يتوقف تاريخنا المصرى أمام الكثير من اللحظات متسائلاً.. هل ما حدث حقيقىٌ أم شىءٌ من الأساطير؟.. وهو ما ينطبق على ملحمة «البرث» التى ضرب أبطالها أنبل وأروع معانى التضحية وحب الوطن وقدسية أراضيه. يحمل يوم 7 يوليو سنويًا ذكرَى تلك الملحمة البطولية التى يقف التاريخ عاجزًا عن وصف تفاصيلها.. فمنذ 8 سنوات ضرب الشهيد البطل العقيد أركان حرب أحمد صابر منسى، ورجاله من الكتيبة (103) صاعقة، المَثل فى الصمود والتمسك بالأرض، ودحر مخططات الإرهاب؛ حين هاجمهم أكثر من 150 عنصرًا إرهابيًا فى «مربع البرث»- جنوب غرب مدينة رفح بشمال سيناء- فى محاولة لاحتلال نقطة الارتكاز الأمنى التى كانت بمثابة «شوكة» فى ظهر العناصر الإرهابية؛ لأن «منسى» ورجاله قطعوا الدعم عنهم من الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى، كما مثلت نقطة الارتكاز الأمنى تلك مركزًا لانطلاق العمليات النوعية التى أوقعت الكثير من الإرهابيين. وتُظهر بعض تفاصيل الملحمة، أنه فى يوم 7 يوليو 2017، فى الساعة الرابعة فجرًا تحديدًا هاجم الموقع نحو 150 عنصرًا مقاتلاً تابعًا لتنظيم داعش الإرهابى باستخدام نحو 12 سيارة كروز مُدججة بالأسلحة المختلفة، بداية من الأسلحة الخفيفة وقذائف «آر بى جى» وهاون، فضلاً عن المفخخات والقنابل اليدوية. واستخدمت العناصر الإرهابية فى بداية الهجوم سيارة مفخخة جرَى تمويهها داخل إحدى المزارع من أجل اختراق الكمين، وعندما بدأت القوات فى التصدى للهجوم انفجرت سيارة مدرعة للإرهابيين قرب الموقع الذى يطوقه العناصر الإرهابية من كل جانب، وفى الوقت نفسه سعت تلك العناصر لمنع وصول الإمدادات إلى الكمين بأى شكل من خلال زرع الألغام. اعتمدت العناصر الإرهابية فى الهجوم على السيارات المفخخة من أجل اختراق التحصينات الأمنية بالتمركزات المستهدفة، ومواجهة القوات التى أبدت ثباتًا منذ اللحظة الأولى للهجوم. ومنذ إبلاغ قائد الكتيبة المقدم أركان حرب أحمد صابر منسى، القادة بتعرض الموقع للهجوم، حتى وصول الدعم الجوى، واصل العسكريون المصريون الذود عن الموقع، واصطياد العديد من العناصر الإرهابية. كانت أوامر «المنسى» خلال المعركة لجنوده بحماية بعضهم البعض، وعدم ترك أى منهم جثة زميله حال مقتله حتى لا تتعرض للتمثيل بها على يد تلك العناصر الإرهابية، فكان غالبية من استشهد فى المعركة من أبطال قابضين على أسلحتهم أو داخل معداتهم العسكرية، فيما لم تستطع العناصر الإرهابية حمل ولو جثة واحدة لأى من الأبطال، وفروا هاربين تاركين جثث زملائهم التكفيريين ممن تم اصطيادهم فى تلك المعركة. وأمام بسالة الجنود المصريين، فشلت العناصر الإرهابية فى تحقيق هدفهم من الهجوم، وهو احتلال التمركز الأمنى وتدميره بالكامل، ورفع عَلم داعش لتحقيق انتصار نوعى. ولم يكن «المنسى» منكفئًا على نفسه داخل الموقع؛ بل شارك جنوده فى التصدى للدواعش، فكان يطلق النار من على سطح المبنى المحاصَر صوب الإرهابيين، حتى استشهد بطلاً برصاص أحدهم، فى مشهد بطولى سيخلده التاريخ على مَرّ الزمان. على مدار ساعات متتالية منذ بدء الهجوم حتى وصول الدعم، تصدت قوات الكتيبة (103) من الصاعقة المصرية للعناصر الإرهابية، بينما تعرضت قوات الدعم التى تحركت لإنقاذ المحاصرين إلى هجمات بالألغام والسيارات المفخخة، حتى وصول الدعم الجوى. ومع وصول مقاتلات سلاح الجو، شرعت فى قصف العناصر الإرهابية واصطيادهم، حتى تمكنت من إيقاع أكثر 40 قتيلاً فى صفوف العناصر