أمام التغييرات والتقلبات الحادة التى تمر على منطقة الشرق الأوسط الآن تعبر ثورة ال30 من يونيو بحضورها الدائم الذى لم يغب لحظة عن المشهد السياسى الداخلى والإقليمى والدولى. يمكن النظر إلى يونيو من زاوية مباشرة أنها الثورة التى صنعتها الجماهير بخروجها الهادر لتطيح بجماعة فاشية تسللت إلى السلطة فى غفلة تاريخية صعب تكرارها، النظر إلى يونيو من هذه الزاوية فقط يقلل من حجم الحدث ونضال هذا الشعب. بالتأكيد نجحت يونيو فى تحقيق الهدف المباشر وإقصاء الفاشية الإخوانية لكن ثورة يونيو فى عملها الأكبر واجهت وتصدت لمشروع استعمارى ضخم قاده تيار اليسار المعولم من داخل الولاياتالمتحدة وامتد إلى أوروبا غرضه الأساسى رسم شرق أوسط جديد تتحكم فى مفاصله الفاشية الإخوانية كوكيل لقوى الاستعمار لتحقق مصالحه عن بعد. الآن يعود هذا المصطلح مرة أخرى الشرق الأوسط الجديد فى ظل حضور يونيو الدائم فى هذا الشرق الجديد الذى يتشكل بالدم والنار، اختفى المعولمون من الصورة السياسية داخل الولاياتالمتحدة إلى حين وأتى خصومهم الذين يمثلون تيار الرأسمالية الكلاسيكية وأقصى اليمين وهم أيضا يحلمون بشرق أوسط جديد يعيدون تشكيل خرائطه وفق أحلامهم الاستعمارية. لا فارق بين المعولم والكلاسيكى فكلاهما يسعى وراء تحقيق الأغراض و المصالح الاستعمارية للامبراطورية الأمريكية، يكمن الفارق فى بعض الأمور الشكلية والأسلوب فالتيار المعولم أكثر خبثًا ويغطى وجهه الاستعمارى القبيح بطلاء الحريات وحقوق الإنسان، أما خصومهم فاستحضروا فجاجة القرن ال 19 حيث كانت القوى الاستعمارية تعربد وتنهب الشعوب المستضعفة بلا حسيب ولا رقيب معتمدة فقط على قوة أساطيلها وجيوشها، فى كثير من الأحيان تخطف ألاعيب السيرك السياسى فى واشنطن وتبادل السباب بين التيارين العيون والأذهان عن الغرض الاستعمارى الرئيسى الذى يسعى وراءه كلاهما وإن اختلف الأسلوب. لأن هذه الهجمة الاستعمارية على منطقتنا لم تنته بعد ومستمرة وان اختلف الفاعل لتحقيق أحلام الشرق الأوسط الجديد يكون حضور يونيو الآن بمبادئها ونضال جماهيرها وطلائع الأمة المصرية من قواتها المسلحة وشرطتها التى قادت هذا الزخم الثورى مرجعية ونقطة ارتكاز وحصن فى مواجهة الهجمة الاستعمارية الحالية والشرسة فى عدائها لقيم العدالة الإنسانية. تعطينا مرجعية يونيو ومبادئها قدرة فريدة على كشف طبيعة الصراع الدائر لتحقيق الأحلام الاستعمارية الجنونية حول هذا الأوسط الجديد، أول ما يمكن طرحه يتعلق بالفاشية الإخوانية ودورها فى هذا الصراع ففى معركة يونيو الأولى قبل 12 عامًا ظهرت الفاشية الإخوانية كوكيل استعمارى واضح دون مواربة يساندها ويفرض وجودها فى السلطة تيار اليسار المعولم بواشنطن فهل استغنى سادة واشنطن الجدد عن خدمات الفاشية الإخوانية كعميل ووكيل استعمارى بارع فى الخيانة وتنفيذ المصالح الاستعمارية بدقة؟ تأتى الإجابة من الدروس التى تعلمناها من خلال مسيرة يونيو التى جاوزت العقد ويزيد فالعملاء الوكلاء الخونة لايتم الاستغناء عن خدماتهم الوضيعة من قبل السادة المستعمرين بسهولة لأنهم حريصيين على خدمة سادتهم ، ففى ولاية ترامب الأولى وهو زعيم تيار الكلاسيكيين أو عصابة القرن ال 19 وأثناء حملته الانتخابية أعلن أن أول ماسيفعله هو وضع الفاشية الإخوانية فى مكانها الطبيعى كصانعة للإرهاب وينهى الشراكة بينها وخصومه من اليسار المعولم وعلى رأسهم الرئيس السابق باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون لكن دخل ترامب البيت الأبيض وخرج منه ثم عاد له ولم يضع الفاشية الإخوانية على لوائح الجماعات الإرهابية. هل نسى ترامب الفاشية الإخوانية مثلا؟ إن السيرك الانتخابى الذى يعقد فى الولاياتالمتحدة كل أربع سنوات لاختيار الرئيس يطرح الكثير من التصريحات والوعود الزائفة لكن داخل الغرف المغلقة عندما يطلع الرئيس على الحقائق من قبل أجهزة مخابراته وما يقدمه العملاء مثل الفاشية الإخوانية من خدمات للامبراطورية الاستعمارية يتراجع على الفور وتتحول الوعود إلى دخان فى الهواء. فلم تتخل الولاياتالمتحدة عن استخدام عمالة الجماعة الفاشية سواء كان فى البيت الأبيض معولمين أو كلاسيكيين، الفارق يكمن فقط فيما يمكن أن نطلق عليه (إعادة توظيف) لعمالة الفاشية الإخوانية وفق أسلوب الإدارة الأمريكية الجديدة. استخدم خصوم ترامب من المعولمين عمالة الفاشية الإخوانية بمنهج واضح فى محاولة لوضعهم على رأس السلطة بالقوة كأن المعولمين وعلى رأسهم الثنائى أوباما/ هيلارى استعاروا بلطجة الكلاسيكيين فى فرض رؤيتهم المزعومة ببناء شرق أوسط جديد، والآن نجد ترامب وتياره يستعير من خصومه منهج الخبث فى (إعادة توظيف) عمالة الفاشية الإخوانية فما اتبعه الثنائى أوباما / كلينتون ثبت فشله وتحطم على صخرة يونيو الصلبة لتصد مصر وثورتها عن المنطقة جنون المعولمين بفرض حكم الفاشية الإخوانية على الشرق الأوسط. أدرك تيار ترامب أن أسلوب خصومه فشل فشلا ذريعًا وأن يونيو وزخمها الثورى الممتد قادر على الإطاحة خلال ساعات بالفاشية الإخوانية سواء حاولت الاقتراب من الداخل المصرى أو حاولت التأثير عليه بدعايتها السوداء، وبدأ منظرو الترامبية يعملون بجد على عملية ( إعادة توظيف ) الفاشية الإخوانية لخدمة الجنون الاستعمارى الذى لاينتهى بصناعة شرق أوسط جديد يخدم مصالح الامبراطورية. يمكن ملاحظة ملامح خطة (إعادة التوظيف ) من خلال الأدوار التى تقوم بها الفاشية الإخوانية الآن فى صورتها الفيروسية المتحورة وفق أسلوب الإدارة الأمريكية الجديدة، أول مهام ( إعادة التوظيف ) أن تصبح الفاشية الإخوانية فتيلا وفاتحة إطلاق النزاعات فى كافة أرجاء المنطقة لتسمح بالتدخل الاستعمارى لفرض وتحقيق المصالح الاستعمارية بالقوة، وبالتأكيد لن تحتاج الإدارة الأمريكية مجهودًا كبيرًا فى توجيه الفاشية الإخوانية فى مهمتها لأن الجماعة لها تاريخ إجرامى عريق فى مجال إشعال النزاعات والتفتيت وخلخلة استقرار الدول الوطنية. تتزامل هنا الفاشية الإخوانية فى هذه المهمة مع الوكيل الاستعمارى الأول للامبراطورية الأمريكية فى المنطقة أى إسرائيل وإذا كان المعولمون وفق رؤيتهم جمعوا الإخوان والإسرائيليين فى حكومة إسرائيلية واحدة (حكومة بينت / لبيد) قبل 4 سنوات، فالآن حسب خطة (إعادة التوظيف ) يصبح نتنياهو الممول الأول ماليًا لحماس الإخوانية أعداء ويتحول رعاة قيادات الحركة الإخوانية الى وسطاء لتنفتح أمام المصالح الاستعمارية