فتيات السنابسة، وراءهن أباء وأمهات لم يبخلوا على بناتهم بالرعاية،واجتهدوا لتعليمهن بقدر امكانياتهم. حادث كفر السنابسة بكل سلبياته ، كشف وجهاً إيجابياً ربما كان مفاجأة لنا جميعاً. كشف حالة من الوعى لم أكن أتصور وجودها فى كفر صغير ،داخل مركز ، داخل محافظة فى ريف مصر. فمن قلب مشاعر الحزن والوجع ، وجدت نفسى أفخر ببنات بلدى المتعلمات ، الطموحات ، المكافحات ، شهيدات كفر السنابسة. أنا شخصياً من الذين لم يروا فى خروج بنات كفر السنابسة للعمل فى سن صغيرة عيباً ، بل العكس ، رأيتهن بنات متعلمات لديهن طموح فى الدراسة والعمل والزواج . بنات شعرن بضيق حال أهاليهم، وقرروا ألا يحملوهم فوق طاقتهم ، وألا يجعلوا الفقر فى نفس الوقت حائلاً أمام طموحهن، فخرجن للبحث عن لقمة العيش الحلال بمنتهى الشرف والكرامة. حبيبة أنهت الدبلوم وتحلم بكلية الهندسة ، خرجت تعمل وتضع القرش على القرش لتكمل 5 آلاف جنيه ، رسوم اجتياز المعادلة والالتحاق بالهندسة، وميادة أنهت دراستها ، وخطبت للشاب الذى اختارته، وخرجت تعمل وتجمع النقود، لتساعد أهلها فى توفير جهازها ، وشيماء وهنا ومروة وآية وغيرهن، قصص متشابهة تحمل رائحة الطموح والكفاح. فكر وأخلاق هؤلاء الفتيات لم يأت من فراغ، وراءه أباء وأمهات لم يرون بناتهم عبئاً يسعون للتخلص منه بزواج عرفى غير متكافئ، زواج أشبه بالصفقة ، يلقى بالابنة القاصر فى النار، دون أن يوفر لها أى حقوق ولا ضمانات كما يحدث للأسف فى بعض القرى. فتيات السنابسة، وراءهن أباء وأمهات لم يبخلوا على بناتهم بالرعاية،واجتهدوا لتعليمهن بقدر امكانياتهم. وحينما عجزوا عن استكمال الرحلة مع بناتهن ، شجعوهن على تحقيق طموحهن، والخروج للعمل سعياً وراء لقمة العيش . شهيدات كفر السنابسة ، بنات مكافحات ، وأهلهن على قدر كبير من الوعى، وخروجهن للعمل مبكرا، لا يدين أهلهن، لأننا نعيش فى زمن يحتاج لتكاتف كل أفراد الأسرة ، ونواجه غلاء لا يستطيع رب الأسرة وحده مواجهته. ندعو الله بالرحمة لبناتنا ، شهيدات كفر السنابسة، وندعو الله بالصبر لكل الأهالى المعذبين بفراقهن. وندعو الله على كل من تسبب برعونته أو إهماله فى وأد أحلام بنات صغيرات، وأحلام أهلهن . الحوادث تتكرر كل يوم ، رغم أن الأسباب معروفة للجميع، رقابة معدومة ، رادارات لا جدوى منها بعد أن أصبحت صديقة لقائدى السيارات يعرفون أماكنها ويجيدون الهرب منها «واتقاء شرها «، مطبات وحفر قاتلة، أعمدة إضاءة مطفأة، وتريلات وسيارات طائشة يقودها شاب مستهتر، أو سائق «مبرشم» ، فى ظل رقابة غائبة ، أو قوانين لا تطبق. وللأسف، فى كل مرة ، ننتفض، ونحذر ، ونتوعد، وفى النهاية نطلق وعوداً لا تنفذ.