في لحظة فارقة من عمر الوطن، خرج ملايين المصريين فى 30 يونيو 2013 رافضين حكم جماعة الإخوان، مؤكدين أن مصر لا تُختطف، وأن وعى الشعب لا يُغتال، واليوم - بعد 12 عامًا - يواجه الوطن تحديات جسامًا، ويحتاج كل صوت، وكل ساعد يبنى، وكل وعى يُدرك خطورة ما يحُيط بالدولة من أزمات داخلية وإقليمية وعالمية، غير أن مشهدًا واحدًا رُبما يتكرر، ويُحذر منه كثيرون، عودة ما يُعرف ب«حزب الكنبة»، تلك الفئة الصامتة، المُتفرجة، التى تُراقب الأحداث من بعيد دون مُشاركة أو موقف، والسؤال الآن: «هل يُمكن أن نواجه تلك المخاطر بذات التراخى؟! وهل نستطيع عبور المرحلة الراهنة دون تكتل وطنى شعبى شبيه بما حدث فى 30 يونيو؟! ولعل الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، تكون مُناسبة لندعو فيها لإطلاق مشروع وطنى كبير بعنوان «أنا شريك.. لا مُتفرج»، يشمل حملات إعلامية، ومُبادرات شعبية، وخططاً تنموية تستهدف دمج المُجتمع بكل فئاته في مشروع بناء الدولة ومواجهة التحديات المُحيطة بها، فمصر لا تُبنى إلا بوعى شعبها، ولن يصمد الوطن أمام التحديات، إلا إذا بقى الشعب فى ميدان العمل والإنتاج، والتصدى يدًا واحدة لدعوات الهدم والتخريب وحملات التشكيك، لا الجلوس على الكنبة كمُتفرجين. لقد أُطلق مصطلح «حزب الكنبة» فى أعقاب ثورة 25 يناير، تعبيرًا عن شريحة واسعة من المواطنين الذين آثروا البقاء فى منازلهم، بعيدًا عن التظاهر أو الانخراط المُباشر فى المجال العام، ولم تكن هذه الفئة ذات توجه سياسى موحد، بل كانت أقرب ل«كتلة رمادية» تتحرك فقط حين يتقاطع الخطر مع أمنها الشخصى أو استقرارها الاقتصادى، وبحسب الخبراء فإن أخطر ما فى هذه الفئة أنها تُسهم فى صناعة الفراغ، ذلك الفراغ الذى ربما تملؤه القوى المُتطرفة والمًتربصة بالدولة. ■ سيدات مصر حملن أطفالهن وخرجن لاستعادة مصر ◄ سلبية وقت الأزمات ترتكز كل دولة فى مواجهتها للأزمات على ثلاث قوى هى قوة المؤسسات، والقيادة، والشعب، فإذا غابت الأخيرة، ترنحت الدولة مهما كانت صلابة مؤسساتها، فالسلبية المُجتمعية تُضعف الجبهة الداخلية، وتفتح الباب أمام قوى الشر، سواء فى الداخل أو الخارج، وهُنا يُحذر اللواء الدكتور نصر سالم، المُستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، من أن المرحلة الحالية تتطلب أن يكون الشعب فى خندق واحد مع الجيش والشرطة والقيادة السياسية، تمامًا كما حدث في ثورة 30 يونيو، فلا يُمكن لمصر أن تواجه التحديات الإقليمية والدولية، مثل تهديدات الإرهاب، وملف سد النهضة، والأزمات الاقتصادية، دون تعبئة وطنية شاملة. ولفت إلى أن ثورة 30 يونيو شهدت نزول جزء كبير من «حزب الكنبة» إلى الشوارع، وربما كان المشهد الأشهر لمواطن فى بورسعيد رفع كنبة على سيارته وكتب عليها «أنا حزب الكنبة ..ونزلت أنا والكنبة»، مُعبرًا عن شعور جارف بضرورة التحرك الجماعى لمواجهة خطر الإخوان، مُشددًا على أن 30 يونيو لم تكن ثورة النخبة، بل ثورة الإدراك الجماهيرى بالخطر، وكانت دعوة عامة للشارع للعودة إلى الميدان، وكان للمواطن العادى الدور الأبرز فى صناعة المشهد، لأن الإخوان خسروا هذا المواطن حين شعر أنه بات غريبًا فى بلده. ◄ اقرأ أيضًا | ثورة 30 يونيو| مواقف تاريخية مُشرفة.. الأزهر والكنيسة يد واحدة لبناء الوطن ◄ أخطر مرحلة عن التحديات الحالية التى تواجه مصر، والتى تطلب وعيًا شاملًا وتحركًا جماعيًا غير منقوص، يُحدثنا الخبير الاقتصادى الدكتور فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مؤكدًا أن مصر تمر بعدة أزمات مُركبة منها الاقتصادية كالتضخم، والمديونية الخارجية، ومنها الجيوسياسية كصراع الشرق الأوسط، وتهديدات الإرهاب، وقلق الحدود، علاوة على عدد من المُشكلات الاجتماعية، ويُشير إلى أن المرحلة الحالية هى أخطر مرحلة تمر بها مصر منذ 2011، وعلى المواطن أن يُدرك أن المُشاركة لا تعنى فقط