من هنا تبدأ رحلة الإنسان مع الغش! فى لجنة الامتحان تكون الخطوة الأولى، ثم تنمو النبتة الخبيثة، وتواكب الغشاش فى مراحل حياته المختلفة، طالبًا، موظفًا، رب أسرة،...،... وحيثما وأينما حل لا يبالى الغشاش إلا بأن يحصل على ما لا يستحق، ويحرز نتائج غير جدير بها!. يتصور بعض أولياء الأمور خطأ أن تزيين أمر الغش لأبنائهم، أو توفير سبل أكثر أمنًا لتهيئة مناخ الغش وتربته، مسألة مرحلية، ما تلبث أن تصبح ماضيًا، إلا أن الحقيقة شديدة المرارة، إنهم يزرعون فى تكوين الابن الغشاش بذرة خبيثة، يتولى هو رعايتها، ويرنو دائمًا أن يجنى ثمارها التى رغم مرارتها يستعذب مزاقها بل ويدمنه! أبدًا، الغش لا يمثل بالنسبة للغشاش مرحلة عابرة، ولكنه يصبح منهج حياة، ولنتذكر تلك النماذج التى مارست هذه الرذيلة، وقاموا بتطوير أدواتها، لنجد الباحث الذى يسرق رسالة علمية، والمهندس الذى يغش فى مواد البناء لتنهار الأبنية التى أشرف على تشييدها، والمحامى الذى يبيع موكله للخصم،..، ...، ... لقد بدأوا بالغش فى لجان الامتحان، مجرد هواة، ثم تحولوا لاحتراف الغش فى حياتهم العملية. وعندما يصبحون آباء، فإنهم يلقنون أبناءهم ذات الدرس: غشوا تتفوقوا.. غشوا تحصلوا على الدرجة النهائية، غشوا تفوزوا بمراكز متقدمة تسهل التحاقكم بكليات القمة!. لعل خطورة ذلك أن ثمة احترافًا للنخب فى المجتمع عبر سوس الغش، الذى ينخر فى ضمائر من تربوا على الغش، فيلوث فطرتهم، ويسمم أرواحهم، وكلما ارتقى هؤلاء فى مواقعهم، باتوا أشد خطرًا على المجتمع بأثره.. الغش آفة يقود انتشارها إلى ضرب العديد من القيم الأخلاقية فى مقتل. هل نتصور أن غشاشًا يعرف للحياء سبيلًا، أم أنه لا يجد حرجًا فى فعل أى شيء دون أن يخشى لومة لائم؟ هل نصادف غشاشًا يعلى قيمة العلم بينما يستسهل الحصول على شهادته الدراسية بالغش؟ هل نرى غشاشًا يقدر قيمة التفكير وهو من دأب أن يكون طفيليًا يحصل بالغش على ثمرة جهد غيره؟. وفى المحصلة، فإن الغشاش يضرب عرض الحائط بالأمانة، كفضيلة مهمة، حين تغيب، ينحرف السلوك وتتفشى الرذائل، فلا دين لمن لا أمان له، ولنتذكر قول رسولنا الكريم «من غشنا فليس منا».