الإرهابية، فيما لاذ من استطاع منهم النجاة بالفرار؛ ليتم استهدافهم فى عمليات تمشيط واسعة أجرتها القوات المسلحة وقوات الداخلية بعد ذلك. ووفقًا لشهادة حية من أحد الأبطال الذين شاركوا فى الملحمة قال المجند محمد على حسن، أنه بدأ رحلته مع المقدم البطل أحمد منسى عندما حضر معه مختلف عمليات الدهم والاقتحام للبؤر الإرهابية. وأشار إلى أنه انتقل إلى «البرث» مع المقدم «منسى» يوم الجمعة 3 رمضان، راويًا تفاصيل الهجوم على الكمين الأمنى، وأوضح أن العناصر التكفيرية بدأت فى شن الهجوم الساعة الرابعة فجرًا، خلال تبديل الورديات مع زملائه، وبدأ الهجوم أثناء خدمته أعلى سطح المبنى مع زميلين، قال أحدهما إن «يوم الجمعة يوم التكفيريين وعلينا الاستعداد». وذكر أن التعامل مع الهجوم بدأ مع تفجير السيارة المفخخة، لافتًا إلى أنه سقط على جانبه الأيسر، وأفاق بعدها بدقائق قليلة ليجد زملاءه الذين تعاهدوا على التصدى للإرهابيين حتى آخر نفَس. وأوضح أن القائد الراحل صعد إلى سطح إحدى البنايات؛ حيث كان هناك «تعامل مكثف» وطلقات «آر بى جى» أفقدته واحدة منها الوعى، مؤكدًا أن «منسى» كان يصطاد التكفيريين، بحيث كانت كل طلقة تصيب تكفيريًا وتقتله. المجند خالد على، الشاب السوهاجى ابن صعيد مصر، صاحب القلب الميت فى العمليات والمداهمات، الذى كان يضرب التكفيريين بيد من حديد، والذى أطلق عليه الرائد البطل الشهيد أحمد عمر الشبراوى اسم «خالد السفاح» لفتكه وبطشه بالتكفيريين، يقول أيضًا إنه كان سينهى خدمته العسكرية قبل الحادث ب6 أشهر «كانوا عاملين عربيتين واحدة تمويه وواحدة مفخخة.. والشهيد محمود صبرى بلّغ على الجهاز وبيقول فى عربية جاية على المطب وبلّغت حرس سلاح، واشتبكنا معاها وفجأة ظهرت أعداد مهولة من التكفيريين، وكتلة نار من كل الاتجاهات، وفضلنا نتعامل لحد ما انفجرت المفخخة اللى دخلت من اتجاه تانى؛ لأنه كان المقصود بيت راشد اللى كان فيه العقيد البطل أحمد منسى». وأضاف: «كان مكان ارتكازى على السطح، وكان معايا العسكرى تايسون والشهيد أحمد نجم، ومع الانفجار استشهد أحمد نجم لأن السطح مفيهوش سواتر، واتعاملنا مع التكفيريين لآخر نفَس حتى وصول الدعم، ومنعناهم يوصلوا لجثث زملائنا أو المصابين ولآخر نفَس صمدنا فى وش التكفيريين، ومفيش كمين يقدر من الساعة 4 إلا عشرة ل7 الصبح صامد وسط الضرب ده والهجوم ده.. بس رجالة منسى أبطال». وأشار إلى أنه لم يقع ولم يفقد الوعى حتى وصول الدعم، وظل يقاتل هو والشهيد على على، الذى كان يحارب حتى وصول الدعم وفور وصول الدعم والاطمئنان على زملائه أنهم بأمان اُستشهد.. مشيرًا إلى أن لحظة خروج زملائه مصابين وشهداء بعد الواقعة كانت مميتة «زمايلى اللى واكل شارب نايم معاهم 3 سنين قدام عينى راحوا». واستكمل المجند خالد على: «أول مرة شوفت منسى كان فى 2015 كان فى الكتيبة 103 صاعقة، وكان بينهى الخدمة فى الكتيبة 103 صاعقة وهيسيب سيناء، ولما مشى جالنا الشهيد البطل رامى حسنين اللى كان شخصية محترمة جدًا، ومكانش بيفرق بين عسكرى ورتبة، وكان زَيِّنا زَيُّه، وحضرت واقعة استشهاده وكنت معاه فى دوريات نهارية وليلية، وفى يوم الاستشهاد قاللى اركب عربية تانية وأنا كنت ببقى فى عربيته على طول وأصر إنى ماركبش معاه، وفى الدورية أول ما طلعنا انفجرت عربيته بعبوة مفخخة، وكمّلنا المداهمة والمهمة اللى كنا رايحين ليها، ورجعت من المداهمة لقيت الشهيد البطل منسى استلم مهام الكتيبة 103 صاعقة وبدأ شغلى معاه».