التصويت، بل الالتزام بالعمل والإنتاج ومواجهة الشائعات، التى تُعد سلاحًا موازيًا فى حروب الجيل الرابع والخامس. وأضاف، أننا لكى نمنع عودة حزب الكنبة مُجدداً علينا تبنى خطة عمل وطنية حقيقية، تقوم على بث الأمل الحقيقى، توسيع قنوات المشاركة السياسية عبر فتح المجال العام المُنضبط والواعى، وتشجيع الأحزاب الجادة، وتحفيز المُبادرات المُجتمعية فالجمعيات الأهلية والمُجتمع المدنى شريك لا بديل عنه، وهو ما تؤمن به الدولة المصرية حاليًا، وتوسيع مُشاركة الشباب فى القرار، علاوة على وجود خطاب إعلامى توعوى، لا تجارى أو مُحبط. ◄ عودة الصمت تصاعد الأحداث المُحيطة بنا فى الإقليم وخصوصًا بفلسطين، وما يشنه الاحتلال من جرائم بشعة تجاه أشقائنا، وفى ذات الوقت التحديات الجسيمة التى تواجهها الدولة المصرية، وإحاطتها بحزام نارى بمنطقة مُشتعلة يفرض على كل مصرى واجب وطنى تجاه بلده، وهو الاصطفاف خلف القيادة، والترابط ليمر وطننا بسلام في هذه الفترة الحرجة، وفقًا للنائب عصام هلال، وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشيوخ، والذي يُشير إلى أن الدولة المصرية التى عبرت 30 يونيو بإعجاز شعبى وسياسى وأمنى، لا ينبغى أن تعود إلى الوراء بعودة الصمت الجماهيرى، فحزب الكنبة، إذا استعاد موقعه، سيكون بوابة لعودة العبث، والسلبية، والانقسام، موضحًا أن ما تحتاجه مصر اليوم هو وعى جمعى مُتصل لا موسمى، وإن يكون هناك إنتاج على الأرض لا جدال فى الهواء، وإيمان تام بأن حماية الوطن ليست وظيفة الجيش فقط، بل مُهمة كل مواطن. هلال، شدد على أنه حال ترابط الشعب والتفافه خلف القيادة السياسية لن يستطع أحد النيل من الدولة المصرية، فالكُرة حاليًا فى ملعب الشعب ووعيه، مُشيرًا إلى أن محاولات تفكيك النسيج الوطنى مُستمرة، ولن تتوقف، وعلينا جميعًا التصدى لكل هذه المحاولات الشيطانية بنشر الوعى، ومعرفة حجم التحديات التى تواجه الدولة المصرية، وأن القيادة السياسية والجيش هما بوصلة الشعب للحفاظ على أمن وسلامة الوطن، منوهًا بأن أهل الشر يكثفون جهودهم من أجل تفكيك الشعب المصري من خلال بث الشائعات وتزايدها، وتشويه الإنجازات، والتقليل من الدور المصرى وإفقاد الثقة فى القيادات، فكل هذه الأمور فى مُنتهى الخطورة حاليًا، وعلينا التصدى لكل هذه المحاولات المُستميتة من خلال ترابطنا واصطفاف الشعب خلف قيادته. ◄ جريمة بحق الوطن إن الركون إلى السلبية واللامبالاة جريمة فى حق الوطن، فقد أمرنا الله تعالى أن نكون شُهداء بالقسط، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المُنكر، وأن نكون فاعلين فى عمارة الأرض، هذا ما يؤكده الشيخ محمد زهران، من علماء وزارة الأوقاف، مُشيرًا إلى أن السلبية موقف سلبى أمام الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس، فالمُشاركة فى حماية الوطن، وفى العمل، وفى دعم الدولة، هو واجب شرعى ووطنى. الدولة المصرية بعد 30 يونيو أعادت اكتشاف ذاتها وإمكاناتها، فلأول مرة أصبح لدى مصر خطة مُستقبلية واضحة المعالم حتى 2030، كما سخرت مصر مواردها بما يعود بالنفع على شعبها ومحيطها، ومن هنا اختفى مفهوم حزب الكنبة، كما يؤكد الدكتور على الدين القصبى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادى، مُشيرًا إلى أن المواطن يُشارك الآن، ولا يقف فى صفوف المُتفرجين، لأنه يُشاهد حصاد الإنجازات على كافة المستويات، بفضل سياسة ورؤية حكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى أعاد لمصر الأمن والاستقرار بمحاربته للإرهاب، والقضاء عليه، وانتشرت المشروعات التنموية بكافة ربوع مصر بلا استثناء، ونبنى جميعًا جمهورية جديدة ذات «حياة كريمة»، ومدن جديدة ذكية، ونشهد تنمية حقيقية بالبنية التحتية، والطرق السريعة، والكبارى، والتعليم، والثقافة، والصحة، ما أتاح تدفق الاستثمارات، فضلًا عن نجاح تمكين الشباب والمرأة بشكل غير مسبوق.