تتجدد في قلوب المصريين ذكرى «ملحمة البرث» الخالدة، حيث يمثل السابع من يوليو، ذكرى فريدة تحفر فى أذهاننا بدماء أبطالها والبسالة التي قدموها، ليحموا أرض مصر من الإرهاب المتطرف، فهي ليست مجرد ذكرى، بل ملحمة بطولية تُروى للأجيال، وشاهدة على تضحية قدمها أبطال مصر من رجال القوات المسلحة، للحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه. قبل سنوات مضت، في مثل هذا اليوم، وتحديدًا في فجر 7 يوليو 2017، سطرت قوة من الصاعقة المصرية، بقيادة الشهيد البطل العقيد أركان حرب أحمد صابر منسي، أروع قصص الفداء في مواجهة هجوم إرهابي غادر استهدف نقطة تمركزهم في «مربع البرث»، جنوب رفح، بشمال سيناء. ◄ صمود أسطوري في وجه الإرهاب كانت الساعات الأولى من صباح السابع من يوليو 2017 هادئة نسبيًا في مربع البرث، حيث كان أبطال الكتيبة 103 صاعقة في حالة تأهب دائمة، يراقبون تحركات العناصر الإرهابية. فجأة وبدون مقدمات، تحول الهدوء إلى جحيم، عندما شنت مجموعات إرهابية ضخمة، مدعومة بسيارات مفخخة وأسلحة ثقيلة، هجومًا مباغتًا على الكمين. كان هدفها اختراق التحصينات والقضاء على القوة المتمركزة. ◄ شجاعة ورفض الاستسلام «الله أكبر لكل أبطال شمال سيناء.. يمكن دي تكون آخر لحظات حياتي في الدنيا.. أنا لسه عايش في هجوم جماعة الدواعش التكفيريين علينا في مربع البرث.. دخلوا بكام عربية مفخخة وهدوا المبيتات وهدوا كل النقطة.. وأنا لسه عايش، أنا وأربع عساكر متمسكين بالتبة ومتمسكين بالأرض عشان خاطر زمايلنا الشهداء ما نسيبهمش ولا أي مصاب هنسيبه». «بسرعة يا رجالة أي حد يعرف يوصل للعمليات يبلغهم يضربوا مدفعية. إحنا لسه عايشين ومش هنسيب الأرض دي وعليها أي شهيد ولا أي مصاب.. الله أكبر لنجيب حقهم أو نموت زيهم.. الناس كلها يا رجالة تدعي للناس اللي هنا». هذه الكلمات كانت آخر ما لفظ به الشهيد البطل أحمد منسي، والتي عكست شجاعتة وإصراره على القتال حتى آخر نفس دفاعًا عن أرض الوطن هو وزملائه. قاد «المنسي» رجاله بكل شجاعة، ودارت معركة ضارية استمرت لساعات طويلة. استخدم الإرهابيون كل ما لديهم من قوة وغدر، لكن أبطال البرث صمدوا صمود الجبال. استبسل الجنود في الدفاع عن مواقعهم، ورفضوا الاستسلام، مؤمنين بأنهم خط الدفاع الأخير عن بلادهم. ◄ دماء روت تراب سيناء قدمت موقعة البرث كوكبة من الشهداء الأبرار، الذين ضحوا بأرواحهم فداءً لمصر. على رأس هؤلاء الشهداء، يأتي العقيد أحمد المنسي، الذي رفض الانسحاب أو التراجع، وقاتل حتى آخر رصاصة في جسده الطاهر، ملهمًا بذلك رفاقه ومؤكدًا على مبادئ الشجاعة والفداء. إلى جانبه، استشهد عدد كبير من الأبطال، منهم النقيب البطل أحمد الشبراوي، وعدد من الجنود والصف ضباط، الذين سقطوا وهم يدافعون عن كرامة الوطن. اقرأ أيضا| الذكرى الثامنة لملحمة البرث.. البطل منسي تصدى للإرهاب ل 4 ساعات متواصلة لم تكن هذه التضحيات بلا ثمن، فقد كبد أبطال البرث الإرهابيين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وأحبطوا مخططهم لاختراق المنطقة. أظهرت هذه المعركة للعالم أجمع «عزيمة الجيش المصري»على دحر الإرهاب والتصدي لأي محاولة للمساس بأمن البلاد. ◄ ذكرى تتوارثها الأجيال أصبحت قصة الشهيد أحمد المنسي ورفاقه، تُدرس في المدارس وتُروى في كل بيت، لتغرس في الأجيال القادمة حب الوطن والتضحية من أجله. وتعد موقعة البرث أكثر من مجرد ذكرى لمعركة، إنها رمز للصمود والتضحية، ودرس في الوطنية والإخلاص. لقد ألهمت هذه الملحمة الملايين من المصريين. ووفقًا لشهادة حية من أحد الأبطال الذين شاركوا فى الملحمة قال المجند «محمد على حسن»، إنه بدأ رحلته مع المقدم البطل أحمد المنسي عندما حضر معه مختلف عمليات الدهم والاقتحام للبؤر الإرهابية. وأشار إلى أنه انتقل إلى «البرث» مع المقدم «منسي» يوم الجمعة 3 رمضان، راويًا تفاصيل الهجوم على الكمين الأمنى، وأوضح أن العناصر التكفيرية بدأت فى شن الهجوم الساعة الرابعة فجرًا، خلال تبديل الورديات مع زملائه، وبدأ الهجوم أثناء خدمته أعلى سطح المبنى مع زميلين، قال أحدهما إن «يوم الجمعة يوم التكفيريين وعلينا الاستعداد». ◄ مواجهة التكفيريين بشجاعة وذكر أن التعامل