الأبواب ونسمع عن ريفيرا غزة والممر الاقتصادى الأمريكى فى الشرق الأوسط الذى يمر على جثث الفلسطينيين أو تهجيرهم. قبل سنوات كان تيار ترامب وهو شخصيًا يعلنون قرب وضع الجماعة الفاشية على لوائح الإرهاب، الآن يجلس مبعوثو ترامب مع حركة حماس الإخوانية للتفاوض أو يتم الاجتماع بقيادات تنظيمهم الدولى فى واشنطن من أجل ترتيبات "السلام " قد نصاب بالدهشة من هذه التحولات لكن وفق خطة ( إعادة التوظيف) تصبح الأمور خالية من الدهشة لأن هذه الاجتماعات والمفاوضات جزء من المهمة الرئيسية، فبعد إشعال النزاعات يعملون على إطالتها حتى تجد المصالح الاستعمارية الوقت المناسب للتحقق. عند الذهاب إلى سوريا نجد مهمة أخرى فى خطة ( إعادة التوظيف ) يقودها الصديق المقرب لترامب توم باراك سفير واشنطن فى تركيا ومبعوثه إلى سوريا هنا نجد الفصائل الإخوانية بتنوعاتها وبقيادة تركيا أردوغان ذات التوجه الإخوانى يجهزون "للسلام " الإسرائيلى / السورى على حساب الأراضى السورية المحتلة، أو بمعنى آخر تصنيع سوريا جديدة فى الشرق الأوسط الجديد منزوعة العروبة والسلاح بمباركة بيانات الجماعة الفاشية التى لا تتوقف عن الصدور. وسط هذا السيرك الإخوانى و( إعادة التوظيف ) فى سوريا يخرج مبعوث ترامب السفير باراك ويعلن أن اتفاقية سايكس / بيكو يجب أن تنتهى لأنها فتت الشرق الأوسط فتظن أنه عاد إلى أصوله اللبنانية وتحول إلى قومى عربى لكن عندما تراجع مخططات تيار ترامب اليمينى تجد أن بدلا من سايكس / بيكو هناك مصطلح جديد وخبيث يريدون تطبيقه ويطبخ على نار هادئة بمساعدة الفاشية الإخوانية تحت عنوان " دولة الشعوب " موجه ضد مفهوم الدولة الوطنية ويستهدف المشرق العربى، إنه تقسيم من نوع آخر ولكن دون وقاحة سايكس / بيكو. تقوم الفاشية الإخوانية بمهمة أخرى فى خطة (إعادة التوظيف ) فى المنطقة سواء بفصائلها المتنوعة أو التدخل التركى ولنعتبرها مهمة مستقبلية فالولاياتالمتحدة التى تندد بالإرهاب والفصائل الإرهابية تسمح بتواجد جيش من (الأيجور) على أرض سوريا ومن هم (الأيجور)؟ إنهم الانفصاليين الذين يطالبون بانفصال إقليم شينجيانج عن الصين البوابة البرية لمبادرة الحزام والطريق الصينية. إن خطة (إعادة التوظيف ) للفاشية الإخوانية التى تدار من قبل الكلاسيكيين واليمين الأمريكى مازال بها الكثير ولها استخدامات متعددة فى الأحلام الجنونية حول الشرق الأوسط الجديد المزعوم لكن يبقى سؤال لماذا نهتم فليستخدم الاستعماريون العملاء الفاشيست كما يريدون؟ الإجابة سنجدها ونحن نراقب ملامح خطة ( إعادة التوظيف ) تلك فكل حدود هذه الخطة يديرها الاستعمار فى خبث ودهاء حول دوائر الأمن القومى المصرى القريبة والبعيدة محاولا التسلل من أى ثغرة. فقد يأس الاستعمار من فكرة إقحام الفاشية الإخوانية على الداخل المصرى أو الاشتباك مع مفهوم الدولة المصرية وزاد يأسًا وحسرة أمام صلابة الأمة المصرية المتجذرة فى التاريخ وليزداد الاستعمار يأسًا وحسرة فالوعى والزخم الثورى ليونيو وشعبها وطليعة هذه الأمة قادرون على حماية هذا الوطن من خططه ومحاولاته الجنونية فى صناعة شرق أوسط يخدم مصالحه الشريرة وتدفع الشعوب ثمنها من استقرارها ومواردها وحياة أبنائها.