس عن جودة اللغة، وهو ما جاء خلال اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي، ونظيره الليبيري. وفي السياق ذاته، كتبت الباحثة نيكول روزن، أستاذة التفاعلات اللغوية في جامعة مانيتوبا، في مجلة "ذا كونفرسيشن" في وقت سابق من هذا العام: أن الناس يميلون إلى تصنيف لهجاتهم المحلية بأنها الأفضل، ويستندون في تقييمهم للآخرين إلى خلفياتهم العرقية والمكانية أكثر من معايير لغوية فعلية.