مع الهجوم بدأ مع تفجير السيارة المفخخة، لافتًا إلى أنه سقط على جانبه الأيسر، وأفاق بعدها بدقائق قليلة ليجد زملاءه الذين تعاهدوا على التصدى للإرهابيين حتى آخر نفس. وأوضح أن القائد الراحل صعد إلى سطح إحدى البنايات؛ حيث كان هناك «تعامل مكثف» وطلقات «آر بى جى» أفقدته واحدة منها الوعى، مؤكدًا أن «منسى» كان يصطاد التكفيريين، بحيث كانت كل طلقة تصيب تكفيريًا وتقتله. وقال المجند «خالد علي»، الذي كان يواجه التكفيريين بشجاعة، والذى أطلق عليه الرائد البطل الشهيد أحمد الشبراوي اسم «خالد السفاح» لفتكه بالتكفيريين، إنه خدمته العسكرية كانت سنتهي قبل الحادث ب6 أشهر «كانوا عاملين عربيتين واحدة تمويه وواحدة مفخخة.. والشهيد محمود صبرى بلّغ على الجهاز وبيقول فى عربية جاية على المطب وبلّغت حرس سلاح، واشتبكنا معاها وفجأة ظهرت أعداد مهولة من التكفيريين، وكتلة نار من كل الاتجاهات، وفضلنا نتعامل لحد ما انفجرت المفخخة اللى دخلت من اتجاه تانى؛ لأنه كان المقصود بيت راشد اللى كان فيه العقيد البطل أحمد منسى». ◄ رويات الأبطال وأضاف: «كان مكان ارتكازى على السطح، وكان معايا العسكرى تايسون والشهيد أحمد نجم، ومع الانفجار استشهد أحمد نجم لأن السطح مفيهوش سواتر، واتعاملنا مع التكفيريين لآخر نفَس حتى وصول الدعم، ومنعناهم يوصلوا لجثث زملائنا أو المصابين ولآخر نفَس صمدنا فى وش التكفيريين، ومفيش كمين يقدر من الساعة 4 إلا عشرة ل7 الصبح صامد وسط الضرب ده والهجوم ده.. بس رجالة منسى أبطال». وأشار إلى أنه لم يقع ولم يفقد الوعى حتى وصول الدعم، وظل يقاتل هو والشهيد على على، الذى كان يحارب حتى وصول الدعم وفور وصول الدعم والاطمئنان على زملائه أنهم بأمان اُستشهد.. مشيرًا إلى أن لحظة خروج زملائه مصابين وشهداء بعد الواقعة كانت مميتة «زمايلى اللى واكل شارب نايم معاهم 3 سنين قدام عينى راحوا». بينما ذكر الملاز أول البطل «محمد طلعت السباعي»، أحد الناجين من «موقعة البرث»: «أنا كنت النبطشي في اليوم ده أنا وحسنين، بنبدل الخدمة في تمام الساعة صباحاً 4:00.. أبلغه الجندي خالد علي، من خلال الجهاز اللاسلكي أن هناك سيارة متجهة ناحية المدق وأطلقت النار وبدأ التعامل مع الموقف». وتابع الجندي البطل محمد علي: «أنه هو والكتيبة كانت بداية النباطشية الخاصة بهم، وبدأ كل جندي يجهزنفسه، وأخبرهم الجندي خالد أنه يشعر بعدم إرتياح فهذه ساعة بدرية، والنهاردة الجمعة ودي ساعتهم كل واحد يلبس ڤيسته وخوذته ويقف مكانه صح.. بعد كده وجدنا الشاويش «الفررجي»، يصيح أثبت.. أثبت، أثبت، وبدأ يتعامل بالرشاش». وأوضح الجندي أحمد عزت أنه سمع صوت، وبدأ الجنود يرددوا كلمة «حرس سلاح»، واحد بياخدها من واحد من واحد، كل واحد بيطلع على مكانه. قائلاً «المقدم الله يرحمه كان مدربنا على حرس السلاح دي أكتر من 100 مرة. في المرة الأولانية طلعنا فيها وفي المرة التانية، كل واحد عارف مكانه وعارف موقعه وعارف هيتحرك إزاي. السلاح بيبقى تحت المخدة». وتابع الجندي البطل باسل رفعت قائلاً «كنت نايم وصحيت على حرس سلاح، السلاح بتاعي بيبقى تحت المخدة بتاعتي.. في عربيات قدام البيت بره، كل واحد بالسواق بيطلع يحاوط البيت. بالسواقين والبرج. وأنا طالع كان في عسكري قبلي اسمه فرج، نط السلالم عشان كان في تعامل». ◄ إرادة المصريين ويقول البطل فتحي عبد الرحمن: «العربية اللي كانت داخلة النقطة كانت مفخخة، وجدت التكفيري بيبص منها وبيضحك، فضلنا نضرب في العربية وبعدها انفجرت، كان هناك 15 واحد على السطح كلهم طاروا.. حدث الانفجار من الجهه الغربية وبسبب شدة موجة الانفجار طار السلاح والسواتر، ووقع الحائط ومنهم من تشوهات رؤيته، والبعض كان مقيد بسبب وقوع أجزاء من الحائط عليه». وتابع: «أخبرهم الشهيد أحمد المنسي بألا يسمحوا لهؤلاء التكفيريين أن يدخلوا النقطة». وأكدت هذه الملحمة على أن الإرهاب لن يكسر إرادة المصريين، وأن القوات المسلحة المصرية ستبقى الدرع الواقي للوطن، مستعدة دائمًا لدفع أغلى الأثمان في سبيل حفظ أمنه واستقراره. إن دماء شهداء البرث الطاهرة هي وقودنا للاستمرار في مسيرة التنمية والبناء، وهي عهد بأن تبقى مصر عزيزة أبية، صامدة في وجه كل التحديات.