خطفت الفنانة سلوى محمد على الأنظار بأداء استثنائى فى مسلسل «فات الميعاد»، حيث جسدت من خلاله شخصية «عبلة»، الأم التى اختارت الصمت والرضا بالقهر حفاظًا على ما تبقى من بيت يوشك أن ينهار، والمتسلطة القوية بين أولادها، ولم تكتف سلوى بتقديم أداء تمثيلى متقن، بل سلطت الضوء على نموذج حقيقى لنساء يعشن بيننا، نساء يضحين بأنفسهن من أجل أبنائهن، ويقبلن بالعنف على أنه «قدر لا بد منه».. وتفتح سلوى محمد على قلبها لتتحدث عن كواليس هذا الدور الصعب، وعن نظرتها للشخصية التى أثارت جدلًا واسعًا، بين من تعاطف معها ومن رفض قناعاتها، تكشف عن التحديات التى واجهتها أثناء التصوير، ومدى تشابه عبلة مع نساء الواقع، كما تتناول وجهة نظرها فى قضايا العنف الأسرى والتمييز المجتمعى. أربى بناتى على الحرية والكرامة والاحترام المتبادل فى البداية كيف وجدت ردود الفعل على شخصية «عبلة» فى مسلسل «فات الميعاد» ؟ سعيدة بردود الفعل التى تلقيتها حتى الآن، المسلسل ككل يعد عملا استثنائيا، واستطاع أن يفرض نفسه على الساحة كونه يناقش قضية مسكوت عنها، وهذا يؤكد أن العمل الجيد الذى يناقش قضايا مهمة يلتف حوله الجمهور ويندمج مع شخصياته، وشخصية «عبلة» نموذج موجود فى المجتمع، حاولت التعبير عنه بشكل صادق ومنصف. كيف قيمت الشخصية فور اطلاعك على السيناريو؟ عندما قرأت السيناريو لأول مرة، شعرت بأننى أمام شخصية مركبة، مليئة بالتفاصيل النفسية والاجتماعية، وتمثل نموذجًا واقعيًا لعدد كبير من الأمهات فى مجتمعنا، وخاصة فى البيئات الشعبية والتقليدية، وعبلة ليست مجرد أم، بل هى صورة من صور المرأة التى نشأت فى بيئة تعتبر الصمت فضيلة، والخضوع واجبًا، والتضحية من أجل الأبناء أمر مقدس، حتى لو جاء ذلك على حساب كرامتها وسعادتها، كانت رؤيتى أن هذه الشخصية تحمل رسالة عميقة، وتستحق أن تقدم بصدق وجرأة، لأنها تعكس واقعًا مؤلمًا يعيشه الكثيرون دون صوت. هل تخوفت من تقديم هذا الدور خاصة لما يحمله من حساسية اجتماعية؟ كان هناك تخوف فى البداية، ليس فقط لأن الدور صعب نفسيًا وملىء بالتناقضات، ولكن أيضًا لأننى كنت مدركة أن البعض قد يسىء فهم الرسالة، وعندما تحدثت مع المخرج سعد هنداوى وفريق الكتابة، شعرت بالاطمئنان، لأن هدف العمل لم يكن الإثارة أو المبالغة، بل كان هدفه الأول والأخير أن نعكس الواقع، وأن نضع المجتمع أمام مرآة يرى فيها نفسه، بكل ما فيها من آلام ومشكلات تحتاج إلى مواجهة صادقة، لذلك قررت أن أخوض هذه المغامرة الفنية والإنسانية بكل ما فيها من تحدٍ. هل رأيت شخصية مشابهة لعبلة فى حياتك اليومية؟ هذا النموذج يتكرر كثيرًا، ويمكن رؤيته بسهولة فى الأرياف، أو حتى فى بعض الأحياء الشعبية داخل المدن مثل القلعة أو شبرا أو المناطق العشوائية، أو حتى فى المناطق الراقية، وهى امرأة قد تكون أمك أو جارتك أو خالتك، امرأة تعتبر أن الألم جزء من الحياة، وأن «العيب» فى الطلاق وليس فى الضرب، وأن البقاء فى بيت الزوجية، مهما كانت الإهانة، أفضل من «كلام الناس»، شخصيًا، رأيت نساءً كثيرات يحملن نفس الملامح النفسية والاجتماعية لعبلة، ولهذا شعرت أنها شخصية واقعية تمامًا. هل تتفقين مع عبلة فى أى جانب من جوانب شخصيتها؟ عبلة ليست شخصية شريرة، هى ضحية مثل غيرها من النساء اللواتى تربين فى بيئة ترى المرأة كيانًا ناقصًا يجب أن يرضى بالقليل، ولا يحق له الرفض أو التمرد، لا أبرر ما تفعله، لكنى أفهم دوافعها، هى مؤمنة بأن ما تقوم به هو الصواب، وأنها تحمى أبناءها، حتى لو كان الثمن قاسيًا، أنا لا أتفق معها فى تصرفاتها، لكننى أجد أنها تستحق التعاطف أكثر من الإدانة، لأن المشكلة الحقيقية فى الفكر المجتمعى الذى خلق مثل هذه الشخصيات، وليس فى المرأة نفسها فقط. هل لاحظت وجود تفرقة فى تعامل عبلة بين أبنائها وبناتها أو زوجات أبنائها؟ عبلة شخصية قاسية من حيث التفكير، لكنها لا تفرق بين بناتها وزوجات أبنائها، فهى تؤمن بنفس المبادئ القديمة الخاطئة التى تساوى بين الجميع فى الخضوع والطاعة والسكوت، وتبرر ضرب الزوج لزوجته، وتعتبره «حقًا» له إذا قصرت فى واجباتها، هذا الاعتقاد ليس فقط خاطئًا بل خطير جدًا، لأنه يرسخ لثقافة العنف الأسرى ويجعلها مقبولة ومشروعة، ما يجب أن نفهمه هو أن عبلة ليست وحيدة، بل تمثل شريحة واسعة يجب أن نعمل جميعًا لتوعيتها وتغيير هذه المفاهيم المغلوطة. هل تجدين أى نقاط تشابه بينك وبين هذه الشخصية؟ لا توجد أوجه شبه كثيرة بينى وبين عبلة، لكن هناك نقطة واحدة نشترك فيها، وهى رفض فكرة أن «أحدًا يجب أن يصرف عليك»، وأنا أؤمن بالاستقلال المادى، وأعتبره جزءًا من كرامتى واحترامى لنفسى، وهذه صفة أجدها فيها أيضًا، رغم كل شىء، ونحن نختلف تمامًا فى نظرتنا للحياة، للزواج، وللعلاقات الأسرية، هى تخضع لمفاهيم قديمة، بينما أنا أؤمن بالحوار والتفاهم والندية بين الرجل والمرأة. هل تقبلين أن تتصرف إحدى بناتك مثل عبلة فى المستقبل؟ أبدًا، لا أقبل بأى حال من الأحوال أن تكرر بناتى هذا النموذج، لا أقبل أن تهان امرأة باسم الزواج أو أن تعذب باسم الحفاظ على الأسرة، عبلة نموذج يجب أن نتجاوزه لا أن نكرسه، وأن نضع حدًا لهذا النوع من التربية والتفكير، وأنا أربى بناتى على الحرية والكرامة والاحترام المتبادل، وأرفض تمامًا أن يسكتن على أى نوع من الإهانة أو القهر، والمرأة ليست أقل من الرجل فى شىء، ومن حقها أن تعيش بكرامة وسلام نفسى.